مايز عبيد

"المنكوبين" في طرابلس... والمنكوب من اسمِ حيِّه يُعْرَفُ

8 كانون الثاني 2020

02 : 00

في حيٍّ لا تتجاوز مساحته الكيلومتر المربع الواحد على أطراف طرابلس، تجد مشاهد الفقر والبؤس، والإفتقار إلى البُنى التحتية والفوقية الأساسية لمعيشة كريمة لساكنيه، كلها تتجمّع في هذا المكان الذي لم يظلم باسمه "منكوب" وأهله ولكن سبب ظلمه هو غياب الدولة وتقاعس السياسيين.

في هذا الحيّ المسمّى بالمنكوبين في نطاق البداوي، والذي يتخذ حدوداً جغرافية مع وادي النحلة والتبانة وجبل محسن، مئات القصص والروايات تُكتب، عن أشخاص جمعتهم الهموم على اختلافها (مشاكل عائلية، فقر، مشاكل مع الدولة ...) -ولكنها كلها قصص يطبعها الأسى والحزن - فكان نصيبهم أن يكونوا في عشوائية سكنية واحدة، هي "حي المنكوبين"، حي الفقر والبطالة. منازل مكدسة قرب بعضها البعض بعشوائية، أكل الفقر وشرب من جدرانها المتعبة، التي تشهد على آثار المعارك التي شهدتها المنطقة، وغرفها حيث الواحدة أو الإثنتين تعتبر في عُرف هذا الحي منزلاً، تسكنه عدّة عائلات لكل منها غرفة.

النفايات في كل مكان، والطريق في مدخل الحي أشبه بمستنقع يتعطّش إلى الإسفلت أو الباطون ولا يراها... هنا في المنكوبين لا شيء يشي بأن إنماء الدولة "مرّ من هنا". لا طرقات، لا مدارس، لا كهرباء ولا ماء ولا أية مشاريع إنمائية. أغلبية من يسكنون هذا الحي هم آتون من عكّار أو الضنية أو المنية لأسباب وأسباب، سكنوا هذا الحي الفقير. بعضهم قد نقل نفوسه إلى المنطقة وبعضهم الآخر لا يزال على نفوس منطقته التي أتى منها. منهم من ذهب إلى عكّار وصوّت للوائح المختلفة وقت الإنتخابات بين "مستقبل" و "وطني حر"، لكنّ الجميع نسوهم. في هذا الحي صبية يتجمعون ويتحدثون وأطفال يلعبون أيضاً. صحيح أنه مكان لا يليق لكنهم أناسٌ قرروا معاندة الحياة الصعبة. يعتبر أحمد العلي أحد سكان الحي أن "لا شيء يذكر في هذا الحي إلا الفقر والإهمال. لدينا متعلمون وحملة شهادات عليا لكنّهم متروكون للفقر والبطالة. تسألني بماذا نطالب؟ نطالب بكل شيء فلا يوجد عندنا شيء. أنظر من الطريق حتى منظر البيوت والجدران وكل شيء وأنت تعرف".

بدنا نعيش بسلام

مازن وابراهيم شابان يجلسان على حائط داخل الحي يشربان القهوة التي لطالما كانا قد اشترياها من أحد الباعة على دراجته. عندما اقتربت منهما وتوجهت إليهما بالسؤال: هل تحبان التصريح للإعلام؟ بادرا بالقول: "شو ما بدك نحنا جاهزين". نحن هنا في هذا الحي عدد من الشباب لدينا علم ومؤهلات ومهن (أنا يلي بعرفن أكتر من 20 شاباً) ... ومعظمنا بين الـ 20 والـ 30 من العمر ولا عمل لدينا ولا شيء يذكر، يقول مازن ابراهيم. ثم يضيف بحسرة أحكي لك قصتي الشخصية، "ففي كل فترة يستدعونني إلى التحقيق وأحياناً للتوقيف، مع وضع إشارة على السجل العدلي فلا أستطيع أن أتوظف أو اقتناء رخصة قيادة أو غيره والسبب المشاركة بأحداث طرابلس". نحن هنا مطالبنا بسيطة، نريد كشباب أن نحصل على حقوقنا ونعيش بسلام وأمان. نعم لقد انتخبت العام الماضي وأعطيت الصوت التفضيلي لكنني الآن لم تعد لدي الثقة بكل السياسيين لأنهم خذلونا، يختم مازن ابراهيم حديثه.

الكلام يستتبع مع الشاب ابراهيم إدريس من وادي خالد العكارية وهو أحد سكان حي المنكوبين. فبالنسبة إلى ابراهيم "لا وجود لبلدية هنا. لقد حسبونا على بلدية وادي النحلة التي لا تسأل عنّا. انظر إلى النفايات والأوساخ وستعرف ما أقوله بنفسك. تخيّل أن رئيس بلدية في منطقتنا كان يعمل (مليس) ولما صار رئيس بلدية نسينا وهو اليوم يملك أحدث السيارات". بينما تعتبر آمنة ص. وهي أم لخمسة أطفال من سكان الحي والتي صوّتت في الإنتخابات الماضية للرئيس ميقاتي "كلهم ما بيعرفونا إلا بالإنتخابات ... بيجو ياخدونا لنصوتلن وبيشيلونا عن الأرض... وينن هلأ عني وعن عيلتي ما يجو يشوفو فقرنا وشحارنا".

وإذا كان أهم ما يطالب به الشباب في هذا الحي هي فرص العمل فإن العتب حد اللوم، على النواب والمسؤولين والبلديات، موجود في كل أحاديثهم لأنهم يعتبرون أنهم خذلوهم وقضوا على آمالهم فأصبحوا بين عاطلين ومطلوبين، وملاحقين وتائهين، إلا مواطنين.


MISS 3