عبده جميل غصوب

قراءة قانونية لتعديل بعض مواد قانون السرية المصرفية

13 تشرين الثاني 2022

14 : 23

بتاريخ 3/9/1956 صدر قانون سرية المصارف لتوفير الملاذ الآمن للأموال الآتية الى المصارف اللبنانية والاجنبية العاملة في لبنان وتأمين حرية تداولها وتحويلها، فشكل ميزة اساسية للبنان وحافزاً لجلب الاموال الى صناديق المصارف على امتداد ستة عقود ونيّف.


إلا أن هذا القانون، الذي وضع في ظروف اقتصادية وسياسية معيّنة، كان وما زال حتى تاريخ تعديل 3/11/2022 ، في صيغته الاساسية، اذ لم يطرأ عليه اي تعديل؛ سوى ما حصل منذ حوالي أكثر من سنة، حين أقر المجلس النيابي اقتراح قانون يرمي الى تعديله. فأعاده رئيس الجمهورية الى المجلس لإعادة النظر ببعض احكامه. فأنجزت عملية إعادة النظر، ولم يجرِ إقراره. فأعدت الحكومة مشروع قانون معجل يرمي الى تعديل كل من قانون سرية المصارف والقانون رقم 328 تاريخ 2/8/2011 ( اصول المحاكمات الجزائية ) والمادة 150 والمادة 150 من القانون المنفذ بالمرسوم رقم 13513 تاريخ 1/8/1963 ( قانون النقد والتسليف ) والمادة 23 من القانون رقم 44 تاريخ 11/11/2008 ( قانون الاجراءات الضريبية ) والمادة 103 من المرسوم الاشتراعي رقم 144 تاريخ 12/6/1959 ( قانون ضريبة الدخل )، وإحالته على المجلس النيابي لدرسه وإقراره، فأقره المجلس واحاله على الحكومة للعمل على اصداره ونشره.


إلا أن رئيس الجمهورية اعاده ثانية الى المجلس لإعادة النظر به، في ما خص المفعول الرجعي ومنح مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع صلاحية طلب رفع السرية المصرفية، وإقراره معدلاً. فتم إقراره، مع بعض التعديلات الطفيفة. وتمت إحالته مجددا الى الحكومة لإصداره فصدر بصيغته الحاضرة تحت الرقم 306/2022، ونشر في العدد 47 من الجريدة الرسمية تاريخ 3/11/2022.


ولعل أبرز التطورات المبررة لتعديله، التي حصلت منذ تاريخ صدوره بصيغته الاصلية في 3/9/1956، هي الآتية:


ـ صدور قانون النقد والتسليف وإنشاء مصرف لبنان.


ـ حصول ازمة بنك انترا.


ـ انضمام لبنان الى اتفاقية تبييض الاموال وتمويل الارهاب وإصدار التشريع المطلوب بموجب هذه الاتفاقية وانشاء هيئة خاصة للتحقيق في المخالفات.


ـ تفشي الفساد، الذي إستوجب إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.


ـ إزدياد طرق التهرب الضريبي.


ـ صدور القانون رقم 55 تاريخ 27 تشرين الاول 2016 ( تبادل المعلومات لغايات ضريبية ) بما يتلاءم مع الاتفاقيات الدولية الموقعّة من قبل الدولة اللبنانية، لا سيما الاتفاقية المتعددة الاطراف للتعاون التقني في المجال الضريبي ( MAC ) .


ـ لجوء المصارف منذ حوالي ثلاث سنوات الى الحد من السحوبات والايداعات، خصوصا بالعملات الاجنبية، وصولا احيانا الى عدم إجرائها؛ والى الامتناع عن اجراء التحاويل الى الخارج. الا لبعض المحظوظين من زبائنها وباستنسابية مطلقة!


لم يعد قانون السرية المصرفية بصيغته الاصلية صالحاً لمواكبة الزمن الحاضر، خصوصاً وأنه شكّل في كثير من الاحيان عائقاً امام تطبيق ما استجد من تشريعات كانت ضرورية لمواكبة الاقتصاد الحديث في العالم وللحد من بعض " الآفات " المالية والسياسية في لبنان.


وقد شكّلت الازمة الاقتصادية والسياسية التي يواجهها لبنان والمتفاقمة يوماً بعد آخر، دافعاً للسير قدماً بتعديل قانون السرية المصرفية، ليصبح القانون اللبناني متماشياً مع القوانين اللازمة لإنجاز " خطة التعافي الاقتصادي" التي باتت ضرورة أولية لازمة لإنجاز اي اصلاح اقتصادي للبنان. كما ساهمت عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي لوضع لبنان على سكة التعافي والنهوض، في تأكيد فكرة السير بتعديل هذا القانون، من ضمن " سلة " اصلاحات لازمة لتوقيع الاتفاق مع الصندوق المذكور، الذي – فيما لو تم – سيعيد لبنان الى الساحة الاقتصادية الدولية، التي بات معزولا عنها لاسباب سياسية واقتصادية.


ولكن اذا كان صحيحاً ان تعديل قانون سرية المصارف يأتي ضمن سلّة من التشريعات والاصلاحات الاقتصادية والمالية، فان الصحيح ايضاً ان هذه الاصلاحات لن تأتي بثمارها اذا لم تقترن بحل سياسي عام للبنان، اذ ان الحل السياسي يبقى الاطار العام للحل، ولن تنفع الاطر الداخلية سواء أكانت تشريعية أم اقتصادية ومالية، ما لم يكن الاطار السياسي العام مؤمنا. ان الاستقرار السياسي في لبنان هو الباب الاساسي لولوج الحلول الاقتصادية، وبدونه تبقى التشريعات الجديدة – ومن ضمنها تعديل قانون السرية المصرفية – أحرفا ميتة.


الغاية من تعديل قانون السرية المصرفية تتلخص في ثلاثة اهداف:


ـ تعزيز اجراءات ووسائل مكافحة تبييض الاموال لتمويل الارهاب.


ـ تعزيز اجراءات ووسائل مكافحة الفساد.


ـ تعزيز الامتثال الضريبي والحد من التهرب.


ان تحقيق هذه الاهداف الرئيسية الثلاث يشكّل شرطاً اولياً لإعادة لبنان الى الخريطة الاقتصادية الدولية والاّ سيبقى معزولا يتخبط في أزمته التي طالت وبدأت تقضي على أسسه الوطنية والاجتماعية والانسانية كافة.


لم يتخلَ المشترع في التعديل الحاضر عن السرية المصرفية كمبدأ (اولا)، لكنه ادخل عليه جملة استثناءات ان لجهة دائرة توسيع الاطراف المستثنين منه، أو لجهة رفع السرية، ولجهة عدم سريانها على الادارة الضريبية، بناء لطلب هيئات محددة في القانون ( ثانيا ) ثم حصّن المشترع القانون عبر ترتب نتائج على مخالفته، سواء في مجال افشاء السر المصرفي او في مجال الامتناع عن اعطاء المعلومات المطلوبة من الهيئة التي اولاها القانون صلاحية طلبها (ثالثا). وكان لا بد من تعديل الاحكام السابقة التي ترعى " الحسابات المرقمة " (رابعاً).


- أوّلاً: الابقاء على مبدأ السرية المصرفية


أبقى المشترع في المادة الاولى الجديدة، على مبدا السرية المصرفية معمولا به في التشريع اللبناني. ولكنه، كما في قانون 3/9/1956، لم يطلق على المبدأ تسمية " السرية المصرفية "، بل اخضع المصارف لمبدأ " سر المهنة"؛ وكان الاجدر به الاّ يستعمل مصطلحين يؤديان ذات المعنى، فتعدد المصطلحات ذات المدلول الواحد، غير محبذ في منهجية التشريع السليمة.


وكان المشترع في قانون 3/9/1956 قد أخضع السرية المصرفية لشرط حصول المصارف اللبنانية والاجنبية العاملة في لبنان لموافقة خاصة يعطيها وزير المال لهذه الغاية. الا انة هذا الشرط قد الغي لاحقا، باحكام المادة 139 من قانون النقد والتسليف؛ فأبقي المشترع في التعديل الحاضر على النص المعدل في حالته السابقة.


واستعاد المشترع في القانون الجديد حرفيا احكام المادة 2 من القانون القديم، فذكر في الفقرة (أ) منها ان مديري ومستخدمي المصارف المشار اليها في المادة الاولى وكل من له اطلاع بحكم صفته او وظيفته بأية طريقة كانت على قيود الدفاتر والمعاملات والمراسلات المصرفية، يلزمون بكتمان السر لمصلحة زبائن هذه المصارف.


ولا يجوز لهم افشاء ما يعرفونه عن اسماء الزبائن واموالهم والامور المتعلقة بهم لاي شخص فردا كان ام سلطة عامة: ادارية او عسكرية او قضائية، الا اذا اذن لهم بذلك خطيا صاحب الشأن او ورثته او الموصى لهم او اذا اعلن افلاسه او اذا نشأت دعوى تتعلق بمعاملة مصرفية بين المصارف وزبائنها او وفقا للاستثناءات المعددة في المادة السابعة من القانون الجديد.


- ثانياً: الاستثناءات:


هناك الاستثناءات القديمة المنصوص عنها في قانون 3/9/1956 (أ) والاستثناءات الجديدة (ب) التي حصرها المشترع بأطراف محددين (1) او بناء لطلب هيئات محددة (2).


كما اكد عدم سريان السرية المصرفية على الادارة الضريبية (3) وعدم تأثيرها على عمل ادارات وموظفي البنك المركزي ولجنة الرقابة على المصارف (4)، والتزام الاشخاص بإبلاغ الادارة الضريبية على المعاملات التي لديهم (5).


أ ـ الابقاء على الاستثناءات القديمة المنصوص عنها في قانون 3/9/1956

استثنى المشترع في القانون القديم، في الفقرة الثانية من المادة الاولى من احكام السرية المصرفية " مصرف التسليف الزراعي والصناعي والعقاري". وقد ابقى على هذا الاستثناء في الفقرة الثانية من المادة الاولى الجديدة . كما أبقى في المادة 2 الجديدة، على الاستثناء المنصوص عنه في المادة الثانية من قانون 3/9/1956، المتمثل بالاذن الخطي المعطى من صاحب الشأن او ورثته او الموصى لهم او اذا اعلن افلاسه او اذا نشأت دعوى تتعلق بمعاملة مصرفية بين المصارف وزبائنها . وأبقى التعديل الجديد على المادتين الخامسة والسادسة من قانون 3/9/1956، حيث نصّت المادة الخامسة منه على جواز الاتفاق مسبقا على اعطاء الاذن المنوه عنه في المواد السابقة في كل عقد من اي نوع كان، وعدم جواز الرجوع عن هذا الاذن الا بموافقة جميع المتعاقدين. ونصّت المادة السادسة من القانون القديم على جواز تبادل المصارف فيما بينها فقط وتحت طابع السرية، المعلومات المتعلقة بحسابات زبائنها المدنية، وذلك صيانة لتوظيف اموالها .

ولكن المشترع في القانون الجديد وسّع مروحة الاستثناءات، فادخل استثناءات جديدة، بموجب المادة السابقة من القانون الجديد.

ب ـ الاستثناءات بموجب القانون الجديد


1 ـ الاستثناءات الجديدة المتمثلة بتوسيع دائرة الاطراف المستثنين من السرية المصرفية


نصّت المادة 2 الفقرة (ب) الجديدة انه لا تطبق السرية المصرفية بالنسبة الى:

• الموظف العمومي: وقد عرفه المشترع في القانون الجديد بانه اي شخص ملزم بتقديم تصريح الذمة المالية المنصوص عنها في القانون رقم 189/2020. ويؤدي وظيفة عامة او خدمة عامة سواء أكان معينا ام منتخبا، دائما ام مؤقتا، مدفوع الاجر ام غير مدفوع الاجر، لدى اي شخص من اشخاص القانون العام او القانون الخاص، على المستويين المركزي واللامركزي، وبشكل عام اي شخص يؤدي عملا لصالح ملك عام او منشأة عامة او مرفق عام او مؤسسة عامة او مصلحة عامة او مال عام، سواء اكان مملوكا، كليا او جزئيا، من احد اشخاص القانون العام، سواء تولاها بصورة قانونية ام واقعية، بما في ذلك اي منصب من مناصب السلطات الدستورية او اي منصب تشريعي او قضائي او تنفيذي او اداري او عسكري او مالي او امني او استشاري والازواج والاولاد القاصرين، والاشخاص المستعارين و / او المؤتمنين و/ أو الاوصياء ، و/أو صاحب الحق الاقتصادي.


• رؤساء الجمعيات والهيئات الادارية التي تتعاطى نشاطا سياسيا وهيئات المجتمع المدني، كما وازواجهم واولادهم القاصرين، والاشخاص المستعارين و/أو المؤتمنين و/أو الاوصياء – و/ أو صاحب الحق الاقتصادي، والمرشحين للانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية كافة، من خلال تملكات متسلسلة او وسائل سيطرة غير مباشرة متسلسلة أخرى أو خارجها، عملاً بالقوانين المرعية.


• رؤساء واعضاء مجالس ادارة المصارف ومدراؤها التنفيذيين ومدققي الحسابات الحاليين والسابقين، ورؤساء واعضاء مجالس ادارة الشركات التي تدير او تملك الوسائل الاعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة والالكترونية.


تبقى مفاعيل هذه الفقرة سارية على المذكورين فيها حتى بعد تاريخ استقالتهم او انهاء خدماتهم او احالتهم على التقاعد، وذلك عن طيلة الفترة التي كانوا يتولون فيها مهامهم اعلاه ولمدة خمس سنوات اضافية بعدها. كما تسري على كل من تولى سابقا أيّاً من المسؤوليات الواردة فيها في 23 ايلول 1988 ولغاية تاريخه، بمن فيهم من احيلوا على التقاعد او اصبحوا خارج الخدمة، وذلك وفقا لأحكام كل من القانون رقم 44، تاريخ 24/11/2015 وتعديلاته (مكافحة تبييض الاموال وتمويل الإرهاب)، والقانون رقم 189 تاريخ 16 تشرين الاول 2020 (قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الاثراء غير المشروع)، والقانون رقم 175 تاريخ 8 أيار 2020 (قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وانشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد).



2 ـ الاستثناءات الجديدة المتعلقة برفع السرية المصرفية بناء لطلب هيئات محددة

نصّت المادة السابعة من القانون الجديد انه مع مراعاة احكام المادة الثانية منه، لا يمكن للمصارف المشار اليها في المادة الاولى ان تتذرع بسر المهنة او بسرية المصارف المنصوص عنها في هذا القانون، وعليها ان تقدم جميع المعلومات المطلوبة فور تلقيها طلبا من:


ـ القضاء المختص في الدعاوى المتعلقة بجرائم الفساد والجرائم الواقعة على الاموال وفقا لأحكام قانون العقوبات، والجرائم المنصوص عنها في المادة 19 من قانون اصول المحاكمات الجزائية، والجرائم المحددة في المادة الاولى من القانون رقم 44 تاريخ 24/11/2015 وتعديلاته (مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب) ، دعاوى الاثراء غير المشروع المقامة استناداً الى القانون رقم 189 تاريخ 16 تشرين الاول 2020 (قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الاثراء غير المشروع).


ـ هيئة التحقيق الخاصة بموجب قانون مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب الانف الذكر.


ـ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، استنادا الى القانون رقم 175 تاريخ 8 أيار 2020 (قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وانشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد)، لا سيما المادة الرابعة منه والمادة الثالثة عشرة من القانون رقم 189 تاريخ 16/10/2020 (قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الاثراء غير المشروع).


ـ الادارة الضريبية بهدف مكافحة التهرب الضريبي والالتزام الضريبي والتدقيق، وذلك وفقا لأحكام القانون رقم 44 تاريخ 11 تشرين الثاني 2008 وتعديلاته (قانون الإجراءات الضريبية).


ـ كل من مصرف لبنان المنشأ بموجب القانون المنفذ بالمرسوم رقم 13513 تاريخ 1/8/1963 وتعديلاته (قانون النقد والتسليف)، ولجنة الرقابة على المصارف والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع المنشأتين بموجب القانون رقم 28/67، تاريخ 9/5/1967 وتعديلاته (تعديل واكمال التشريع المتعلق بالمصارف وانشاء مؤسسة مختلطة لضمان الودائع المصرفية)، وذلك بهدف إعادة هيكلية القطاع المصرفي وممارسة دورها الرقابي عليه. ويمكن للجهات الواردة اعلاه تبادل المعلومات فيما بينها لهذه الغاية. كما يمكن لهذه الجهات، بهدف اعادة هيكلة القطاع المصرفي والقيام بالأعمال الرقابية عليه، ان تطلب معلومات محمية بالسرية المصرفية دون تحديد حساب معيّن او عميل معيّن، بما في ذلك اصدار طلب عام بإعطاء معلومات عن جميع الحسابات والعملاء من دون اسمائهم. ويتم تحديد المعايير والضوابط التطبيقية المتعلقة بالطلبات المقدمة من هذه الجهات بموجب مراسيم تتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية.


الا ان هذه الطلبات الاخيرة تبقى قابلة للاعتراض امام قاضي الامور المستعجلة من قبل الاشخاص الطبيعيين والمعنويين المعنيين بها. ويكون الاعتراض خاضعا للأصول المقررة بشأن الاوامر على العرائض.


يوقف الاعتراض تنفيذ الطلب الصادر عن احدى هذه الهيئات، الى حين صدور الحكم بشأنه، ما لم يقرر القاضي الناظر بالطلب خلاف ذلك، خلال مدة خمسة عشر يوماً.


وفي حال تم استئناف قرار قاضي الامور المستعجلة، يتوقف تنفيذ الطلب بالنسبة للمتضرر المستأنف فقط دون الاخرين، الواردة اسماؤهم في الطلب العام؛ خلافا للنتيجة الناشئة عن الاعتراض، اذ يتوقف عندها تنفيذ الطلب الصادر عن احدى الهيئات اعلاه، بالنسبة لجميع الواردة اسماؤهم في الطلب سواء أكانوا معترضين ام لا.


نبدي تحت هذا العنوان، ملاحظتين اثنتين:

الملاحظة الاولى تتعلق بمفهوم عبارة " القضاء المختص ". والملاحظة الثانية تتعلق بعدم الحاجة للمرور باي مرجع قضائي او ذي صفة قضائية او ادارية للاستحصال على الموافقة على طلب رفع السرية المصرفية.


النبذة الاولى ـ الملاحظة الاولى: معنى " القضاء المختص " الذي قصده المشترع

ان البند (أ) من المادة السابعة الجديدة ( المادة الاولى من القانون الجديد رقم 306/2022 ) أولى " القضاء المختص " صلاحية طلب الاستحصال على جميع المعلومات المصرفية، استثناء على السرية المصرفية.


يتبيّن من مناقشات النواب في جلسة اقراره بانه جرى توضيح هذا النص، عبر تعديل صياغته السابقة كما كانت عليه في القانون الذي اعاده رئيس الجمهورية الى المجلس النيابي بمقتضى المرسوم 10016/2022 حيث كانت قد اعتمدت فيه عبارة " القضاء المختص في دعاوى التحقيق "؛ ما أوحى بتفسيرها انها مقتصرة على قضاء التحقيق دون قضائي الملاحقة (النيابة العامة) والحكم (القضاء الجالس)، فجاء في مرسوم الرد الصادر عن رئيس الجمهورية ما حرفيته:


" وبما ان المحاكمات الجزائية تبدأ بالادعاء العام، فانه يقتضي تمكين النيابة العامة من الوصول الى المعلومات التي تسمح لها بتكوين الملف قبل إحالته الى قضاء التحقيق، بحيث تعطى صلاحية التقدم من المصارف بطلب المعلومات الى القضاء المختص في الادعاء والتحقيق".


غير ان القانون الجديد ذهب الى أبعد مما أراده رئيس الجمهورية في مرسوم الرد، لأنه اعتمد عبارة " القضاء المختص" بدلا من العبارة المقترحة في مرسوم الرد وهي القضاء المختص في الادعاء والتحقيق؛ ما يؤكد بان التعديل الذي تمّ اقراره في نص القانون رقم 306/2022 الجديد، شمل قضاء الملاحقة ( النيابات العامة ) والتحقيق ( قضاة التحقيق ) وقضاء الحكم، متخليا عن عبارة "دعاوى التحقيق" التي كانت معتمدة في القانون قبل رده من قبل رئيس الجمهورية ومتخليا ايضا عن العبارة المقترحة في مرسوم الرد وهي " القضاء المختص في الادعاء والتحقيق".


النبذة الثانية ـ الملاحظة الثانية: عدم الحاجة للمرور باي مرجع قضائي او ذي صفة قضائية او ادارية للاستحصال على الموافقة على طلب رفع السرية المصرفية


قبل التعديل، كان القانون رقم 532 تاريخ 16/10/2008، في مادة وحيدة، قد نص على توسيع صلاحية "هيئة التحقيق الخاصة"، المنشأة بموجب القانون رقم 318 تاريخ 20/4/2001، المتعلق بمكافحة تبييض الاموال؛ فجاء فيها ما حرفيته:


" مادة وحيدة: يحصر بـ هيئة التحقيق الخاصة المنشأة بموجب القانون رقم 318 تاريخ 20/4/2001 المتعلق بمكافحة تبييض الاموال صلاحية تجميد ورفع السرية المصرفية عن الحسابات المصرفية وذلك تطبيقا للاتفاقيات والقوانين المرعية الاجراء المتعلقة بمكافحة الفساد، لا سيما اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، على ان تعتمد بهذا الخصوص الاصول المنصوص عنها في القانون رقم 318/2001 المذكورة اعلاه".


كنا قد جزمنا في دراسة سابقة انه على المرجع القضائي المختص ان يحيل طلب رفع السرية الى " هيئة التحقيق الخاصة " في مصرف لبنان، المختصة حصرا بتجميد الحسابات ورفع السرية المصرفية، على ان تعتمد هذه الاخيرة بهذا الخصوص الاصول المنصوص عنها في القانون رقم 318/2001، تاريخ 20/4/2011.


لم يأت القانون الجديد باي توضيح لفظي بهذا الخصوص، بالرغم من اقتراح النائبين بولا يعقوبيان ووضاح الصادق، في جلسة المناقشة، ان تتم اضافة عبارة مفادها جواز تقديم طلب المعلومات الى المصارف مباشرة، بدون المرور باي مرجع قضائي او ذات صفة قضائية او ادارية.


الا انه لم تتم اضافة اي عبارة بهذا الخصوص بالرغم من تصديق التعديلات ( هكذا بصورة عامة ! ) المقترحة من النواب في تلك الجلسة.

لا يمكننا ان نترك هذا " العيب " المنهجي ( او الممنهج ) في اقرار القوانين خلال الجلسات النيابية بدون ابداء ملاحظاتنا بشأنه.


فقبل أيّام أدلى النائب فؤاد مخزومي بتصريح من دار الفتوى، كان لافتا فيه انزعاجه "من ان القوانين التي صوّت عليها المجلس النيابي بعد موافقة اللجان عليها، يجري تمريرها بصيغة مختلفة عما يتم التصويت عليها!".


هذا الامر يطرح مسألة في غاية الدقة والخطورة تتعلق بمدى مطابقة القوانين المنشورة في في الجريدة الرسمية والمصّوت عليها في المجلس النيابي مع التعديلات المقترحة والمقّرة خلال الجلسة!


إن من شأن هذا الامر، فيما لو كان صحيحا، ان يطرح مسألة في غاية الخطورة وهي عدم مطابقة ما يصدر عن المجلس النيابي من قوانين مع التعديلات الحاصلة خلال جلسات الهيئة العامة.


إن موقف النائب فؤاد مخزومي، اتى بعد اقرار قانون تعديل السرية المصرفية وسواه بموجب القانون الجديد رقم 306/2022 تاريخ 3/11/2022، الذي نحن الان بصدده، حيث صدرت عدة مواقف تشكك في تطابق القانون مع التعديلات التي جرى اقرارها خلال الجلسة في الهيئة العامة. هنا نطرح التساؤل عما اذا كانت هذه "المخالفات " تحصل نتيجة اهمال ام هي متعمدة ترمي الى مراعاة مصالح معيّنة او حسابات خاصة ؟ ثم الا تمس هذه المخالفات في الدور التشريعي للمجلس النيابي؟


ونطرح السؤال البديهي التالي ايضا: هل يقدم النواب بواجبهم التشريعي بصورة دقيقة وصريحة، ام ان " الهرج والمرج التشريعي " يطغى احيانا على الدقة العلمية والمنهجية المطلوبة؟


اذا كان صحيحاً انه ليس في النظام الداخلي لمجلس النواب ما يشير الى الآلية اللازمة لصياغة القوانين بعد اقرارها في الهيئة العامة، فالصحيح ايضا ان الممارسة البرلمانية منذ عقود طويلة، سارت على ان " الامانة العامة للمجلس" هي الجهة المختصة لصوغ التعديلات بعد اقرارها؛ وذلك بعد ان يتابع موظفوها وقائع الجلسات وتسجيل الملاحظات والتعديلات التي تكون دائما مسجلة.


فيصار بعدها الى افراغ التسجيلات وصياغة القوانين وفقا للمحاضر المسجلة، على نحو يتيح للنواب الراغبين في المراجعة العودة الى تلك المحاضر وتسجيلاتها. اما التصحيح والصياغة النهائية التي يستوجبها التعديل، فتحصل خلال الجلسة. ويعود القرار بإدراجها، كما تمّ الاتفاق عليها، لرئيس المجلس النيابي، استنادا الى التصويت الحاصل عليها مسبقا.


يجب على النواب ان يطالبوا الامانة العامة بتلاوة البنود المعدلة، قبل التصويت عليها، للتأكد من عدم المس بها كما أقرت.

ان التلاعب بالنصوص التشريعية – فيما لو كان حاصلا – هو امر في غاية الخطورة. " فالمطبخ التشريعي"، يجب ان يبقى بمنأى عن الشكوك.


وانه يجب – في اي حال – التفريق بين الاخطاء المادية القابلة للتصحيح بالطرق القانونية المتاحة والاخطاء المتعمدة التي قد تصل الى حد تزوير محتوى القوانين.


ويجب على النواب المشككين، ممارسة واجبهم الدستوري بالاطلاع على المحاضر ومقارنتها مع التعديلات المصادق عليها، على نحو تكشف فيها الامور التشريعية على حقيقتها. والا تبقى الشكوك في اطارها السياسي.


بل على النواب ايضاً عدم التأخر بالتقدم بالطعون اللازمة امام المجلس الدستوري لوضع حد لهذه " المهزلة التشريعية " فيما لو صحت، لان الباب يبقى مفتوحا امام الحقيقية، لمعرفة ما اذا كانت ادعاءات البعض صحيحة ام لا (؟) .


يجب ان يقوم النواب ( ممثلو الامة ) بواجباتهم التشريعية، فيمنعون تبديل " المصطلحات " او احلال عبارات محل أخرى. فعندما تتم المناقشات حول بند محدد، يجب ان تأتي الصياغة بما يتطابق مع ما تم الاتفاق عليه وليس بما تمّ التدوال به ! ويجب على النواب هنا طلب المحاضر والتسجيلات للتأكد من مدى مطابقتها للنصوص المكتوبة .

لقد أثار قانون تعديل السرية المصرفية وقبله قانون الموازنة العامة ، ومشروع " الكابيتال كونترول " الكثير من الشكوك، خصوصا الاول منها كونه أقر في البرلمان ومن ثم اعيد اليه بعد ان رده رئيس الجمهورية، مبديا ملاحظاته عليه، ليعاد اقراره وفق تعديلات اقترحتها لجنة المال والموازنة. ولكن نصوص التعديلات لم تتضح للرأي العام، خصوصا لجهة العبارة التي طالب النائبان بولا يعقوبيان ووضاح الصادق اضافتها على النص المعّدل والتي مفادها " جواز تقديم طلب المعلومات الى المصارف مباشرة، بدون المرور بأي مرجع قضائي او ذات صفة قضائية او ادارية".


ان نصوص التعديلات ليست واضحة ! فهل نحن امام صياغة نهائية غير متفقة مع التعديلات المقترحة ؟ او حتى هل نحن امام مخالفات تشريعية " مفخخة " تهدف الى تشويه النصوص النهائية لغايات ومصالح سياسية ؟ ام نحن امام مواقف سياسية لا تمت الى صحة التشريع بصلة؟


في وضعنا الراهن، لا يبقى امام " النواب المشككين " بعد صدور النص التشريعي النهائي في الجريدة الرسمية، سوى مراجعة المجلس الدستوري، علّة يكون خشبة الخلاص، اذا كانت الشكوك صحيحة. وفي اي حال، ان مراجعة المجلس الدستوري كفيلة بوضع حد للنقاشات الحاصلة؛ وتضعها في اطارها الصحيح، فإما تكون صحيحة وتتم معالجتها قضائيا عبر المجلس الدستوري واما تكون سياسية، وتبقى في هذا الإطار ولا تتعداه الى الاطار التشريعي (؟).


مهما يكن من أمر، فالاحتياط واجب، لان الخلل لا يجب ان يصل الى مؤسساتنا الدستورية الاساسية وعلى رأسها المجلس النيابي.


غير اننا نرى – وبمعزل عن ملاحظاتنا اعلاه حول المنهجية التشريعية – بان شرط المرور بـ "هيئة التحقيق الخاصة" الذي جزمنا بوجوده قبل التعديل الاخير لم يعد قائما، ولا حاجة لإضافة اي عبارة توضح هذا الامر، ( وان كنا نفضّل لو اضيفت، منعا لأي جدل مستقبلي)؛ وذلك لان التعديل الجديد، بعدم نصه على شرط المرور حصريا بالهيئة المذكورة، يكون قد الغى ضمنيا الشرط المذكور

Abrogation tacite.


ولأن "الجو التشريعي العام" الذي يخيّم على القانون الجديد، والذي ذهب باتجاه تسهيل رفع السرية المصرفية، من شأنه ان يؤدي الى الغاء شرط المرور حصريا بـ "هيئة التحقيق الخاصة"، ضمنيا؛ بحيث ان الشرط المذكور بات غير متلاءم مع " حكمة التشريع " Ratio legis الغالبة على القانون الجديد.


أضف الى ذلك، ان شرط المرور حصرا بـ " هيئة التحقيق الخاصة " كان مدار اعتراضات شديدة، ولا يبدو وجوده امرا مقبولا في ظل الوضع التشريعي القائم الجديد.


ولكن من جهة اخرى، يجب الاخذ بالاعتبار ان نص المرور حصريا بهيئة التحقيق الخاصة، كان مكرسا بموجب " نص حاص "، وهو يتطلب نصا خاصا لإلغائه أو لتعديله.


مهما يكن من أمر، فإن المسألة لو رفعت امام المجلس الدستوري، فان كلمة القضاء ستكون فاصلة وتضع الامور في نصابها، لان سيف العدالة هو وحده الكفيل بقطع دابر الشك.



3– عدم تأثير السرية المصرفية والسرية المهنية على الادارة الضريبية

عدّل المشترع بموجب المادة الثالثة من قانون سرية المصارف الجديد رقم 306/2022، المادة 23 من القانون رقم 44 تاريخ 11/11/2008 وتعديلاته ( قانون الاجراءات الضريبية )، بحيث اصبحت تنص، وتحت العنوان ذاته : " التعاون بين مختلف الادارات العامة والخاصة والجهات المعنية "، على جملة اجراءات من شأنها الحد من أثر السرية المصرفية لمصلحة الادارة الضريبية ( النبذة الاولى )، كما الزم موظفي الادارة الضريبية بالسرية المصرفية ( النبذة الثانية ) والزام النيابات العامة بأن تحيل الى الادارة الضريبية اية معلومات تتضمن شبهات غش او محاولة غش للدوائر المالية ( النبذة الثالثة ).


النبذة الاولى: عدم سريان السرية المصرفية المهنية على الادارة الضريبية

نصّت المادة الثالثة من قانون السرية المصرفية في بنودها الاول والثاني والثالث الجديدة على تعديل المادة 23 من القانون رقم 44، تاريخ 11/11/2008 وتعديلاته ( قانون الاجراءات الضريبية )، اذ اصبحت، في نصها الجديد – تتضمن ما يلي:


ينبغي على كل شخص، بما في ذلك الادارات الحكومية والاشخاص المعنويين ذوي الصفة العمومية، والمؤسسات العامة، والبلديات، واتحاد البلديات، ان يزود الادارة الضريبية بأية معلومات تطلبها، " بما في ذلك المعلومات المحمية بالسرية المصرفية"، وذلك للقيام بواجباتها، بما في ذلك عمليات التدقيق الضريبي أو التدابير الرامية الى تعزيز الامتثال الضريبي وكشف التهرب الضريبي. وانه تحدد بمرسوم، يتخذ في مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير المالية، آلية طلب المعلومات من المصرف ونطاقها.


وانه لا يجوز لأي كان التذرع " بسر المهنة " للحؤول دون تمكين موظفي الادارة الضريبية من مراجعة السجلات والمستندات المحاسبية التي تسمح بالتحقق من مدى التزام المكلفين بموجباتهم الضريبية، او التي تمكنهم من الاجابة على طلبات المعلومات التي ترد الى الادارة الضريبية بموجب اتفاقيات تفادي الازدواج الضريبي.


ولكن بالمقابل يلزم موظفو الادارة الضريبية بالسرية المهنية، في ما يتعلق بالمعلومات التي يحصلون عليها.


النبذة الثانية: التزام موظفي الادارة الضريبية بالسرية المهنية

نصّت المادة الثالثة من قانون السرية المصرفية الجديد، في بندها الرابع عن تعديل المادة 23 من القانون رقم 44، تاريخ 11/11/2008 وتعديلاته ( قانون الاجراءات الضريبية )، عن التزام موظفي الادارة الضريبية بالسرية المهنية، في ما يتعلق بالمعلومات التي يحصلون عليها بصفتهم المذكورة اعلاه. ولا يمكن استخدام هذه المعلومات إلاّ للأغراض التي من اجلها تمّ الحصول عليها، وذلك تحت طائلة الملاحقة الادارية والمدنية والجزائية، وفقا للقوانين المرعية الاجراء.

النبذة الثالثة: دور النيابات العامة تجاه الادارة الضريبية

نصّت المادة الثالثة من قانون السرية المصرفية الجديد التي عدّلت المادة 23 من القانون رقم 44 تاريخ 11/11/2008، في بندها الخامس انه على النيابات العامة ان تحيل الى الادارة الضريبية عبر وزارة العدل اية معلومات تطرأ في الدعاوى المقامة لدى المحاكم والتي تتضمن شبهات بان احد المكلفين قد غش الدوائر المالية او حاول غشها في ما له علاقة بالضرائب والرسوم كافة، سواء اكانت الدعوى مدنية، تجارية، او جزائية باستثناء الدعاوى او القرارات او القرارات الظنّية التي انتهت بمنع المحاكمة.



4 – عدم تأثير السرية المصرفية على وظيفة اي من ادارات او موظفي مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف

نصّت المادة الثانية من قانون السرية المصرفية الجديد، عن اضافة فقرتين الى المادة 150 من القانون المنفذ بالمرسوم رقم 13513 تاريخ 1/8/1963 وتعديلاته ( قانون النقد والتسليف ) ، مفادهما:


انه لا تحول احكام قانون سرية المصارف الصادر بتاريخ 3/9/1956 دون قيام اية ادارة او اي موظف من موظفي المصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف، بواجباتهم.


وانه تحدد دقائق تطبيق هذه المادة بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير المالية وبعد استطلاع رأي المجلس المركزي لمصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف.



5 ـ التزام الاشخاص بمن فيهم الخاضعين للسرية المصرفية باطلاع مراقبي الادارة الضريبية، لدى الطلب، على جميع ما لديهم من معلومات


نصّت المادة الرابعة من قانون السرية المصرفية الجديد عن تعديل المادة 103 من المرسوم الاشتراعي رقم 144، تاريخ 12/6/1959 وتعديلاته ( قانون ضريبة الدخل ) ، بحيث يصبح ملزما بموجبها ، كل شخص طبيعي او معنوي في لبنان، بمن فيهم الخاضعين لقانون السرية المصرفية، باطلاع مراقبي الادارة الضريبية، لدى الطلب، على جميع ما لديه من سجلات ومستندات ومعلومات، تساعد على تحديد أسس الضريبية التي قد تتوجب عليه او على سواه من المكلفين.


يبدو هذا النص غريباً في مدلوله ونطاقه اذ يحوّل جميع اللبنانيين والاجانب المقيمين على الاراضي اللبنانية الى " مخبرين " لصالح الادارة الضريبية ! وهو يعكس تالياً، رغبة المشترع الاكيدة في التحرر من قيود السرية المصرفية التي لازمتنا لأكثر من ستة عقود.

ثالثا: نتائج عدم التقيّد باحكام القانون الجديد

تترتب على عدم التقيد بأحكام القانون الجديد طائفتان من النتائج: جزائية (أ) ومدنية (ب). تقسم النتائج الجزائية بدورها الى قسمين: النتائج الناشئة عن افشاء المعلومات (1) والنتائج الناشئة عن الامتناع عن تقديم المعلومات (2).


اما النتائج المدنية، فتتمثل في تجميد اموال الزبون والقاء الحجز الحكمي عليها.


أ ـ النتائج الجزائية لعدم التقيد باحكام القانون الجديد

1 – النتائج لناشئة عن افشاء المعلومات

نصّت المادة الثامنة الفقرة (أ) من القانون الجديد ان كل من أفشى او حاول افشاء معلومات محمية بالسرية المصرفية او بيانات استحصل عليها بمعرض تطبيق القانون الجديد وخلافا لأحكامه، يعاقب بالحبس من شهر حتى ثلاثة أشهر، وبغرامة تساوي مئة وخمسين ضعفا للحد الادنى للرواتب والاجور، لغاية ثلاثماية ضعفا للحد الادنى للرواتب والاجور. ويعاقب على الشروع بالجريمة بالعقوبة ذاتها. وتضاعف الغرامة في حال تكرار المخالفة او التمادي فيها.


2 – النتائج الناشئة عن الامتناع عن تقديم المعلومات

نصّت المادة الثامنة، الفقرة (ب) من القانون الجديد ان كل من امتنع عن الاستجابة للطلبات الصادرة وفق المادة السابعة من القانون الجديد، يخضع للعقوبة المنصوص عنها في البند (1) من المادة الثالثة من القانون رقم 44، تاريخ 24/11/2015 وتعديلاته ( مكافحة تبييض الاموال وتمويل الإرهاب ). وتشدد العقوبة، كما تقضي احكام المادة 257 من قانون العقوبات، في حال عدم الاستجابة لأي من هذه الطلبات لفترة تتجاوز الثلاثين يوما من تاريخ ورودها، او في حال التكرار.


لا تحول الملاحقة دون الاستحصال على المعلومات المطلوبة وفق الاصول المنصوص عنها في قانون اصول المحاكمات الجزائية . تحيل اي من الهيئات المنصوص عنها في المادة السابعة من القانون الجديد على الهيئة المصرفية العليا المنشأة لدى مصرف لبنان، المصارف التي ترفض عمدا تقديم المعلومات المطلوبة خلال الفترة المحددة في الطلبات الموجهة اليها لاتخاذ الاجراءات القانونية بحقها، لا سيما تلك المنصوص عنها في المادة 208 من قانون النقد والتسليف، وذلك في مهلة اسبوعين من تاريخ الاحالة. لا تحول الملاحقة القضائية دون حق الهيئات الرقابية والتنظيمية بفرض العقوبات التأديبية والادارية وفقا لأنظمتها وللقوانين التي ترعاها.

ولا تتحرك دعوى الحق العام الا بناء على شكوى المتضرر او الجهات المختصة بطلب المعلومات عن الحسابات المصرفية.


ب ـ تجميد اموال الزبون والقاء الحجز عليها

كانت المادة الرابعة من القانون القديم تنص عن عدم جواز القاء اي حجز على الاموال والموجودات المودعة لدى المصارف، الا بإذن خطي من اصحابها.


كما كانت تنص المادة الخامسة من القانون القديم ذاته عن جواز الاتفاق مسبقا على اعطاء الاذن المنوه عنه في المواد السابقة في كل عقد من اي نوع كان. ولا يجوز الرجوع عن هذا الاذن الا بموافقة جميع المتعاقدين.


أضاف المشترع، بموجب القانون الجديد، الى المادة الرابعة من القانون القديم، فقرة جديدة هي الفقرة (أ) التي نص بموجبها انه، تجمد الاموال بقرار صادر عن هيئة التحقيق الخاصة وفقا لقانون مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب.


كما يلقى الحجز على الاموال بقرار صادر عن القضاء المختص، بحسب المادة السابعة من هذا القانون.


ماذا يعني ذلك ؟

يعني هذا التعديل ان تجميد الاموال بقرار صادر عن " هيئة التحقيق الخاصة " وفقا لقانون مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، أصبح مكرسا ايضا بقانون السرية المصرفية الجديد. فهل هذا التعديل كان لازما ام انه يأتي من قبيل لزوم ما لا يلزم؟


1 – اضافة صلاحية تجميد الاموال من قبل " هيئة التحقيق الخاصة "

ان هذا التعديل كان لازما لأنه تضمن توسيعا لصلاحية " هيئة التحقيق الخاصة "، اذ ـ بموجب التعديل الجديد ـ اصبحت مختصة بتجميد الاموال، باي دعوى مهما كان نوعها، تتطلب التجميد المذكور وليس فقط في حالة الدعاوى او الملاحقات المتعلقة بمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب؛ اي بعبارة اخرى، اعطيت الهيئة المذكورة صلاحية اضافية، تتجاوز في مداها إطار الملاحقات المتعلقة بمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، لتمتد الى اي حالة اخرى، تستوجب اتخاذ هذا الاجراء. وليست الاحالة الى قانون تبييض الاموال وتمويل الارهاب، سوى احالة اجرائية، اذ تتبع الهيئة ذات الاجراءات ـ في إطار قانون السرية المصرفية ـ المتبعة في مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب. فتكون " هيئة التحقيق الخاصة " قد اعطيت لأول مرة، اختصاصا يخرج عن إطار الغاية الاساسية التي تم انشاؤها لأجلها، وهي مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، لتعطى اختصاصا اشمل يمتد الى اي حالة أخرى، غير الحالة المذكورة، كما بينّاه اعلاه.


كما أضاف المشترع الى المادة الرابعة من القانون الجديد فقرة جديدة هي الفقرة (ب)، تضمنت الحجز على الاموال بقرار صادر عن القضاء المختص، بحسب المادة السابعة من القانون الجديد الى تطرقنا اليها اعلاه.


2 ـ توسيع مدى القاء الحجز على الاموال بقرار صادر عن القضاء المختص

كان القانون القديم في مادته الرابعة ينص ـ كما ذكرنا اعلاه - على عدم جواز القاء الحجز على الاموال والموجودات المودعة لدى المصارف الا بإذن خطي من اصحابها.


وكان ينص في مادته الخامسة على جواز الاتفاق مسبقا على اعطاء الاذن المنوه عنه اعلاه في المادة الرابعة، في كل عقد وعدم جواز الرجوع عن الاذن المذكور الا بموافقة جميع المتعاقدين.


فأصبح الحجز يلقى ـ بموجب الفقرة (أ) المضافة الى المادة الرابعة - بقرار صادر عن القضاء المختص.

وهنا نتساءل عن الفائدة من الابقاء على المادة الرابعة من القانون القديم واضافة فقرة جديدة ( الفقرة ب ) فيما يخص القاء الحجز على الاموال والموجودات المودعة لدى المصارف ؟


برأينا وطالما ان التعديل الجديد، اعطى هذه الصلاحية للقضاء المختص، بدون تقييدها باي شرط آخر، فانه كان يقتضي ـ على مستوى المنهجية التشريعية ـ الغاء المادة الرابعة وليس الاكتفاء بإضافة فقرة جديدة عليها ( الفقرة ب )، اذ اصبح الاذن المذكور في المادة الرابعة بصياغتها القديمة من قبيل لزوم ما يلزم. ولذات الاسباب، المتعلقة بالمنهجية التشريعية، كان يقتضي الغاء المادة الخامسة وليس الابقاء عليها عبر عدم التطرق اليها لا من قريب ولا من بعيد.


بقي ان نشير الى ان التعديل الجديد تكلم على حجز الاموال دون حجز" الموجودات " التي تناولها في القانون القديم، كما انه لم يحدد في القانون الجديد – خلافا للقانون القديم – عمّا اذا كانت الاموال الجائز القاء الحجز عليها هي الاموال المودعة لدى المصارف ام جميع اموال المدين؟


برأينا ان الاموال القابلة للحجز – بمقتضى التعديل الجديد الذي ادخله المشترع على المادة الرابعة بصيغتها القديمة – يشمل جميع اموال الجهة المقصودة بالحجز وليس فقط امواله المودعة لدى المصارف؛ اذ ان النص بصيغته المعدلة، لم يذكر ما يفيد بان الاموال المقصودة بالحجز هي فقط المودعة لدى المصارف، ما يقتضي معه ترك النص على اطلاقه، عملا بالقاعدة الكلية القائلة بان " المطلق يبقى على اطلاقه "؛ فضلا عن الغاية من التشريع الجديد، والحكمة منه Ratio legis المتمثلة في التوسع بمفهوم ونطاق رفع السرية المصرفية.


كما ان تعمد المشترع شطب كلمة " موجودات " من التعديل الجديد، يحملنا على تأكيد موقفنا هذا؛ اذ ان الاموال بصورة عامة Les biens تشمل الموجودات. بينما " الاموال المودعة لدى المصارف"، لا تشمل " الموجودات "، اذ ان هذه الاخيرة، تشمل ودائع الزبون لدى المصارف وما هو عائد له من مقتنيات مودعة في صناديق المصارف الحديدية.


في الخلاصة نقول، بان المشترع في القانون الجديد استحدث " تجميد الاموال"، كأحد آثار الحد من السرية المصرفية وهو اجراء كان غائبا عن القانون القديم. كما أرسى نظاما قانونيا جديدا ومختلفا للحجز على الاموال؛ فألغى – ولو بصورة ضمنية وغير موفقة تشريعيا – الاذن المسبق، ليمنح هذه الصلاحية للقضاء المختص بدون قيد او شرط. وهذا ما ينفي الحاجة العملية تماما الى المادة الخامسة من القانون القديم، التي كان يقتضي على المشترع الغاءها، لعدم الجدوى منها طالما ان صلاحية " القضاء المختص" لم تعد مقيدة باي قيد او شرط.


رابعا: مصير الحسابات المرقمة

كانت المادة 3 من قانون 3/9/1956 تنص انه يحق للمصارف ان تفتح لزبائنها حسابات ودائع مرقمة، لا يعرف اصحابها غير المدير القائم على ادارة المصرف او وكيله. ولا تعلن هوية صاحب الحساب المرقم الا بأذنه الخطي او بإذن ورثته او الموصى لهم، او اذا اعلن افلاسه، او اذا نشأت دعوى تتعلق بمعاملة مصرفية بين المصارف وزبائنها ويحق ايضا لهذه المصارف ان تؤجر خزائن حديدية تحت ارقام بالشروط ذاتها.


الغي هذا النص بمقتضى القانون الجديد واستعيض عنه بنص يحظّر فتح حسابات ودائع مرقمة وتأجير خزائن حديدية لزبائن لا يعرف اصحابها غير مديري المصارف او وكلائهم. ويجب تحويل حسابات الزبائن المرقمة والخزائن الحديدية المؤجرة الى حسابات عادية وخزائن تطبق عليها جميع متطلبات مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب وقوانينها ومراسيمها التطبيقية، وذلك في مهلة اقصاها ستة اشهر تلي دخول القانون حيّز التنفيذ.


وتؤجل - لحين انتهاء المصرف من اجراء عمليات التطبيق ومن اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب، بما في ذلك العناية الواجبة للزبائن، وحفظ السجلات وتحويل حسابات الودائع الرقمية الى حسابات عادية - اي عملية سحب للأموال من حسابات الودائع المرقمة او الخزائن الحديدية المؤجرة، وذلك لحين انقضاء فترة الستة اشهر المحددة اعلاه.


في الختام اذا كان صحيحا ان القانون رقم 306/2022، الصادر في العدد 47 من الجريدة الرسمية تاريخ 3/11/2022، قد تناول تعديلا لبعض مواد القانون الصادر في 3/9/1956 ( قانون السرية المصرفية )، فالصحيح ايضا انه تناول تعديل المادة 150 من القانون المنفذ بالمرسوم رقم 13513 تاريخ 1/8/1963 وتعديلاته ( قانون النقد والتسليف ) والمادة 23 من القانون رقم 44 تاريخ 11/11/2008 وتعديلاته ( قانون الاجراءات الضريبية ) والمادة 103 من المرسوم الاشتراعي رقم 144، تاريخ 13/6/1959 وتعديلاته ( قانون ضريبة الدخل ). ولكن تبقى تسمية " قانون السرية المصرفية الجديد " هي المفضّل استعمالها، لان التعديلات التي طالت قانون السرية المصرفية تطغى على التعديلات الاخرى، فضلا عن انه عرف تداولا بهذه التسمية، فلا بأس من الابقاء عليها.



وإذا كان صحيحا ان النصوص المعدلة بالقانون رقم 306/2022، اتت بناء على الحاح من صندوق النقد الدولي كشرط لاستفادة لبنان من " نعمه "، فالصحيح ايضا ان النصوص المعدلة، لا سيما تلك المتعلقة بالسرية المصرفية قد اصبحت، في جزء كبير منها، " خارج الزمن "، ويقتضي تاليا اعادة النظر بها، بل عصرنتها، لأنه فضلا عن عدم الفائدة منها، فان معظمها بات تاليا، يشّكل عائقا حقيقيا امام تطور منظومتنا التشريعية. فالحماية التي أمنها قانون السرية المصرفية لأكثر من ستة عقود من الزمن، قد تهاوت امام الحاجة الماسّة الى الشفافية والنزاهة في الادارة والقضاء.

وان حسن الجباية وحماية حقوق الدولة، الى جانب الشفافية والنزاهة، باتت تشكل حوافز تشريعية جديدة على درجة اهم من الحاجة الى استقطاب رساميل أجنبية كانت وراء اصدار قانون السرية المصرفية منذ أكثر من ستة عقود.

الا ان المراسيم الملحوظ صدورها في متن القانون الجديد لتحديد بعض الآليات، وفي اكثر من مكان، قد تفقد بعض الفائدة منه، اذا تأخر صدورها.

ولا بد من التذكير، بانه يجب تلافي بعض المخالفات التشريعية التي أشرنا اليها في متن هذه الدراسة، خصوصا واننا لم نقرأ في القانون الجديد ما يفيد عن ربط التعديلات المستحدثة، بإعادة هيكلية المصارف؛ علما بانها كانت مدار نقاش بين النواب.

مهما تكن الامور، فالتشريع يجب ان يبقى مواكبا لتطور العصر، والا وقع الطلاق بينه وبين الحقيقة والواقع، وأصبح احرفا ميتة لا حياة فيها، ولا يرجى منها خيرا.

أردنا ان تكون هذه الدراسة، ليس اكثر من " قراءة قانونية " غير نقدية، حتى لا نعقّد النصوص التي ما زالت " فتيّة " . وفي النهاية، عند الممارسة، " تكرّم" هذه النصوص الجديدة او " تهان". وسيكون لنا في حينه آراؤنا النقدية، سواء على مستوى التفسير، او على مستوى التطبيق.

وفي اي حال، قام المشترع بواجبه، ولو متأخرا، وعلى الله التوفيق، علّ المستقبل الاقتصادي والمالي للبنان، يكون مع التعديل الجديد، أفضل مما كان عليه قبله.
MISS 3