جيسيكا تشين ويس

فرصة بايدن مع الصين

14 تشرين الثاني 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

المؤتمر العشرون للحزب الصيني على الصفحات الأولى للصحف الصينية | بكين، تشرين الأوّل 2022

تتصاعد الضغوط على البلد أيضاً بسبب ضعف النموّ وتعثر الطموحات المرتبطة بتحديث الصين، إذ تزداد صعوبة تحقيقها بعد القرار الأميركي الجديد الذي يمنع تصدير أشباه الموصلات المتقدّمة إلى الصين. يواجه بايدن من جهته بيئة سياسية محلية شائكة، مع أنه حقّق نتائج أفضل من المتوقع في الانتخابات الأميركية النصفية. تزامناً مع ارتفاع مستوى التضخم واحتمال خسارة سيطرته على مجلس النواب، هو يواجه الآن احتمال تقوية المعسكر الذي يعارض إدارته وسياساته.

لكن يُفترض ألا تشكّل هذه التحديات المحلية مصدر إلهاء عن القيمة الاستراتيجية للقاء الذي يجمع بايدن وشي جين بينغ على هامش اجتماع مجموعة العشرين، وهو أول لقاء مباشر بين الزعيمَين منذ انتخاب بايدن في العام 2020. ورغم المشاكل السياسية التي تطرحها الاضطرابات المحلية التي يواجهها كلّ رئيس، قد تشكّل هذه الظروف حوافز إضافية لإعادة الاستقرار إلى سلسلة التحرّكات والتفاعلات المتلاحقة، وإقرار قواعد جديدة ومنصفة، وطرح رؤية إيجابية لتنظيم المنافسة القائمة. خلال الاجتماع المرتقب وبعده، سيحصل الزعيمان على فرصة قيّمة لضبط العلاقات الثنائية بطريقة تفيد البلدَين.

في المقام الأول، لا أحد يعرف اليوم إذا كان الوقت يصبّ في مصلحة واشنطن أو بكين، نظراً إلى مستوى التحدّيات السياسية والاقتصادية على طرفَي المحيط الهادئ. بعبارة أخرى، يملك الطرفان أسباباً وجيهة لمحاولة استرجاع الاستقرار على المدى القريب، حتى لو كانا يسعيان إلى زيادة قدرتهما على المنافسة خلال السنوات المقبلة. طالما لا يتطلب هذا الهدف تقديم تنازلات كبرى من الطرفَين أو رضوخ أحد الفريقَين للطرف الآخر، ستستفيد الولايات المتحدة والصين من انفراج العلاقات لفترة. ومن خلال تعديل مسار المنافسة وإبعادها عن أجواء العدائية والصراعات، سيكسب الطرفان مساحة سياسية متوسّعة وموارد إضافية لطرح رؤية مستقبلية شاملة وقادرة على قياس النجاح انطلاقاً من الإنجازات الإيجابية.

يجب أن يوضح بايدن، في بالي وأماكن أخرى في الأسابيع المقبلة، أن الولايات المتحدة مستعدة للتعاون مع الصين عبر منتديات متعدّدة الأطراف، مثل مجموعة العشرين، لمعالجة التحديات العالمية، منها العجز عن تسديد الديون وانعدام الأمن الغذائي، تزامناً مع التوصّل إلى تفاهم متبادل مع شي جين بينغ حول أنواع التحركات المقبولة والمرفوضة. قد تزيد صعوبة الجهود التي يبذلها الرئيسان لإقرار تسوية مؤقتة بسبب التحركات الأميركية الأخيرة لمنع الصين من تلقّي أشباه موصلات متقدّمة، تزامناً مع توسّع تحرّكات الكونغرس وبيانات بايدن الأخيرة حول تايوان.

من المتوقع أن يشكّك كل طرف بالتطمينات والمبادرات الدبلوماسية التي يطلقها الطرف الآخر، لكن يجب أن يستعد بايدن وشي جين بينغ لاختبار الاقتراح القائل إن الحكومتَين تستطيعان إطلاق مجموعة من النقاشات في المجالات التي تهمّ الطرفَين معاً واستكشاف شروط التعايش المحتملة، بما في ذلك طرح رؤية إيجابية قد يوافق عليها الفريقان عن الحوكمة العالمية. يجب أن تترافق هذه المقاربة مع خطوات بارزة لإثبات حُسن النوايا، علماً أنها تتطلب بعض الوقت لتحقيق نتائج ملموسة. لكن سيكون الخيار البديل أسوأ بكثير على البلدَين والعالم أجمع، فهو يقضي بتسريع الأزمة أو إطلاق صراع محتمل في ظلّ غياب أي قنوات فاعلة للتواصل.

لم يعد اندلاع الحرب بسبب تايوان احتمالاً مستبعداً، لكنه ليس حتمياً بأيّ شكل، لا سيّما إذا تحرّكت الولايات المتحدة لتحسين مصداقية التهديدات والتطمينات المشروطة التي حافظت على السلام طوال عقود. يغفل بعض المعلّقين في تحليلاتهم عن استفادة الولايات المتحدة والصين وتايوان والعالم أجمع من تجنّب الحرب. وحتى لو اقتصر هذا الصراع على استعمال أسلحة تقليدية ولم يلجأ إلى التصعيد النووي، يسهل أن يترافق مع خسائر بشرية غير مسبوقة منذ حرب فيتنام أو كوريا ويتزامن مع تدمير الاقتصاد العالمي، وإفساد حياة 24 مليون شخص في تايوان، ونسف الحرية الديمقراطية التي اكتسبوها بأصعب الطرق.

ربما يُجمِع الحزبان الديمقراطي والجمهوري في واشنطن على التعامل بصرامة مع الصين، لكن توضح استطلاعات الرأي أن الأميركيين لا يوافقون على المجازفة بحياة عشرات آلاف الجنود للدفاع عن تايوان. ورغم تفاوت المواقف في هذا الملف، يتراجع احتمال أن يتفاقم الوضع نظراً إلى تصاعد الدعوات الإيجابية لإحداث تغيير في السياسة الأميركية. وفق استطلاعٍ شارك فيه خبراء أميركيون ومسؤولون سابقون في الحكومة حول تعامل الصين مع تايوان، في شهر أيلول الماضي، توقّع 77% منهم أن تسارع الصين إلى غزو تايوان إذا أعلنت الجزيرة استقلالها.

فيما تبذل الولايات المتحدة وتايوان جهوداً حثيثة لتصعيب غزو الجزيرة، يقضي أفضل رهان استراتيجي باللعب على عامل الوقت. لا يعني ذلك التراجع أو الرضوخ للمطالب الصينية بكل بساطة. لا يمكن تقديم أي تنازلات أحادية الجانب نظراً إلى خوف كل طرف من استغلال الطرف الآخر لهذا النوع من التسويات. لكن قد تسمح التدابير المنسّقة والمتبادلة لواشنطن وبكين بالعودة من حافة الصراع، من دون التضحية بالجهوزية الدفاعية أو أنظمة الردع. حتى أن الدفاع التايواني قد يستفيد من أي خطوات متبادلة ومتكافئة لتخفيف وتيرة العمليات العسكرية بالقرب من تايوان، على أن تشمل تدابير لكبح توسّع المناورات الصينية عبر الخط الأوسط لمضيق تايوان في الفترة الأخيرة.



سفينة حربية صينيّة في مضيق تايوان | أيلول ٢٠٢٢




يجب أن تترافق الجهود الرامية إلى إخماد الاضطرابات مع محاولات متجددة لإطلاق نقاشات حول المسائل التي تهمّ الأميركيين والصينيين معاً، على أن يحصل الحوار بطريقة ثنائية ومتعددة الأطراف. تسمح هذه الخطوات أيضاً بطمأنة الحلفاء والشركاء حول رغبة الولايات المتحدة في إقامة علاقة بنّاءة مع الصين، من دون أن تنذر قيود التصدير الأميركية المستجدة بتحوّل جذري في السياسة الأميركية بهدف احتواء الصين وعزلها.

لا يزال الأميركيون وشركاؤهم قادرين على التوصل إلى تسوية مؤقتة مع بكين عبر جعل أي مكافآت وعقوبات تتوقف على التحركات الصينية. لكن يجب أن يفهم القادة الصينيون في الوقت نفسه أنهم قد يحصلون على مكافآت إذا غيّروا تصرفاتهم. في هذا السياق، يقول المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، مايك غرين: «المقاربة الأميركية الراهنة دفعت الحلفاء والشركاء إلى التساؤل حول المرحلة الأخيرة من اللعبة الأميركية وتأثيرها على العلاقات مع الصين. إذا لم يتخلَّ هؤلاء عن محاولة تحديد مسار الصين، يُفترض ألا توقف الولايات المتحدة مساعيها في هذا المجال».

من المســــتبعد أن تعطي أي جهود متجددة لاستئناف التواصل الدبلوماسي ثمارها سريعاً، نظراً إلى عمق انعدام الثقة بين المعسكرَين وصعوبة فتح قنوات تواصل قادرة على تجاوز التبادلات المرتبطة بمواضيع النقاش. لكن يبقى التواصل الدبلوماسي رفيع المستوى ضرورياً لتمكين المسؤولين عن وضع السياسات من تحديد شروط التعايش والمنافسة، وتحقيق التوقعات المنتظرة، وتخفيض مخاطر الحرب، وفتح المجال أمام التعاون لتحقيق المصالح المشتركة.


MISS 3