بشارة شربل

تخوين "17 تشرين": إذا عُرف السبب...

14 تشرين الثاني 2022

02 : 00

لا داعي لمناقشة أفكار أمين عام "حزب الله" ومواقفه. عنوانُها: "نحن دائماً على حق". متنها: "خائن من يعارضنا"، أما خاتمتها فعرضٌ سخي: "تعالوا الى تسويةٍ بشروطنا!".

كلمة السيد نصرالله في "يوم الشهيد" نموذجٌ إضافي للفصل لا للوصل، للتشدّد لا لمدّ الجسور. وإذا كان محسوماً عقم التوصل الى حلّ وسط معه لأنه "لم يترك للصلح مطرحاً"، فذلك لا يعني التغاضي عن سيل الاتهامات والإهانات التي وجّهها الى جمهور ثورة 17 تشرين تحديداً ونحو 400 ألف ناخب صوّتوا لها عن قناعة كاملة بأهدافها.

لِنفترض برهةً نجاحَ الثورة في تجاوز قمع "الثنائي الشيعي" وقلبَها الطاولة على المنظومة علَّنا نفهم أسباب استهداف نصرالله لـ 17 تشرين وإصراره على تشويهها. أدناه سيناريو كان ليتحقّق لولا الإمعان في إجهاض "حلم الدولة" كلّما سنحت الفرصة:

* التأكيد على استقلالية القضاء بلا تمييز، فـ"كلن يعني كلن" تعني محاسبة الفاسدين والمجرمين رؤساء ووزراء وسائر من أساء الى شعب لبنان ومصالحه... ثلاثة عقودٍ من الاستباحة الممنهجة زاخرة بهؤلاء.

* إعفاء قضاة التمييز والمدَّعين العامين كونهم شهود زور لجرائم ضد مواطنيهم أو أزلاماً تقاعسوا عن إحقاق الحق وأحجموا عن الاستقالة.

* إطلاق يد القاضي بيطار في التحقيقات ضمن الأصول بلا تعسّف في استخدام الحق، وجرّ الوزراء والنواب الى التحقيق، والتشديد على أن 4 آب ليست حادثاً عرضياً بل جريمةً ضدّ الانسانية تستوجب منع الافلات من العقاب.

* إحالة "اللص المركزي" الى المحاكمة وتعيين "حاكم" معروفٍ بالعلم والأمانة.

* إيفاء الدولة بالتزاماتها المالية الدولية وفرض الـ"كابيتال كونترول" ووضع أعضاء مجالس ادارة البنوك قيد التحقيق وإرغامهم على إعادة الأموال التي حوّلوها أو نهبوها.

* إقرار سلسلة الاصلاحات المطلوبة وخطّة تعافٍ لا تكسر ظهر الفقراء وتضمن حقوق المودعين، والاتفاق مع صندوق النقد على معاودة إطلاق الاقتصاد.

* إعفاء الضباط والعسكريين الموالين لغير المؤسسات الشرعية من مهامهم وحلّ الأجهزة الميليشيوية وخصوصاً شرطة مجلس النواب.

* رفع الدعم فوراً عن كلّ سلعة جرت العادة على تهريبها خارج الحدود وضبط المعابر الشرعية وغير الشرعية نهائياً، وإخضاع مطار بيروت لسلطة الدولة بلا شريكٍ ولا لجان تنسيق.

* تعهّد لبنان ألا يكون منطلقاً للإساءة الى الدول العربية والخليجية واستعادة علاقاته التاريخية مع بيئته العربية.

* رفض ترسيم الحدود البحرية تلبيةً لصفقةٍ ايرانية أميركية ولحاجات المنظومة الحاكمة والتمسّك بالخط 29 وحقوقه كلّها بلا تنازل.

* وضع آلية واضحة لتنفيذ ما ورد في اتفاق الطائف بلا استثناء وخصوصاً البند المتعلّق بنزع سلاح الميليشيات، والمباشرة بحوارٍ فوري مع "حزب الله" لإقرار جدولٍ زمني يضع سلاحه تحت إمرة الشرعية وقرار الحرب والسلم لدى مجلس الوزراء.

الأسباب المذكورة أعلاه كلّها استوجبت قمع "انتفاضة المواطنية" في 17 تشرين والتشنيع عليها اليوم. ليست مسألة عمالة ولا مؤامرة ولا منظماتٍ دولية أو سفارات. هي قصة رفضٍ صارخٍ لبناء الدولة ولفكّ عرى انتماءٍ قسري الى محورٍ لا ينتمي إليه لبنان.