آني لوري

إنهيار العملات الرقمية كان ليصبح أكثر خطورة

15 تشرين الثاني 2022

المصدر: The Atlantic

02 : 00

Sam Bankman-Fried مؤسس منصّة FTX في نقاش حول العملات الرقمية

بدأ قطاع العملات الرقمية ينهار، مثلما انهار سوق الرهن العقاري في العام 2007. في تلك الفترة، غرق العالم في أزمة كبرى بسبب ارتفاع الطلب على منتجات مالية لم يفهم الكثيرون طبيعتها. هل ستتكرر التجربة نفسها اليوم؟

إنه سؤال بديهي بعد انهيار منصة FTX الضخمة لتبادل العملات الرقمية. كان الملياردير سام بانكمان فرايد قد أسّس هذه الشركة، وهو أحد الممولين الأسخياء لسياسيين من الحزب الديمقراطي الأميركي وأعمال خيرية أخرى (منذ فترة قصيرة)، وهو شاب معروف باستقامته في عالم العملات الرقمية المخادع. لم تتّضح بعد حقيقة ما أصاب FTX، أو طريقة تأثير انهيار هذه الشركة التي تبلغ قيمتها 32 مليار دولار على الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي.

يكشف الوضع الراهن مسألتَين. أولاً، لا يزال عالم العملات الرقمية هامشياً داخل النظام المالي الإجمالي، رغم الضجة التي أحدثتها عملة البيتكوين وجميع المبالغ المالية التي حصدتها شركات مثل FTX. ثانياً، بقيت المؤسسات المالية التقليدية، أي مفتعلو فوضى الرهن العقاري، بمعزل عن الانهيار الحالي لأن الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة وبلدان أخرى أدركت مخاطر العملات الرقمية.

تتعلق المشكلة الأساسية ببقاء العملات الرقمية حتى الآن مجرّد أصول تخمينية، واعتبار أسواق العملات الرقمية مجرّد «كازينو» تكثر فيه مظاهر الاحتيال. لكن كان «وول ستريت» طوال سنوات يتوق إلى ضخ الأموال في قطاع العملات الرقمية، وكان هذا القطاع يتوق طوال سنوات إلى الاستيلاء على أموال «وول ستريت». لتسهيل هذه العملية، مارس رجال الأعمال والمستثمرون في العملات الرقمية الضغوط لإقرار قوانين وتنظيمات تسمح لهم بالعمل من دون مواجهة التدقيق الذي تخضع له عموماً بنوك الاستثمار الأميركية، والبنوك التجارية، ومختلف التبادلات، والشركات التجارية. عمد المنظّمون إلى إبطاء جزءٍ من تلك التدابير، لكن لم يمرر الكونغرس بعد تشريعاً لفتح الأسواق المالية على قطاع العملات الرقمية، ما يعني أن واشنطن كانت تستطيع منع الكارثة.

بدأت أزمة FTX في وقتٍ سابق من هذا الشهر، حين نشر إيان أليسون من موقع CoinDesk مقالة تثبت أن المنتج الأساسي في شركة بانكمان فرايد لتداول العملات الرقمية، Alameda Research، كان عبارة عن رمز رقمي أصدرته FTX لتغطية عملياتها التجارية. كان أي تراجع في قيمة ذلك الرمز ليُهدد الشركتَين معاً، وسرعان ما أصبح هذا الخلل واقعاً ملموساً. أعلن المدير التنفيذي في Binance، وهي من أبرز الشركات المنافِسة لمنصة FTX، أن شركته بدأت بتصفية ممتلكاتها المرتبطة برمز FTX. ثم حذا آخرون حذوها. راح المستثمرون في FTX يسحبون أموالهم من التبادلات، ما أدى إلى انتشار الذعر في قطاع المصارف. فكّرت Binance بالتدخل لدعم FTX، لكنها عادت وانسحبت بسبب المتطلبات القانونية المفروضة على الشركة المحاصرة. في المرحلة اللاحقة، لم تشهد الشركة العملاقة في مجال التبادلات انهياراً بمعنى الكلمة بل تبخرت فجأةً.

كان هذا السقوط مدوّياً بالنسبة إلى الشركات المرتبطة بالعملات الرقمية، فقد أدى إلى انسحابات، وتجميد الأصوال، وانتشار المخاوف حول قدرة القطاع كله على الصمود. في الوقت نفسه، هبط سعر البيتكوين، والإيثريوم، وعدد من الرموز والعملات الرقمية الأخرى، وانخفضت أيضاً قيمة الأسهم في مجموعة من شركات العملات الرقمية. في هذا السياق، كتب إدوارد مويا، محلل للأسواق في شركة OANDA: «اليوم يوم سيئ. سيصبح عدد كبير من شركات العملات الرقمية هشاً على الأرجح».

أصبحت هذه الهشاشة واسعة النطاق نظراً إلى حجم التشابكات الشائكة بين كيانات العملات الرقمية. يبدو أن شركتَي Alameda وFTX كانتا مترابطتَين على نحو خطير. ربما كان بانكمان فرايد يستعمل ما اعتبره عملاء FTX ودائع آمنة في حسابات حفظ الأوراق المالية لتمويل الصفقات التي تشمل شركة Alameda. راحت FTX تعيد الأموال إلى شركات الرساميل الاستثمارية التي كانت تضخ الأموال فيها.

بدأت المشاكل في شركات العملات الرقمية تطلق عمليات بيع في القطاع الذي تنشط فيه، وتنذر عمليات البيع بإحدى العملات الرقمية بعمليات بيع إضافية بعملات أخرى. يستنتج فيليبو فيروني، خبير اقتصادي في البنك الاحتياطي الفدرالي في شيكاغو، أن السوق أصبح مترابطاً للغاية، ما يعني أنه معرّض لتقلبات هائلة. كذلك، بدأت حركة الأسعار تُضخّم المشكلة وتترك أثرها في القطاع كله.

لكن لم تؤثر أزمة FTX على البورصة بكل وضوح حتى الآن، ولم تنعكس على أسهم الشركات المالية المتداولة علناً. تراجع «مؤشر الخوف» في «وول ستريت» (إنه قياس للتقلبات المالية) بدرجة معينة، مع أن FTX أصبحـت في مرمى العاصفة. عمدت مجموعة من الشركات إلى تخفيض قيمة استثماراتها في FTX أو تنوي تخفيضها قريباً. لكن تتراجع المخاوف من المخاطر المطروحة على النظام القائم، حتى الآن على الأقل. يقول مارك هايز من منظمة Americans for Financial Reform: «قد يتأثر جزء من صناديق التقاعد بوضع FTX مباشرةً. بدأت تلك الصناديق تُخفّض تقييماتها إلى مستوى الصفر، ما قد يؤدي إلى زيادة حجم الأضرار المحتملة. لكن وحده المستثمر المؤسسي الذي يقوم باستثمارات مباشرة في أصول العملات الرقمية أو شركات مثل FTX سيصبح معرّضاً للمخاطر».

لماذا بقيت هذه الظاهرة المُعدِية محدودة؟ رداً على هذا السؤال، يقول دينيس كيليهر، أحد مؤسّسي المنظمة غير الربحية، Better Markets، التي تدعو إلى إقرار تنظيمات مالية تخدم المصلحة العامة: «السبب الوحيد الذي يفسّر غياب الأزمة المالية التي تترافق مع انهيار اقتصادي وخطط إنقاذية حتى الآن هو صمود الجهات التنظيمية في وجه الضغوط الهائلة التي كانت تدعوها إلى السماح بربط نشاطات العملات الرقمية بجوهر النظام المالي والمصرفي». لم تقدّم البنوك الأميركية ضمانات للقروض الخاصة بالعملات الرقمية مثلاً بفضل ثبات مواقف منظّميها. ولا تتداول تلك البنوك مشتقات العملات الرقمية بكل حرية.


في غضون ذلك، كان النفور من القيود الأميركية كفيلاً بمنع شركات العملات الرقمية (يقع عدد كبير منها في الخارج) من التعمّق في القطاع المالي الأميركي. يوضح كيليهر: "إذا كانت الشركة مسجّلة في هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية وتخضع لقواعدها، يطلب منها أن تفصل حسابات العملاء، وتقدّم الوثائق والسجلات المطلوبة، وتلتزم بقواعد سلوكية تشمل مجموعة من المحظورات، وترصد حالات تضارب المصالح، وتمنع اختلاط الأموال. يُطلب منها أيضاً أن تحتفظ برأسمال هامشي وتطبّق متطلبات السيولة. لم ترغب شركات العملات الرقمية في الالتزام بهذه الشروط كلها. إنّه شكل من "مخطط بونزي".


يقول هايز إن أعضاء الكونغرس يجب أن يفكروا بأزمة FTX وتداعياتها الواسعة حين يحددون طريقة تنظيم قطاع العملات الرقمية مستقبلاً: "أثبتت هذه الأزمة أننا نحتاج الى طرح تنظيمات خاصة لهذا النوع الجديد والمتوسّع من القطاعات. يجب أن يفكر صانعو السياسة في المعسكرَين بأفضل الطرق لاتخاذ الخطوات الصائبة".


لكن لا يعني غياب العدوى المالية أن الأضرار المادية غير موجودة. أدى انهيار منصة FTX إلى خسائر بقيمة مليارات الدولارات، وبدأت عمليات بيع العملات الرقمية تستهدف صغار المستثمرين الذين غامروا بكمية صغيرة من الاموال النقدية وعرّضوها لتلقبات الأصول في السنوات القليلة الماضية. لكن لا يُطلب من هؤلاء المستثمرين على الأقل أن ينقذوا الشركات التي قامت برهانات محفوفة بالمخاطر وأساءت استعمال اموال عملائها. 


MISS 3