تصادُم الأنظمـة الرأسمالية صراع حقيقي على مستقبل الاقتصاد العالمي

12 : 41

الرأسمالية تحكم العالم! عدا عن استثناءات ضئيلة، ينظّم العالم كله الإنتاج الاقتصادي اليوم بالطريقة نفسها: العمل طوعي، الرساميل في معظمها بيد القطاع الخاص، الإنتاج يرتكز على تنسيق لامركزي ويتوقف على حجم الأرباح. ما من سابقة تاريخية لهذا الانتصار! في الماضي، كانت الرأسمالية مضطرة للتعايش مع طرق تنظيم أخرى للإنتاج، بدءاً من بلاد ما بين النهرين في القرن السادس قبل الميلاد، والإمبراطورية الرومانية، والمدن الإيطالية في العصور الوسطى، وصولاً إلى البلدان المنخفضة في بداية الحقبة المعاصرة. شملت هذه البدائل تقنية الصيد وجمع الثمار، وزراعة محدودة على يد فلاحين يعملون بلا مقابل، ومظاهر العبودية.



منذ مئة سنة فقط، حين نشأ أول شكل من الرأسمالية العالمية مع ظهور الإنتاج الصناعي الواسع والتجارة الدولية، كان جزء من تلك الأنماط الإنتاجية لا يزال قائماً. وبعد الثورة الروسية في العام 1917، تقاسمت الرأسمالية العالم مع الشيوعية التي طغت على بلدان شملت مُجتمعةً ثلث سكان العالم. أما اليوم، فأصبحت الرأسمالية النمط المتبقي الوحيد من الإنتاج.فيما تحاول أجزاء أخرى من العالم، لا سيما البلدان الإفريقية، تغيير أنظمتها الاقتصادية وتحريك عجلة النمو، لا مفر من أن يتصاعد التوتر بين النموذجين السائدَين راهناً. بشكل عام، يحلل الكثيرون الخصومة القائمة بين الصين والولايات المتحدة من الناحية الجيوسياسية حصراً، لكنها تشبه في جوهرها صداماً بين صفيحتَين تكتونيتَين، وسيكون الاحتكاك بينهما كفيلاً بتحديد مسار تطور الرأسمالية خلال هذا القرن.

الرأسمالية السياسية

في الصينفي الصين، حصل التحول من نظام شبه إقطاعي إلى الرأسمالية بوتيرة متسارعة، تحت سيطرة دولة قوية جداً. وفي أوروبا، حيث تفككت البنى الإقطاعية تدريجاً على مر القرون، بقي دور الدولة في التحول نحو الرأسمالية أقل أهمية بكثير. أمام هذا التاريخ، لا عجب في أن تحتفظ الرأسمالية في الصين وفيتنام وبلدان أخرى في المنطقة بجانب استبدادي.يتّسم نظام الرأسمالية السياسية بثلاث خصائص أساسية. أولاً، تخضع الدولة لنظام البيروقراطية التكنوقراطية التي تدين بشرعيتها للنمو الاقتصادي. ثانياً، تحتكم الدولة إلى القوانين لكنها تُطبّقها عشوائياً، بما يصبّ في مصلحة النخب الحاكمة التي تستطيع أن ترفض تطبيق القانون إذا كان لا يناسبها أو تُطبّقه بكل قوة لمعاقبة خصومها. يكون تطبيق القانون بشكلٍ تعسفي في هذه المجتمعات كفيلاً بترسيخ ثالث خاصية تحملها الرأسمالية السياسية: الحكم الذاتي للدولة. كي تتحرك الدولة بطريقة حاسمة، يجب أن تتحرر من الضوابط القانونية. لكن يؤدي التوتر بين البيروقراطية التكنوقراطية والاستنسابية في تطبيق القوانين إلى انتشار الفساد، علماً أنه جزء محوري من تركيبة النظام الرأسمالي السياسي وليس عيباً فيها.




تتميز الطبقة الرأسمالية الجديدة في الصين بانبثاقها من التربة، فقد كان آباء 80% من أعضائها مزارعين أو امتهنوا أعمالاً يدوية. هذا التناقل بين الأجيال ليس مفاجئاً نظراً إلى زوال الطبقة الرأسمالية بشكل شبه كامل بعد فوز الشيوعيين في العام 1949، ومجدداً خلال الثورة الثقافية في الستينات. لكن أمام تَرَكُّز ملكية الرساميل، وارتفاع تكاليف التعليم، وأهمية الروابط العائلية، قد لا يستمر هذا النمط مستقبلاً، حين يصبح تناقل الثروات والنفوذ بين الأجيال انعكاساً للوضع السائد في الغرب.

لكنّ هذه الطبقة الرأسمالية الجديدة في الصين قد تكون جزءاً من كيانات أخرى وتفتقر إلى الاستقلالية مقارنةً بنظرائها في الغرب. يسمح تعدد أشكال الملكية في الصين (هو يطمس الخط الفاصل بين القطاعين العام والخاص محلياً ووطنياً) للنخبة السياسية بكبح نفوذ النخبة الاقتصادية والرأسمالية الجديدة.

طوال ألف سنة، كانت الصين تشمل مقاطعات قوية ومركزية بدرجة معينة ولطالما منعت طبقة التجار من التحول إلى مركز مستقل للسلطة. يقول العالِم الفرنسي جاك غيرنيه إن التجار الأثرياء في عهد سلالة سونغ في القرن الثالث عشر لم ينجحوا مطلقاً في إنشاء طبقة مستقلة لها مصالح مشتركة لأن الدولة كانت مستعدة دوماً لإضعاف نفوذهم. تابع التجار ازدهارهم فردياً (مثلما ينجح الرأسماليون الجدد اليوم في الصين)، لكنهم لم يشكّلوا يوماً طبقة متماسكة لها أجندتها السياسية والاقتصادية الخاصة ولم يتمكنوا من تحقيق مصالحهم أو الدفاع عنها بقوة. هذا السيناريو يختلف برأي غيرنيه عن وضع الجمهوريات البحرية الإيطالية والبلدان المنخفضة خلال الفترة نفسها. من المتوقع أن يستمر هذا النمط المبني على اغتناء الرأسماليين من دون فرض أي نفوذ سياسي في الصين وبلدان رأسمالية سياسية أخرى.

صدام بين الأنظمة


فيما تُوسّع الصين دورها على الساحة الدولية، بدأ شكل الرأسمالية فيها يتعارض مع الرأسمالية الليبرالية الغربية المبنية على الجدارة. حتى أن الرأسمالية السياسية قد تصبح بديلة عن النموذج الغربي في بلدان كثيرة حول العالم.تكمن ميزة الرأسمالية الليبرالية في نظامها السياسي المبني على الديموقراطية. الديموقراطية بحد ذاتها نزعة محبذة طبعاً، لكنها تترافق أيضاً مع منافع بارزة. من خلال الاحتكام الدائم إلى الشعب، تقدم الديموقراطية حلاً تصحيحياً فاعلاً للنزعات الاقتصادية والاجتماعية التي تضرّ بالمصلحة العامة. وحتى لو أنتجت قرارات الناس أحياناً سياسات تُخفّض معدل النمو الاقتصادي أو تزيد التلوث أو تُقلّص متوسط العمر المتوقع، يُفترض أن تُصحح القرارات الديموقراطية تلك التطورات خلال فترة زمنية محدودة نسبياً.تَعِد الرأسمالية السياسية من جهتها بمقاربات أكثر فاعلية بكثير للتحكم بالاقتصاد وزيادة معدلات النمو. وبما أن الصين تُعتبر حتى الآن الأنجح اقتصادياً في آخر نصف قرن، تُخوّلها مكانتها أن تحاول تصدير مؤسساتها الاقتصادية والسياسية بطريقة شرعية. يسعى البلد إلى تنفيذ هذا الهدف عبر "مبادرة الحزام والطريق"، وهو مشروع طموح يربط بين قارات متعددة عن طريق بنى تحتية مستحدثة ومُموّلة من الصين. تطرح هذه المبادرة تحدياً إيديولوجياً على طريقة تعامل الغرب مع التنمية الاقتصادية حول العالم. فيما يُركّز الغرب على بناء المؤسسات، تصرف الصين الأموال لبناء مشاريع ملموسة. ستربط "مبادرة الحزام والطريق" البلدان الشريكة بنطاق النفوذ الصيني. حتى أن بكين تخطط للتعامل مع أي خلافات استثمارية مستقبلية استناداً إلى صلاحيات محكمة صينية المنشأ. إنه تحوّل هائل في بلدٍ رفض فيه الأميركيون والأوروبيون في الصين الخضوع للقوانين الصينية في "عصر الذل" خلال القرن التاسع عشر.

قد تبدي بلدان كثيرة استعدادها للمشاركة في "مبادرة الحزام والطريق". يقدم هذا الاستثمار الصيني طرقات وموانئ وسكك حديد وبنى تحتية ضرورية أخرى، ومن دون الشروط التي ترافق الاستثمارات الغربية عموماً. لا تهتم الصين بالسياسات المحلية للدول المُتَلقِية، بل تشدد على المساواة في التعامل مع جميع البلدان. يعتبر المسؤولون في بلدان أصغر حجماً هذه المقاربة جاذبة جداً. تسعى الصين أيضاً إلى بناء مؤسسات دولية، على غرار البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، بما يتماشى مع القواعد الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية، حين أشرفت واشنطن على تأسيس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.تملك بكين سبباً آخر لتكثيف تحركاتها على الساحة الدولية. إذا رفضت الصين تسويق مؤسساتها وتابع الغرب ترويج قيم الرأسمالية الليبرالية في الصين، قد تصبح فئات واسعة من الشعب الصيني أكثر ميلاً إلى المؤسسات الغربية. لم تمتد الاضطرابات الراهنة في هونغ كونغ إلى أي مناطق أخرى في الصين، لكنها تعكس استياءً حقيقياً من التطبيق التعسفي للقانون، وقد لا ينحصر هذا الاستياء بالمستعمرة البريطانية السابقة. كذلك، يبدي الشباب المتعلّم استياءه من الرقابة المفروضة على الإنترنت.

من خلال نشر منافع الرأسمالية السياسية الصينية، ستنجح بكين في تقليص جاذبية النموذج الليبرالي الغربي بنظر مواطنيها. تتعلق نشاطاتها الدولية فعلياً بضمان صمودها محلياً. وبغض النظر عن أي تسوية رسمية أو غير رسمية تتوصل إليها بكين مع الدول التي تتبنى الرأسمالية السياسية، لا مفر من أن تُوسّع الصين نفوذها في المؤسسات الدولية التي بَنَتْها الدول الغربية وحدها في القرنَين الأخيرين خدمةً للمصالح الغربية.

مستقبل الرأسمالية


إعتبر جون رولز، الفيلسوف اللامع في مجال الليبرالية المعاصرة، أن المجتمع الصالح يجب أن يعطي الأولوية المطلقة للحريات الأساسية بدل الثروات والمداخيل. لكن تثبت التجارب أن الكثيرين مستعدون للتخلي عن الحقوق الديموقراطية مقابل زيادة مداخليهم. يكفي أن نلاحظ أن الإنتاج داخل الشركات يخضع لتنظيم هرمي بامتياز، لا ديموقراطي. لا يصوّت العمال على نوع المنتجات التـــي يفضلونها ولا يختـارون طريقة إنتاجها. يضمـن التسلسل الهرمي زيادة الفاعلية والأجور. كتب الفيلسـوف الفرنســي جاك إيلول منذ أكثر من نصف قرن: "التقنية هي حدود الديموقراطية. ما تربحه التقنية تخسره الديموقراطية. إذا كان المهندسون يتمتعون بشعبية واسعة وسط العمال، يعني ذلك أنهم يجهلون تفاصيل عمل الآلات". يمكن تطبيق المقارنة نفسها على المجتمعات ككل، فقد تخلّت هذه الأخيرة عن الحقوق الديموقراطية عمداً مقابل زيادة المداخيل.في العالم الربحي والفوضوي اليوم، نادراً ما يحصل المواطنون على ما يكفي من الوقت أو المعارف أو الرغبة للمشاركة في المسائل المدنية، إلا إذا كانت تلك المسائل تعنيهم مباشرةً. في الولايات المتحدة، واحدة من أقدم الديموقراطيات في العالم، من اللافت مثلاً ألا يعتبر المواطنون انتخاب رئيس البلاد، الذي يتمتع بصلاحيات "ملك مُنتَخب" وفق النظام الأميركي القائم، استحقاقاً مهماً بما يكفي كي يشارك فيه أكثر من نصف الناخبين. في هذا الإطار بالذات، تؤكد الرأسمالية السياسية على تفوقها.لكن تحتاج الرأسمالية السياسية إلى تسجيل معدلات نمو عالية دوماً لإثبات تفوقها وكبح التحديات الليبرالية. قد تكون منافع الرأسمالية الليبرالية تلقائية، كونها جزءاً من تركيبة النظام، لكنّ منافع الرأسمالية السياسية متحركة، ما يعني أنها تحتاج إلى إثبات فاعليتها طوال الوقت. تبدأ الرأسمالية السياسية بمشكلة إثبات الفاعلية عن طريق التجارب، لكنها تواجه مشكلتين إضافيتين أيضاً. مقارنةً بالرأسمالية الليبرالية، تميل الرأسمالية السياسية إلى إنتاج سياسات سيئة ونتائج اجتماعية سلبية ويصعب عكسها، لأن أصحاب السلطة لا يتشجعون على تغيير مسارهم. كذلك، يسهل أن تُسبب هذه المقاربة استياءً شعبياً بسبب فساد نظامها في ظل غياب نسخة واضحة من حكم القانون.

تحتاج الرأسمالية السياسية إلى ترويج نفسها باعتبارها وسيلة لتحسين إدارة المجتمعات، وزيادة معدلات النمو، وتعزيز فاعلية الإجراءات الإدارية (بما في ذلك تدابير تحقيق العدالة). وعلى عكس الرأسمالية الليبرالية التي تتخذ مواقف أكثر تساهلاً حين تواجه مشاكل موقتة، تبقى الرأسمالية السياسية يقظة ومتأهبة حتى حل المشكلة. يمكن اعتبار هذا الوضع ميزة حقيقية بناءً على نظريات داروين الاجتماعية: نظراً إلى الضغوط الدائمة التي تتعرض لها الرأسمالية السياسية لتقديم أفضل ما لديها للناخبين، قد تسعى إلى تحسين قدرتها على التحكم بالمجال الاقتصادي ومتابعة توفير السلع والخدمات على مر السنوات المتلاحقة أكثر مما يفعل النموذج الليبرالي. باختصار، قد تضمن العوامل التي تبدو شائبة في البداية منافع حقيقية!

لكن هل سيرضخ الرأسماليون الجدد في الصين لوضع المراوحة الذي يحد من حقوقهم الرسمية أو يلغيها في أي لحظة ويجعلهم تحت وصاية الدولة طوال الوقت؟ أم أنهم سينظمون أنفسهم حين يزدادون قوةً وعدداً ويفرضون سيطرتهم على الدولة، كما حصل في الولايات المتحدة وأوروبا؟ يبدو أن المسار الغربي الذي صوّره كارل ماركس مبني على منطق صلب: يميل النفوذ الاقتصادي إلى تحرير نفسه وتحقيق مصالحه الخاصة أو فرضها. لكن يبرز عائق ضخم يمنع الصين من السير على طريق الغرب نتيجة ألفَي سنة من الشراكة غير المتكافئة بين الدولة الصينية وقطاع الأعمال الصيني.




تتعلق المسألة الأساسية الآن بمعرفة مدى قدرة الرأسماليين في الصين على التحكم بالدولة ومدى استعدادهم لاستعمال الديمقراطية التمثيلية لتحقيق هذا الهدف. في الولايات المتحدة وأوروبا، استعمل الرأسماليون هذا الحل بأسلوب حذر جداً، فبدأوا بضخ جرعات ديموقراطية دقيقة ومستهدفة فيما كانت هذه النزعة تتوسع تدريجاً، وكانوا يكبحونها حين يبرز أي خطر محتمل على أصحاب العقارات (كما حصل في بريطانيا العظمى بعد الثورة الفرنسية، عندما أصبح حق التصويت مقيّداً جداً). أما الديموقراطية الصينية، إذا تحققت، فستكون شبيهة على الأرجح بالديموقراطيات الأخرى في بقية أنحاء العالم اليوم (ما يعني أن يفرض القانون احتساب صوت واحد لكل شخص). لكن نظراً إلى الثقل التاريخي لطبقات أصحاب الأملاك في الصين وطبيعتها غير المستقرة وحجمها الذي لا يزال محدوداً، لا يمكن التأكيد على إمكانية أن تحكم الطبقة الوسطى لوقتٍ طويل في الصين. لقد فشلت هذه الجهة في الجزء الأول من القرن العشرين تحت حكم جمهورية الصين (كانت تسيطر على معظم المناطق بين العامين 1912 و1949)، لذا لن تنجح في إعادة ترسيخ نفسها وتحقيق نجاح أكبر بعد مرور مئة سنة إلا بصعوبة كبرى.


نحو البلوتوقراطية؟


ماذا يحمل المستقبل للمجتمعات الرأسمالية الغربية؟ يتوقف الجواب على قدرة الرأسمالية الليبرالية المرتبطة بمعيار الجدارة على الانتقال نحو مرحلة أكثر تقدماً يمكن تسميتها "الرأسمالية الشعبية"، حيث يتم توزيع المداخيل المشتقة من عوامل الإنتاج والرساميل واليد العاملة بطريقة منصفة. تتطلب هذه العملية توسيع ملكية الرساميل الكبرى، بما يتجاوز عتبة العشرة في المئة من السكان راهناً، فضلاً عن تأمين وصول كل فرد إلى أهم المدارس والوظائف الأعلى أجراً بغض النظر عن خلفية عائلته.

لتحسين مستوى المساواة بين الناس، يجب أن تُطوّر البلدان حوافز ضريبية لتشجيع الطبقة الوسطى على الاحتفاظ بموارد مالية إضافية، وتزيد ضرائب الميراث على أغنى الأغنياء، وتُحسّــن التعليم العـام المجاني، وتطلق حملات انتخابية مُموّلة من القطاع العام. تعطي هذه التدابير آثاراً تراكمية، أبرزها توسيع ملكية الرساميل والمهارات في المجتمع. ستكون الرأسمالية الشعبية مشابهة للرأسمالية الديموقراطية الاجتماعية من حيث انشغالها باللامساواة، لكنها تطمح إلى نوع مختلف من المساواة: بدل التركيز على إعادة توزيع المداخيل، سيحاول هذا النموذج أن يضمن المساواة في تقسيم الموارد، على مستوى التخطيط المالي والمهارات. وعلى عكس الرأسمالية الديموقراطية الاجتماعية، تتطلب هذه المقاربة سياسات بسيطة لإعادة توزيع المنافع (مثل الإعانات الغذائية وقروض الإسكان) بعد نجاحها في ترسيخ حد أدنى من المساواة.

إذا فشلت الأنظمة الرأسمالية الليبرالية المبنية على معيار الجدارة في معالجة مشكلة توسّع اللامساواة، ستجازف باتخاذ مسار آخر، لا نحو الاشتراكية بل نحو الالتقاء بالرأسمالية السياسية. ستصبح النخبة الاقتصادية في الغرب حينها أكثر عزلة، ما يفرض سيطرة غير محدودة على المجتمعات الديموقراطية ظاهرياً، مثلما تفرض النخبة السياسية في الصين سطوتها على البلد. كلما زادت السلطات الاقتصادية والسياسية في الأنظمة الرأسمالية الليبرالية تلاحماً، ستصبح الرأسمالية الليبرالية أكثر ميلاً إلى المسار البلوتوقراطي (حكم الأثرياء)، فتأخذ حينها جزءاً من خصائص الرأسمالية السياسية. في هذا النموذج الأخير، تكون السياسة أداة لاكتساب المنافع الاقتصادية. وفي الرأسمالية البلوتوقراطيــــة (كانت تُعرَف سابقاً بالليبرالية المبنية على الجـدارة)، يطغى النفوذ الاقتصادي علــى السياسة. سيــكون مصير النظامَين واحداً: توحيد صفوف العدد الضئيل من أصحاب الامتيازات وإعادة إنتاج تلك النخبة إلى ما لا نهاية مستقبلاً!


MISS 3