جاد حداد

مارِس الإسترخاء الذهني لاسترجاع هدوء دائم

16 تشرين الثاني 2022

02 : 00

يعني الاسترخاء الذهني بكل بساطة القدرة على ملاحظة تفاصيل البيئة المحيطة والتركيز على الحاضر. تُعرَف هذه الممارسة منذ وقت طويل بقدرتها على إخماد مشاعر القلق. 

تقول إيلين لانغر، أستاذة في علم النفس في كلية الفنون والعلوم في جامعة «هارفارد»: «من خلال ملاحظة تفاصيل جديدة، يُفترض أن نتعلّم ما لا نعرفه مع مرور الوقت، ما يعني أن الشك يصبح القاعدة بدل أن يكون الاستثناء». اعتُبِرت لانغر «عرّابة الاسترخاء الذهني» لأنها أجرت تجارب رائدة عن هذا الموضوع في جامعة «هارفارد» طوال أربعة عقود. تسمح لنا هذه الممارسة برأيها بالحفاظ على انتباهنا وتقييم الاحتمالات المتاحة بدل مطاردة جميع الأفكار التائهة.

يخلط الكثيرون بين التأمل والاسترخاء الذهني. ثمة تداخل معيّن بين الممارستَين، لكن يبقى التأمل وسيلة لتحقيق هدف محدّد، بينما يُعتبر الاسترخاء الذهني غاية بحد ذاتها.

التأمل نشاط نشارك فيه لزيادة مستوى التنبه والإدراك. أما الاسترخاء الذهني، فهو أسلوب حياة ذات أثر فوري.

يكشف أهم بحث أجرته لانغر في مسيرتها حول الاسترخاء الذهني مجموعة متنوّعة من الآثار المدهشة. شملت دراستها الشهيرة في العام 1979 مجموعتَين صغيرتَين من الرجال في السبعينات والثمانينات من عمرهم. بقيت كل مجموعة في منزل معزول طوال خمسة أيام، وكان تصميمه مشابهاً لأجواء الخمسينات، أي حين كان هؤلاء الرجال أصغر سناً. طُلِب من المشاركين في المجموعة الأولى أن يتذكّروا ماضيهم، وطُلِب من الآخرين أن يعيشوا وكأنهم في زمن الخمسينات فعلاً.

سجّل الرجال في المجموعتين تحسّناً في مهام متعدّدة، لكن كان تحسّن المجموعة التي طُلِب منها أن تعيش في زمن الماضي أعلى مستوى من حيث أداء الذاكرة، والسمع، والنظر، والمَشْية، والقوة، مقارنةً بمن اكتفوا بتذكّر تلك الفترة الزمنية. حتى أنهم بدوا أكثر شباباً. يعكس هذا الوضع مفهوم «الوحدة بين العقل والجسم»، ما يعني أن يتأثر الجسم بوجهة العقل.

نتائج جديدة

تكشف أبحاث جديدة الآن أن الاسترخاء الذهني قد يعطي المنافع التالية:

تخفيف الألم: تذكر دراسة نشرها موقع مجلة «الألم»، في 7 حزيران 2022، أن الاسترخاء الذهني قد يُخفف المعاناة عبر قطع التواصل بين المناطق الدماغية المسؤولة عن إنتاج مؤشرات الألم. أنهى 20 شخصاً راشداً عدداً من جلسات التدرّب على الاسترخاء الذهني، ثم استعملوا هذه التقنية حين بثّ الباحثون مستوىً مؤلماً من الحرارة في منطقة تقع في أسفل الساق. اعتبر المشاركون حدّة الألم أقل بنسبة الثلث من الوجع الذي شعر به عشرون مشارِكاً آخر خضعوا لاختبار الحرارة نفسه، وطُلِب من المجموعة الأولى بكل بساطة إغلاق العينين. سمحت المسوحات الدماغية التي تزامنت مع جلسات الحرارة للباحثين بتعقب النشاط الدماغي في المجموعتين ومقارنة النتائج. كشفت تلك المسوحات أن المنطقتَين الدماغيتَين المرتبطتَين بالألم كانتا أقل نشاطاً في المجموعة التي مارست الاسترخاء الذهني أثناء بثّ الحرارة المؤلمة.

تقليص الأخطاء: تذكر دراسة نشرتها مجلة «علوم الأدمغة» في العام 2019 أن الاسترخاء الذهني (سُمّي في هذا التحليل «المراقبة المفتوحة») قد يجعل الناس أقل عرضة لارتكاب الأخطاء. قاس الباحثون النشاط الدماغي لدى 212 امرأة لم يمارسن التأمل يوماً. أنهى نصفهنّ حصة تأمّل مدّتها 20 دقيقة قبل الخضوع لـ»اختبار الإلهاء» المحوسب لقياس دقّتهن في تعقب الرموز الوامضة التي تتحرك على طول الشاشة. اكتفى النصف الآخر من المشارِكات بالخضوع لاختبار الإلهاء. تنذر المؤشرات الدماغية في المجموعة التي مارست التأمل بزيادة القدرة على تجنب الأخطاء في اختبار الإلهاء مقارنةً بالفئة التي لم تمارس الاسترخاء.

تجاوز العوائق: في دراسة نشرها موقع مجلة «النشرة الاجتماعية النفسية»، في 14 آذار 2022، طلب الباحثون من 121 شخصاً راشداً تحديد هدف شخصي مهم. انقسم المشاركون إلى مجموعتَين. شاركت المجموعة الأولى في حصة من الاسترخاء الذهني طوال 15 دقيقة، وخصّص المشاركون في المجموعة الثانية 15 دقيقة لقراءة المجلات. ثم قرأ الجميع سيناريوات عن «أزمة عمل» كانت عبارة عن عائق نظري كبير يمنعهم من تحقيق هدفهم المعلن. كان ممارسو الاسترخاء الذهني أقل ميلاً بكثير إلى اعتبار تلك الانتكاسة سبباً لتخلّيهم عن مساعيهم.

تقول لانغر إن هذه النتائج تؤكد استنتاجاتها السابقة: «لقد أصبحنا قادرين على التحكم براحتنا أكثر مما يدرك الناس. يمكننا أن نغيّر مشاعرنا عبر تغيير نظرتنا إلى الأمور، ونستطيع أن نغيّر نظرتنا هذه في أي وقت».


MISS 3