اجتماع مصري - أوروبي يُطالب بوقف التدخّل التركي في شؤونها

بوتين وأردوغان يدعوان إلى التهدئة في ليبيا

13 : 10

أردوغان وبوتين يفتحان صماماً رمزيّاً لأنبوب غاز في اسطنبول أمس (أ ف ب)

دعا الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان أمس إلى وقف إطلاق النار في ليبيا، بالرغم من تضارب مصالحهما هناك، كما حضّا إيران والولايات المتحدة على "ضبط النفس" وخفض التوتر في الشرق الأوسط.واثر اجتماعهما في اسطنبول لمناسبة تدشين خط أنابيب غاز يُكرّس تقارب البلدَيْن، دعا بوتين وأردوغان "جميع أطراف النزاع في ليبيا إلى وقف المعارك عند الساعة 00:00 من يوم 12 كانون الثاني" الحالي. كذلك، حضّ الرئيسان مختلف الأطراف على "الجلوس فوراً إلى طاولة المفاوضات بهدف وضع حدّ لمعاناة الشعب الليبي". وعبّر بوتين وأردوغان في بيان مشترك عن دعمهما للمؤتمر الدولي المقرّر في كانون الثاني في برلين، بغرض التوصّل إلى حلّ للعودة إلى المفاوضات السياسيّة برعاية الأمم المتحدة.

وتطرّقا أيضاً إلى تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن، بعد اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني الجمعة في ضربة أميركيّة في بغداد. وقال الرئيسان في بيان مشترك: "نؤكد التزامنا نزع فتيل التوتر في المنطقة وندعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس والتحلّي بالحكمة ومنح الأولويّة للديبلوماسيّة". وأكد الرئيسان أن العمليّة التي أدّت إلى اغتيال سليماني "فعل يُقوّض الأمن والاستقرار في المنطقة".والملف الساخن الآخر الذي بحثه الرئيسان هو النزاع في سوريا، حيث تكثفت في الأسابيع الأخيرة الهجمات الدامية للنظام السوري المدعوم من موسكو على محافظة إدلب، ما أدّى إلى تدفّق جديد للنازحين إلى تركيا. وتطرّق الرئيسان في بيانهما المشترك بشكل مقتضب للوضع في سوريا، من دون الدعوة إلى هدنة جديدة كما كانت تُريد تركيا. وفي وقت هدّدت خلافاتهما حول سوريا وليبيا تدشين خط أنابيب الغاز "تورك ستريم"، ركّز الرئيسان على التقارب الكبير بين بلدَيْهما اللذَيْن مرّا بأزمة كبيرة في 2015. ووصف أردوغان تدشين خط الأنابيب، الذي سينقل الغاز الروسي إلى تركيا وأوروبا عبر البحر الأسود، بأنّه "حدث تاريخي للعلاقات التركيّة - الروسيّة وخريطة الطاقة الاقليميّة"، فيما رأى بوتين، الذي بات بامكانه التعويل على هذا الخط لتزويد جنوب أوروبا بالغاز من دون المرور بأوكرانيا، أن "الشراكة بين روسيا وتركيا تتعزّز في كلّ المجالات بالرغم من جهود من يُعارضونها".

وبعد كلمتيهما، فتح الرئيسان صماماً رمزيّاً لأنبوب غاز للإشارة إلى بدء العمل بهذا الخط. ويُجسّد البيان المشترك نيّة الرئيسَيْن وضع خلافاتهما جانباً والتركيز على مصالحهما المشتركة. وبفضل مشروع "تورك ستريم"، الذي بدأ العمل فيه في 2017، تؤمّن تركيا نقل الغاز إلى مدنها الكبرى في الغرب، والتي تستهلك الكثير من الطاقة، وتفرض نفسها كلاعب رئيسي في مجال الطاقة في المنطقة. ويضمّ المشروع خطَّيْ أنابيب متوازيَيْن يمتدّان لأكثر من 900 كلم ويربطان بلدة أنابا في روسيا بكييكوي في شمال غربي تركيا. ويُمكن لخط الأنابيب أن ينقل نحو 31.5 مليـــار متر مكعّب من الغاز الروسي سنويّاً.

وبالعودة إلى الملف الليبي، ذكرت صحيفة "حرييت" التركيّة نقلاً عن أردوغان أن تركيا أرسلت 35 جنديّاً إلى ليبيا دعماً لحكومة طرابلس، لكنّهم لن يُشاركوا في المعارك. وأوضحت الصحيفة أن أنقرة "ستتولّى مهمّة التنسيق، ولن يُشارك الجنود في أعمال قتاليّة"، في حين أشار مسؤولون أتراك مراراً إلى أفراد سيتولّون "تدريب" و"تقديم الاستشارة" لقوّات الوفاق الوطني. ويؤكّد أردوغان أن "2500 عنصر مرتزقة من مجموعة "فاغنر"، الشركة العسكريّة الروسيّة الخاصة، يُقاتلون إلى جانب الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وهو ما تنفيه موسكو.


شكري متحدّثاً خلال مؤتمر صحافي في القاهرة أمس (أ ف ب)


توازياً، أعلن وزراء خارجيّة فرنسا واليونان وقبرص ومصر في ختام اجتماع عقدوه في القاهرة أمس، دعمهم لمؤتمر برلين الدولي، الذي سيُعقد الشهر الجاري في محاولة للتوصّل إلى تسوية للأزمة الليبيّة. وشارك وزير خارجيّة ايطاليا لويجي دي مايو في هذا الاجتماع، من دون أن يوقع البيان المشترك أو يحضر المؤتمر الصحافي.

وفي بيان مشترك أصدروه في ختام اجتماعهم، اعتبروا أن اتفاقيتَيْ تركيا مع حكومة الوفاق الوطني الليبيّة "باطلتان". وأضافت الدول الأربع أن اتفاقيّة ترسيم الحدود البحريّة في البحر المتوسّط تُشكّل "تعدّياً على الحقوق السياديّة لدول أخرى ولا تتوافق مع قانون البحار ولا يُمكن أن تترتب عليها أي نتائج قانونيّة". وقال وزير الخارجيّة المصري سامح شكري خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الوزراء الأوروبيين الثلاثة: "نحن مجمعون على دعم عمليّة برلين"، معتبراً أن هذا المؤتمر "ربّما يكون الفرصة الأخيرة" للتوصّل إلى توافق بين الأطراف الليبيين حول تسوية سياسيّة للأزمة في بلادهم، في حين شدّد وزير الخارجيّة الفرنسي جان ايف لودريان على أنّه "لن يكون هناك من حلّ عسكري لهذه الأزمة (الليبيّة)"، لافتاً إلى أن "الحلّ لا يُمكن إلّا أن يكون سياسيّاً".

وأكد وزير الخارجيّة المصري أيضاً أن الاتفاق الأخير بين تركيا ورئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج "مخالف لقرارات مجلس الأمن الدولي واتفاق الصخيرات"، لتسوية الأزمة الليبيّة، بينما رأى لودريان أن أنقرة يُمكنها أن تكون "لاعباً مهمّاً في شرق المتوسّط، ولكنّها لا يُمكن أن تُصبح كذلك إلّا إذا احترمت قانون البحار ووافقت على الدخول في حوار مع الدول المطلّة على المتوسط".

أمّا وزير خارجيّة اليونان نيكوس ديندياس، فشدّد على أن اتفاق أردوغان - السراج يُناقض اتفاق الصخيرات، معتبراً أن تدخّل تركيا في ليبيا يُشكّل تهديداً للمنطقة وللدول الأوروبّية، ويُعدّ انتهاكاً للقرارات الدوليّة. كما أشار وزير الخارجيّة اليوناني إلى أن تركيا "تُحاول منع قبرص من تطوير مواردها"، في إشارة إلى عمليّات التنقيب عن الغاز التي تقوم بها أنقرة في شرق البحر المتوسط بشكل غير قانوني، وإلى مذكّرة التفاهم بين أردوغان والسراج الخاصة بتعيين الحدود البحريّة.

وفي غضون ذلك، اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي برئيس حكومة الوفاق الوطني الليبيّة فايز السراج في بروكسل، في مسعى لاحتواء الأزمة المتصاعدة في ليبيا، اذ حذّرت ألمانيا من تحوّله إلى "سوريا ثانية". والتقى السراج، الذي تواجه حكومته هجوماً تشنّه قوّات حفتر، وزير خارجيّة الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الذي حذّر في وقت سابق من أن ليبيا أمام "محطّة فاصلة". وإلى جانب بوريل، التقى السراج رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال ووزير الخارجيّة الألماني هايكو ماس، الذي شارك الثلثاء في محادثات عاجلة تتعلّق بالشأن الليبي مع نظرائه الفرنسي والبريطاني والإيطالي. وفي بيان صدر لاحقاً، تعهّد الاتحاد الأوروبي "تكثيف الجهود للتوصّل إلى حلّ سلمي وسياسي"، وأمل في أن توفر "عمليّة برلين"، وهي محادثات برعاية الأمم المتحدة يُتوقع أن تجرى في العاصمة الألمانيّة، طريقاً للتوصّل إلى حلّ. وكشف ماس أن السراج قدّم دعمه الكامل لـ"عمليّة برلين" وتعهّد "تنفيذ ما يتمّ الاتفاق عليه هناك، وهو وقف إطلاق النار وحظر أسلحة مع الدول المجاورة، لكن والأهم من ذلك العمليّة السياسيّة برعاية الأمم المتحدة". وفي السياق، رفضت المملكة المغربيّة أمس الأوّل أي تدخّل أجنبي في ليبيا، بما في ذلك التدخّل العسكري، مهما كانت أسسه ودوافعه وفاعلوه، معتبرةً أن لا حلّ عسكريّاً للنزاع هناك.


MISS 3