بوني لين

وراء قوة الصين الظاهرية ضعف واضح

17 تشرين الثاني 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

المؤتمر الوطني العشرون للحزب الشيوعي الصيني | بكين، تشرين الأوّل ٢٠٢٢

في أواخر شهر تشرين الأول، أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني عبر نشر تقرير عن إنجازات الصين وطرح رؤية للسنوات المقبلة. وفي خطوة متوقعة جداً، مدّد الرئيس مدة عهده أيضاً. لكنه فاجأ الجميع، بما في ذلك أبرز مراقبي الشؤون الصينية، حين طرح قائمة بأسماء القادة الجدد حيث يشغل المقربون منه اليوم أعلى المراتب داخل الحزب وجهاز الدولة. استعمل شي جين بينغ عبارات مستهدفة ومباشرة لترسيخ قبضته على السلطة وتقديم نسخة قوية وطموحة من الصين أمام العالم.

تخفي مظاهر القوة والثقة التي يبديها الرئيس الصيني قلقاً عميقاً. يعتبر شي جين بينغ الصين محاصرة من جميع الاتجاهات وتكثر التهديدات الأمنية التي تواجهها. يشتق هذا القلق من إصرار بكين على اعتبار واشنطن عدائية، وعلاقاتها الشائكة مع جيرانها، وحاجة جيش التحرير الشعبي الصيني إلى وقتٍ طويل قبل أن يصبح قادراً على القتال والفوز بالحروب المحلية قبل الصراعات الأكبر حجماً. هذه النظرة القاتمة دفعت شي جين بينغ إلى اختيار قادة عسكريين جدد، وهي تفسّر دعوته المُلحّة إلى تحديث جيش التحرير الشعبي وطرح قائمة من المهام الشاقة التي يُفترض أن ينفذها الجيش خلال السنوات المقبلة. كان إصرار شي جين بينغ على أهمية القوة العسكرية الصينية خلال المؤتمر الحزبي اعترافاً منه بالضعف. بعبارة أخرى، تعجز الصين حتى الآن عن هزم خصومها، وتدرك بكين هذا الواقع.

على غرار الترقيات التي تحصل خلال المؤتمر الحزبي في المناصب المدنية، وصل الموالون للرئيس إلى مناصب متنوعة في اللجنة العسكرية المركزية (هيئة مؤلفة من سبعة أشخاص يرأسها شي جين بينغ شخصياً وتتولى إدارة جيش التحرير الشعبي). لكن اكتسب الرئيس خبرة واضحة في التعامل مع أخطر التهديدات والأزمات، وهذا ما يفسّر جزئياً سبب احتفاظ تشانغ يوشا بمنصبه في اللجنة، حتى أنه استفاد من ترقية رغم تجاوزه سن التقاعد. يوشا هو واحد من عدد صغير من الجنرالات المتبقين في جيش التحرير الشعبي بعد مشاركته في الحرب بين الصين وفيتنام في العام 1979.

لكن لا تنذر التعيينات العسكرية الأخيرة باندلاع حرب وشيكة. قد يكون أي تحليل يعتبر القيادة العسكرية الصينية الجديدة مجلس حرب يُعنى بتقديم التوصيات إلى الرئيس حول غزو تايوان أو محاصرتها، خلال السنوات الخمس المقبلة، مجرّد قراءة خاطئة أو تبسيط مفرط للتحديات الأمنية الخارجية التي تواجهها بكين. لم يحدد شي جين بينغ جدولاً زمنياً صارماً لتوحيد تايوان مع الصين، ولم يطلق خططاً لاستعمال قوة عسكرية واسعة ضد الجزيرة. هو يعرف أن مجرّد الاستعداد للحرب في تايوان لن يكون كافياً. يتمتع نائبا رئيس اللجنة العسكرية المركزية بخبرة واسعة في مجال القيادة وتنفيذ العمليات في الساحات العسكرية الصينية الخمس، فقد أمضيا سنوات وهما يتعاملان مع الهند، وكوريا الشمالية، وفيتنام، بالإضافة إلى اليابان وتايوان.

يشعر الخبراء الاستراتيجيون في جيش التحرير الشعبي بالقلق من خوض «حرب تفاعلية»، أو احتمال أن يؤدي الصراع في إحدى الساحات إلى افتعال قتال مع بلدان تحاول انتزاع الأراضي التي تطالب بها فيما تكون بكين منشغلة في أماكن أخرى. يتطلب التخطيط للحرب مع تايوان أن يستعد جيش التحرير الشعبي لحالات طوارئ أخرى، بما في ذلك احتمال أن تستغل الهند الوضع لاسترجاع الأراضي على طول الحدود المتنازع عليها، ويجب أن يقمع الجيش أيضاً أي اضطرابات داخلية إذا زاد استياء الرأي العام المحلي. لكن لم يصبح الجيش الصيني مستعداً لهذه المهام بعد. لا تثق بكين بقدرتها على استعمال قوة واسعة النطاق ضد تايوان، وتبدو أقل ثقة بقدرتها على التحكم بأي حرب مع تايوان تزامناً مع خوض صراعات متلاحقة أخرى.

في الوقت نفسه، يجب أن يتعامل جيش التحرير الشعبي مع تحديات كبرى من نوع آخر. على مستوى الطاقم العسكري، تحتاج اللجنة المركزية الجديدة إلى تسريع عملياتها. سيدرك كبار الضباط أنهم يفتقرون إلى الخبرة إذا قرر جيش التحرير الشعبي تنفيذ عملية عسكرية واسعة ومشتركة في محيط الصين. لا يزال لي تشانغ فو، وزير الدفاع الوطني الجديد على الأرجح، يخضع للعقوبات الأميركية بسبب دوره في شراء الطائرات والصواريخ الروسية حين كان يرأس قسم تطوير المعدات في جيش التحرير الشعبي. ولم يتّضح بعد ما ستفعله الصين لإدارة العلاقات العسكرية الثنائية مع الولايات المتحدة.

بعيداً عن أعلى مراتب القيادة، يجد جيش التحرير الشعبي صعوبة في تحسين نوعية عناصره. خفّض شي جين بينغ حجم الجيش بمعدل 300 ألف عنصر منذ خمس سنوات، وشدد على أهمية المسارات الوظيفية التي تُركّز على قيادة العمليات والعلوم والتكنولوجيا. لكن رغم تلك التخفيضات، بقيت حصة عناصر الجيش من الميزانية الدفاعية على حالها تقريباً، وهو تأكيد على واقع بسيط تواجهه جميع الدول: أي طاقم عالي الجودة يبقى مكلفاً. قد يضطر جيش التحرير الشعبي لإقرار تخفيضات إضافية لجذب المواهب التي يحتاج إليها بدل تجنيد العناصر عشوائياً في صفوف جيشٍ ضخم للتعويض عن مشاكل البطالة في الصين.

خلال السنوات المقبلة، سيضطر جيش التحرير الشعبي أيضاً للتحرك في بيئة محدودة الموارد. سجّلت ميزانيته نمواً سنوياً بنسبة مرتفعة خلال العقد الماضي، وأعلن الجيش رسمياً أن إنفاقه على الدفاع أصبح الآن قريباً من 230 مليار دولار سنوياً، وهو يأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة التي تبلغ ميزانيتها حوالى 750 مليار دولار. لكن على وقع المشاكل الاقتصادية المتراكمة واضطراب نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين، سيضطر الحزب الشيوعي الصيني للقيام بخيار واعٍ للحفاظ على الزيادات الكبرى في ميزانية الجيش. أعطى شي جين بينغ الأولوية للأمن أكثر من النمو الاقتصادي خلال مؤتمر الحزب الحاكم، ويبدو أنه سيدفع الحكومة إلى متابعة تأمين التمويل لتحديث جيش التحرير الشعبي. لكن سيتعرض هذا الجيش لضغوط هائلة كي يثبت أنه يحرز التقدم ويستحق سخاء الحكومة.

على المدى الطويل، لم يتّضح بعد ما سيفعله جيش التحرير الشعبي لمتابعة تلقي التقنيات المتقدمة خدمةً للمنصات العسكرية من الجيل المقبل، وهي أدوات أساسية في أي محاولة لمضاهاة الولايات المتحدة. في هذا السياق، دعا المؤتمر الحزبي إلى تكثيف التعاون بين قطاع العلوم المدنية والتكنولوجيا وجيش التحرير الشعبي.

لكن يتعرّض هذا التعاون لضغوط شديدة منذ الآن بسبب المشاكل الناشئة في سلاسل الإمدادات العالمية وتدابير الإقفال التام المرتبطة بأزمة كورونا. حتى أنه قد يَضْعُف بدرجة إضافية إذا قررت إدارة جو بايدن الحد من تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين. قد تكون القرارات الأميركية الأخيرة التي تمنع الشركات الأميركية والأطراف الثالثة من بيع الرقائق الدقيقة إلى الصين مجرّد بداية لسلسلة من التدابير الأميركية التي تستهدف الجوانب التكنولوجية من القدرة التنافسية العسكرية الصينية. سيتوقف جزء كبير من نجاح بكين على مساعيها لزيادة اكتفائها الذاتي في تقنيات أساسية تحاول واشنطن حرمانها منها.

ترغب بكين في تقوية قدراتها العسكرية لأن شي جين بينغ يدرك أن بلده يواجه تهديدات خارجية متزايدة. تتألف اللجنة العسكرية المركزية الجديدة من أفراد يحظون بثقة الرئيس الصيني ويتمتعون بالخبرة اللازمة لتنفيذ خططه. لكن يُفترض أن تكون قائمة المهام والتحديات الطويلة التي يتعامل معها جيش التحرير الشعبي، فيما يتجه لتحقيق أهداف التحديث العسكري بحلول الأعوام 2027، و2035، و2049، كفيلة بطمأنة الجهات الخارجية حول امتناع شي جين بينغ عن إطلاق صراع كبير مع جيران الصين خلال سنة أو سنتين.

لكن من المتوقع أن يصبح جيش التحرير الشعبي أكثر صرامة في مساعيه لتحقيق المصالح الصينية، من دون أن يصل إلى عتبة الحرب، ويشارك في تحركات قسرية متزايدة على طول حدوده. كذلك، قد تستمر التوغلات العسكرية المتكررة في محيط تايوان على الأرجح وتمعن الصين في اختراق المناطق المتنازع عليها، مثل بحر الصين الجنوبي والشرقي. في الوقت نفسه، سيتلقى جيش التحرير الشعبي دعوات متزايدة «للدفاع» عن بكين في وجه العدوان الخارجي، وقد يستعمل «إخفاقات» الأميركيين وحلفائهم وشركائهم (مثل زيارة وفود سياسية أميركية رفيعة المستوى إلى تايوان) كعذرٍ مناسب لتصعيد الاضطرابات، وترهيب الرأي العام الخارجي، وتزويد الجيش بخبرة متزايدة على أرض الواقع.

في غضون ذلك، قد تكسب الصين ثقة مفرطة بنفسها، فتعتبر التنفيذ المُنسّق للتدريب العسكري ضد تايوان في شهر آب دليلاً على نجاح بكين في إدارة الأزمات المستقبلية. لكن يعكس هذا النهج شكلاً خطيراً من سوء التقدير، وقد يسرّع اندلاع الصراعات مع أن جيش التحرير الشعبي ليس مستعداً لخوضها بعد. حتى الآن، يدرك شي جين بينغ على ما يبدو أن الصين ليست جاهزة لطرح نفسها كقوة عسكرية بالشكل الذي تطمح إليه. لكن قد لا يدوم هذا الحذر وضبط النفس إلى أجل غير مسمى، لا سيما إذا حرص الفريق المحيط بالرئيس على إرضاء زعيمه أكثر من الإبلاغ عن أوجه القصور الصينية.


MISS 3