بشارة شربل

في ذكرى الإستقلال... "مش ماشي الحال"

22 تشرين الثاني 2022

02 : 00

لا يحلو الكلام عن ذكرى استقلال فيما يشغر موقع الرئاسة ويغيب أي عرض عسكري يوحي بوحدة المؤسسات حتى ولو كانت موضع تنازع بين أهل السلطة الفاقدي الصدقية والإحساس.

لسنا في معرض ندب حظنا في مناسبة يفترض أن تُذكِّرنا بأيام افتخار. وبدلاً من ضرب أخماس بأسداس مسلِّمين أمرنا الى من يخطط لتغيير الهوية وطبيعة الكيان وتيئيس الناس، الأجدر أن نتساءل عمّا بقي من هذا الاستقلال لنقول بصراحة: "مش ماشي الحال".

لا ضرورة للتذكير بتفكّك أركان الدولة السيّدة وبانهيار الاقتصاد. والكارثة بلا ألغاز، وتشخيصُها لا يحتاج مراكز دراسات. وإذ يمكن اختصارها بتواطؤ أهل السلطة والمال مع الوصاية ثم مع السلاح غير الشرعي، فإنّ ما يوجب النقاش هو سؤال هل أن النظام السياسي هو بؤرة طبيعية لإنتاج أزمات مستعصية، أم أن حظَّه العاثر سلَّمه الى "عصابة أشرار"؟.

يحق للبنانيين الذين دفعوا أكثر من مئة ألف قتيل وقدْراً واسعاً من التهجير والتدمير التمسّك بـ"اتفاق الطائف" الذي أرسى مجدداً قواعد للسلم الأهلي. "تنذكر ما تنعاد" تخرج صادقة من صدور من عَلِموا الحرب وذاقوها، مثلما برزت قناعة لدى جيل شبابي خرج في 17 تشرين مطالباً باستعادة الدولة. ولكن الوقائع تثبت أن "المنظومة"، بمتحوراتها المتعدّدة، والتي طبقت نسختها الخاصة من "الاتفاق" منذ اغتيال رينيه معوض، مستمرّة في مشروعٍ يتجاوز قدرة احتمال "الطائف" نصاً وروحاً، رغم مرور ثلاثة عقود، وهو وقت غير قليل، ورغم تعدد المآسي ووصول البلاد مرات الى حافة الحرب الأهلية.

لا يمكن الاكتفاء بسذاجة القول أن "الطائف" ممتاز والمشكلةُ في التطبيق، وأن عدم اكتمال بنوده أودى الى نقصان كماله. فالطائف كسائر الاتفاقات أُقر استناداً الى موازين قوى، لكنه طُبِّق وفق روح الهيمنة والانتقام من دولة المؤسسات، فتم "تشليعُها" بالمحاصصة والزبائنية واعتبارها مغانم حرب، ما قد يعني أن اعتماد سائر مندرجاته لن يأتي بنتيجة أفضل.

كانت 17 تشرين آخر محاولة لتصحيح المسار على مشارف الانهيار الكبير. أجهضها "حزب الله" رافضاً أن يرى فيها هاجس إصلاح داخلي، بل "مؤامرة" تشبه "الربيع العربي" يَخشى أن تطيح مشروعه الاقليمي والايديولوجي. وإذ تكشفت الانتخابات عن استعصاء إضافي تمثل في كتلة شيعية متراصة تنتج بصناديق الاقتراع "حق نقض" وطنياً يلغي جميع مستويات الممارسة الديموقراطية وآلياتها، فإنه صار لزاماً فكّ أسر الدولة والمكونات الطائفية وسائر المواطنين باقتراحات تخترق جسد تركيبة النظام ما دام غير مجدِِ الإصرار على إنقاذ القلب بالنبض الاصطناعي.

استكمال بنود الطائف بحذافيرها رائع لو يتم. ومطالبةُ البطريرك الراعي بمؤتمر دولي اقتراحٌ مهم لو يحظى برعاية دولية ملموسة، فتطبيق القرارات الأممية سيشكل رافعة لاستعادة الدولة سواء في ظل الطائف أو غيره... مداورة الرئاسات فكرة إصلاحية إضافية قد تُعفي من أكذوبة دعوة الطائفيين والعلمانيين الحالمين الى إلغاء الطائفية السياسية، وتُغني عن الاشتباك حول الصلاحيات والمهل وسائر "الثغرات"، وتضع حداً لـ"ألعاب الخفة" الخبيثة التي تُلمح الى خرق الأعراف المذهبية في انتخاب الرئيس... الخ.

لن يكون عدم انتخاب رئيس نهاية العالم، بل سبباً لتعطيل النظام بالكامل وإعلان فشله النهائي وفتح الباب للأخطار والطموحات وربما الحلول التي تدوم لعقود. تبقى الأولوية لسدّ الفراغ في بعبدا. أما الرئيس العتيد فيجب أن يخوض خلال ولايته غمار صيغة خلاقة لـ«عيش مشترك» جديد، لأنه "مش ماشي الحال" ولن يمشي بالترقيع.