جيل "دوار الشمس" جاهز للدفاع عن الديموقراطية الهشة في تايوان!

10 : 43

كان التايوانيون يعتبرونها باردة وتفتقر إلى الكاريزما ولطالما انتقدوا سياستها لأبسط سبب. حتى أنهم عاقبوا "الحزب الديموقراطي التقدمي" الذي تنتمي إليه خلال الانتخابات البلدية. مع ذلك، نجحت رئيسة تايوان، تساي إنغ ون، منذ بضعة أشهر في العودة إلى الساحة بكل قوة، بعدما أقرّت مشروع الزواج للجميع (وهي سابقة في آسيا)، وعززت تقارب بلدها مع واشنطن رغم امتعاض بكين، ودعمت الديموقراطيين في هونغ كونغ... قبل أيام معدودة من نهاية ولايتها، حققت هذه المحامية السابقة، البالغة من العمر 63 عاماً، إنجازات مشرّفة لدرجة أنها فازت بولاية ثانية في 11 كانون الثاني. ومنحتها أحدث استطلاعات الرأي بين 19 و24 نقطة إضافية مقارنةً بخصمها الأساسي هان كيو يو، مرشح حزب "الكومينتانغ". حتى العام 1986، كان هذا الحزب الذي أسسه سون يات سين، أول رئيس لجمهورية الصين، الحزب المرخّص الوحيد في تايوان. يؤيد "الكومينتانغ" التقارب بين تايوان والبر الصيني الرئيسي، ويدعم مبدأ "بلدٍ واحد بنظامين" الذي تُجاهر به بكين، وهو يقضي بأن تتعايش الأنظمة الشيوعية (البر الصيني) والرأسمالية (هونغ كونغ، ماكاو، تايوان) مع بعضها تحت راية جمهورية الصين الشعبية.

أساءت الأحداث التي تجتاح هونغ كونغ منذ عشرة أشهر إلى هذا المبدأ. كيف يمكن أن يتبنى التايوانيون، لا سيما الأجيال الشابة، مشروعاً مماثلاً حين يشاهدون على التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي مواجهات بين المتظاهرين وقوى النظام في الشوارع؟ يؤكد تشن مينغ تشي، نائب وزير شؤون العلاقات العامة مع الصين، على رفض ثلاثة أرباع الشعب لهذا الشعار من الآن فصاعداً. وإذا تدهور الوضع، ستبلغ نسبة المعارضين لأي تقارب مع بكين 90%.

منذ سنة، عبّر هذا الجيل الشاب عن اكتفائه وخيبة أمله إزاء لامبالاة الحزب الديموقراطي. بدا المستقبل مشرقاً في شانغهاي حينها أكثر من شوارع تايبيه. بنظر هؤلاء الشبان الخائبين، أصبحت الأيام الجنونية التي طبعت "حركة دوار الشمس" في العام 2014 مجرّد ذكرى غابرة. خلال شهر تقريباً، احتل آلاف الطلاب برلمان تايبيه لمعارضة مشروع متعلق بعقد اتفاقيات تجارة حرة مع الصين. اليوم، ينشط "جيل دوار الشمس" مجدداً للدفاع عن الديموقراطية التايوانية الهشة.

تجلس ميريديث هوانغ في مكتبها المزدحم، في الطابق الثالث من دار بلدية تايبيه. هي واحدة من "أبناء دوار الشمس". انتُخِبت في تشرين الثاني 2018 كجزءٍ من "حزب القوة الجديدة" المنبثق من الحزب الديموقراطي. تبلغ هذه المستشارة الشابة في البلدية 29 عاماً، وقد تخلّت عن حصص الرقص الكلاسيكي للانخراط في معترك السياسة. تقول بكل اندفاع: "الوضع في هونغ كونغ علّمنا درساً مهماً. لا مجال لإعادة توحيد تايوان مع الصين". هي تؤيد قضايا متنوعة مثل حماية البيئة وحقوق المثليين والتعليم... تريد ميريديث هوانغ أن تهز الطبقة السياسية التايوانية القديمة في مقاطعة تايبيه التي تنتمي إليها لأنها تعتبرها جامدة أكثر من اللزوم.

تطمح أودري تانغ إلى الأهداف نفسها، لكنها تقترح مقاربات مختلفة لتنفيذها. في عمر الرابعة عشرة، تركت هذه الشابة الموهوبة المدرسة لتعلّم المعلوماتية وحدها، ثم سافرت إلى منطقة "سيليكون فالي" في كاليفورنيا. في خضم الأحداث المتسارعة، قررت "حركة دوار الشمس" إشراكها في الحياة السياسة عند عودتها إلى تايوان. في العام 2016، أصبحت أول وزيرة متحولة جنسياً في العالم. تتولى هذه الخبيرة السابقة في المعلوماتية شؤون التنمية الرقمية وتناضل لإرساء "ديموقراطية منفتحة" قادرة على التصدي للبر الصيني الرئيسي، حيث تُستعمَل التكنولوجيا الجديدة خدمةً للحكم الاستبدادي والرقابة العامة. توضح تانغ: "في جمهورية الصين الشعبية، يجب أن يكون الأفراد شفافين في تعاطيهم مع الدولة. لكنّ الوضع معاكس هنا. يجب أن تكون الحكومة شفافة مع الشعب".

يصف الصينيون هذا الشتات الذي يستقر في الولايات المتحدة ثم يقرر العودة إلى دياره لإنقاذ البلد بعبارة "السلاحف البحرية". في العام 2014، وضّب براين هياو، طالب في نيويورك، حقائبه حين شاهد صور احتلال برلمان تايبيه. وبعد عودته، أطلق مجلة "نيو بلوم" (برعم جديد)، في إشارةٍ إلى دوار الشمس. في عمر الثامنة والعشرين، أصبح رئيس أكبر وسيلة إعلامية مستقلة في تايوان. يقول هياو: "تتعلق أهم مسألة مطروحة على المستوى السياسي في هذا البلد بتأييد الاستقلال أو معارضته، وتأييد توحيد البلد مع الصين أو معارضته. يتمحور الوضع كله حول هذين الموضوعين".

الاختيار بين واشنطن وبكين حتمي!

في بكين أيضاً، أصبحت هذه المسألة في صلب اهتمامات الجميع. منذ وصول الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السلطة في العام 2012، جعل "غزو" الجزيرة المتمردة على رأس أولوياته. من وجهة نظره، لا مفر من أن تعود تايوان إلى وطنها الأم بحلول الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية في العام 2049 كحد أقصى. وجّه شي جين بينغ رسالة مطمئنة إلى التايوانيين وأكد فيها على احترام أسلوب حياتهم، لكن لا يصدق التايوانيون أي كلمة صادرة منه بعد أحداث هونغ كونغ.

حتى الفترة الأخيرة، كانت السلطة الصينية تتكل على حزب "الكومينتانغ" لمحاولة التأثير على الرأي العام. لكن أدى تعنّت بكين مع مثيري الشغب في هونغ كونغ إلى إفساد هذه الخطة، ولم تتحسن الأوضاع بسبب غياب مظاهر العصرنة في حزب المعارضة. يقول إيريك هوانغ: "حزب "الكومينتانغ" منفصل بالكامل عن الواقع". هوانغ شاب تايواني عمره 33 عاماً، وقد سافر إلى كندا والولايات المتحدة سابقاً، ولطالما تولى تنسيق العلاقات بين "الكومينتانغ" وواشنطن قبل أن يستلم الاتصالات الدولية في الحزب. لكنه انتفض أخيراً بعدما سئم من "نادي المسنين" هذا. حين عاد إلى تايبيه، لم يُخْفِ نفوره من المرشح الحالي عن حزب "الكومينتانغ"، هان كيو يو. عمد هذا المرشح، بأساليبه الشعبوية التي أكسبته لقب "ترامب التايواني"، إلى تدمير قاعدة الحزب المتمثلة بنخبة مثقفة في الخارج وبجيل الشباب الذي يبدو أقرب إلى المعسكر الديموقراطي الكاره للخطابات المثيرة للانقسام. يضيف إيريك هوانغ: "يحتاج حزب "الكومينتانغ" إلى إصلاح نفسه واختيار معسكره. تطالبنا الولايات المتحدة بالاختيار بين واشنطن وبكين. ويجب أن يصطف الحزب مع الأميركيين طبعاً"! يبدو هوانغ مقتنعاً بهزيمة هان كيو يو في المرحلة المقبلة، وينتظر الوقت المناسب كي يعود إلى الساحة السياسية. سبق وحدد معالم برنامجه: "إعادة توحيد تايوان مع الصين مستحيلة. سيكون الوضع أسوأ من هونغ كونغ بعشر مرات! يجب أن يدعم حزب "الكومينتانغ" الديموقراطية".سيكون فوز المعسكر الديموقراطي كارثياً بالنسبة إلى بكين التي قررت مسبقاً الحد من عدد الصينيين الذين يُسمَح لهم بالذهاب إلى تايوان. في المقابل، قررت شركات تايوانية متعددة أن "تعود إلى أصلها" لأنها تخشى أن يتعرض موظفوها المغتربون يوماً للاعتقال على يد الشرطة الصينية تنفيذاً لأوامر السلطة الشيوعية.على صعيد آخر، تشهد العلاقات بين الصينيتَين توتراً متزايداً. يتذمر نائب الوزير تشن مينغ تشي من الوضع قائلاً: "لم يعد يجمعنا أي حوار رسمي مع بكين. أطلقت الصين موجة من الاعتداءات الإلكترونية بهدف التلاعب بالانتخابات. وتتعدد عمليات التجسس الحاصلة راهناً". لذا صوّتت تايوان على قانون "مكافحة التسلل" في نهاية شهر كانون الأول الماضي، لمنع بكين من تمويل الأحزاب السياسية الموالية للصين.أصبحت تايوان وحيدة وسط هذا المستنقع الشائك. لكنها تستطيع الاتكال على الأميركيين لحسن الحظ. صحيح أن واشنطن قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع تايبيه في العام 1979 (لجعل بكين الممثلة الوحيدة للصين)، لكنها تبقى رغم ذلك أقوى حليفة للجزيرة. منذ شهر تموز، باعت واشنطن الأسلحة إلى تايوان بأكثر من 10 مليارات دولار، منها دبابات "إم1أ2 أبرامز"، وأنظمة دفاعية أرض-جو، وقاذفات قنابل معاصرة من طراز "ف-16". تعليقاً على الموضوع، يقول جان بيار كابيستان، أستاذ في العلوم السياسية في جامعة هونغ كونغ المعمدانية: "يأتي أكثر من ثلاثة آلاف مستشار من البنتاغون إلى تايوان سنوياً، ما يثبت أن الولايات المتحدة تأخذ أمن الجزيرة على محمل الجد". قد تكون تصرفات دونالد ترامب غير متوقعة، لكن يُفترض ألا يغير السياسة الأميركية في هذا الملف. يضيف كابيستان: "تكثر المفارقات في أداء السلطة الصينية. تبدو الصين نافذة في جميع أصقاع العالم وتوحي بأنها قوة لا تُقاوَم، لكنها تبقى معزولة. من خلال التشكيك بالهيمنة الشيوعية، تساهم تايوان وهونغ كونغ في إضعاف الصين". نتيجةً لذلك، أصبح شعار "بلدٍ واحد بنظامَين" غير واقعي اليوم أكثر من أي وقت مضى!


MISS 3