وليد شقير

"تمديد" الحلف مع باسيل يساوي التمديد للفراغ

25 تشرين الثاني 2022

02 : 00

لم يعد هناك من حرج عند أي من الأطراف في تمديد الفراغ الرئاسي وفي استئناف ما يسميه رئيس البرلمان نبيه بري «المهزلة».

ما يراهن عليه القادة السياسيون باستثناء قلّة منهم هو أن يعتاد اللبنانيون على المسرحية من دون أن يرفّ لهم جفن. وهؤلاء القادة يدركون في أعماقهم أنّ عامة الناس منشغلة عن الاستحقاق الرئاسي بأحوالها اليومية المضنية والمأسوية جراء ضيق وسائل العيش والتهاب الأسعار، أو في أحسن الأحوال، تنصرف إلى متابعة المونديال. فالجميع يبدو في إجازة من انتخاب الرئيس وبات مسلّماً به أنّ لا جديد قبل نهاية العام، وبعد أسبوعين يدخل البلد في إجازة الأعياد الفعلية. وفي السنة الجديدة سيتم إلهاء الناس بسعر الصرف الجديد للدولار والدولار الجمركي وآثاره على الأسواق...

في فصول الملهاة التي يتعرّض لها الجمهور اللبناني أيضاً أنّ «حزب الله» سيضطر مرة أخرى إلى تحميل جمهوره وقواعده الحزبية عبء استمرار التحالف مع «التيار الوطني الحر» ورئيسه النائب جبران باسيل بقراره تجاوز المواقف التي أعلنها الأخير في باريس حيث رفض حجج الأمين العام السيد حسن نصر الله بتأييد ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية. كما رفض حجة نصر الله بأنّ الأولوية هي لحماية المقاومة.

ويبدو أن قرار «الحزب» هو عدم القيام برد فعل على كلام رئيس «التيار الوطنيّ الحر»، والحفاظ على العلاقة معه نظراً لغياب التحالفات البديلة له على الساحة المسيحية، رغم ما تركته حملات الأخير من استياء لدى القيادة والقاعدة الحزبيتين. فالسواد الأعظم من جمهور «الحزب» وقواعده بات ينظر إلى باسيل وتياره على أنه معادٍ، وأنه يتصرف على قاعدة أنا أو لا أحد، ويتعاطى مع باسيل على أنّه إذا لم يكن هو في رأس السلطة فهو يريد رئيساً خاضعاً له ليمارس عليه ومن خلاله، صلاحيات الرئاسة كما لو أنّ عمه العماد ميشال عون ما زال يسكن في قصر بعبدا. فضلاً عن أنّ جزءاً كبيراً من جمهور «الحزب» وقواعده، مثل جمهور وقواعد أحزاب وزعامات أخرى في المعارضة وفي معسكر خصوم قوى 8 آذار، ينظر إلى سياسات «التيار الحر» على أنها سبب رئيس من أسباب الأزمة الاقتصادية المالية التي ينوء تحتها البلد، ويطرح التساؤلات منذ سنوات حول جدوى التحالف معه.

تقفز قيادة «الحزب» فوق هذه الاعتبارات وتعتمد خطاب الدعاية والتعبئة التي تحرف جمهوره وقواعده عن اتساع رقعة الخلاف مع باسيل باتهام الخصوم، في معركة الرئاسة الأولى على أنهم «أذناب وعملاء لأميركا وإسرائيل»، وتتجاهل غضّها النظر عن ممارسات حلفائها الفاسدة عبر تفردهم بالسلطة، الذي تسبب بتعميق مآسي اللبنانيين.

يتحمل «حزب الله» الأثمان الباهظة لتحالفه مع باسيل مثلما فعل طوال فترة ولاية العماد عون، طالما لم يضمن وصول الرئيس الذي يطمئن إليه، وطالما أنّ الظروف الإقليمية التي تملي عليه تجيير نفوذه في لبنان لمصلحة إيران تفرض عليه الاحتفاظ بالحليف المسيحي المناهض لمواقف خصومه الآخرين في الساحة المسيحية، وفي طليعتهم حزب «القوات اللبنانية»، وحزب «الكتائب».

قد يكون هجوم باسيل على فرنجية أفاد الأخير سواء في أوساط قوى 8 آذار وربما في صفوف بعض من هم في المعسكر الآخر، أيضاً، من النواب المترددين في تأييده. لكن حاجة «الحزب» لاستمرار تحالفه مع «التيار الحر» تمدد قسراً «تفاهم مار مخايل» الذي أعلن باسيل سقوطه بالممارسة أكثر من مرة، ما يحول دون استثمار فرنجية لسقطات حليف الحليف لدى القوى المحلية والخارجية، لاجتذاب تأييدها، باسم التمايز عن العهد الرئاسي السابق.

فضلاً عن أنّ إصرار «الحزب» على استخدام ورقة التحالف مع باسيل رغم كلّ الخلاف معه، يساوي التمسك بالسياسات التي اعتمدها طوال السنوات الست الماضية لبنانياً وإقليمياً، والرغبة في التمديد للمرحلة السابقة، فإنه بذلك يمدد للفراغ القاتل الحالي، إلى أن تحين له فرصة التمديد للنهج السابق في الرئاسة المقبلة.

إذا كان باسيل غارقاً في حالة الإنكار لما تسببت به سياسات العهد السابق من أضرار فإن الحزب» بهروبه إلى الأمام في الإصرار على تحالفه معه، يثبِّت مسؤوليته عما وقع فيه البلد وعن إدامة أزمته.