محمد دهشة

صور من يوميات أبناء صيدا: مخاوف تتفاقم.. والحراك مستمر حتى تحقيق المطالب

13 كانون الثاني 2020

20 : 15

فرض تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي في لبنان انتعاش أسواق الملابس والأحذية المستعملة "البالية" بعدما كانت قد إختفت منذ سنوات من مدينة صيدا وبعض مناطق الجنوب، فيما كشف "الحراك الاحتجاجي" في صيدا، في يومه "التسعين" عن صور متناقضة، يعيشها أبناء المدينة الذين يئنون تحت وطأة الفقر والغلاء وارتفاع الاسعار في ظل الازمة الاقتصادية المعيشية الخانقة.

أولى الصور التي باتت عرفا مع بداية كل الأسبوع، الازدحام غير الطبيعي على المصارف، لسحب أموال المودعين وفق الحصة المحددة من ادارتها وسط الهواجس من نفاذها قريبا لان كل العمليات الجارية على خط واحد السحب النقذي وقلة للايداع وللذين عليهم قروض فقط، تمضي ساعات طويلة قبل الدخول الى الفرع، البعض يأخذ مستحقاته والبعض الآخر يعود خائبا بعد نفاذ العملة الاجنبية الخضراء - الدولار، وبينهما تقع اشكالات متنقلة يعلن عنها حينا وتبقى طي الكتمان أحيانا.

ويقول المواطن علي حجازي لــ "نداء الوطن"، "لقد بتنا نشحذ أموالنا من المصارف بعدما كانت تقدم لنا كل التسهيلات اللازمة، لم يعد بمقدور احد سحب ما يريد من اموال، لكل شيء قيد، نأمل ان تنتهي الازمة على خير ولا يضيع جنى العمر هباء بسبب مصالح النافذين وفسادهم".

يقابل حركة المصارف، إقبال كثيف على محلات الصيرفة، لم يستوعب أبناء المدينة بعد هذا التلاعب الحاد وغير وضاح، في ارتفاع سعر الصرف نزولا وصعودا، فقد وصل سعر الصرف الى 2500 ليرة لبنانية، فيما السعر الرسمي مستقر على 1515 ليرة لبنانية، واللافت أن ثمة اقبالا على الشراء دون البيع ما ينذر أن الامور تتجه نحو الارتفاع مجددا.

ويؤكد باسم شامية لـ "نداء الوطن"، وهو رب أسرة، ومن صغار المودعين، لقد سحبت للتو مبلغ مئتي دولار اميركي، وفي طريقي فورا الى الصراف لتحويلهما الى العملة اللبنانية، أريد ان أشتري احتياجات المنزل، لقد سئمت الانتظار في المصرف، ولا حل امامي، انها أيام سوداء فمتى تنتهي؟؟".

شكوى وبطالة

بين المصارف والصيرفة، يبدو السوق التجاري هادئا، محلات لم تترك طريقة لجذب الزبائن دون جدوى، "تنزيلات"، "حسومات"، "حرق أسعار" و"ثورة على الغلاء" والنتيجة واحدة، ركود قاتل وشكوى من الافلاس والاقفال، وفق ما يقول أحد التجار "باتت هم الناس تأمين قوت اليوم من طعام وشراب، وليس شراء الثياب والاحذية، لم نعد قادرين على الصمود امام الايجارات ورواتب الموظفين ومصيرنا يبدو قاتما".

يوميات الناس في المدينة يصح وصفها بانها باتت قائمة "الخوف من المستقبل" وتوقع ازمات جديدة، لن تعد تقتصر على انخفاض قيمة الليرة وطابور الانتظار على ابواب المصارف، انما تمتد الى "الغاز والمازوت وحليب الاطفال وتلوح في الافق المخاوف من البنزين وقبلها والخبر والرغيف، لم تعد الناس تحتمل خاصة مع ارتفاع نسبة البطالة، محال كبيرة ذات "ماركات" عالمية وبارزة، أقفلت في "مول صيدا" التجاري، وبعدها "مدينة المفروشات"، ومؤسسات صرفت عددا من موظفيها، وأخرى أنذرتهم و"الحبل على الجرار"، ومنها ايضا حوالي ١٧٥ فني يعملون لصالح احدى الشركات المشغلة او ما يسمى "يد عاملة فنية داعمة" في معملي الذوق والجية.

الدين والمستعمل

على ان الصورة الأكثر تأثيرا ودليلا على الفقر، هو ازدياد الشراء بالدين، ترادفا مع اقبال ذوي الدخل المحدود على اسواق الثياب القديمة والمستعملة "البالية" قبل نفاذ معروضاتها، لان اصحابها يستوردونها من الخارج وخاصة المانيا بالعملة الاجنبية، وتوقف غالبيتهم ويريد تصريف ما لديه، وهي ارخص من الجديدة ونوعيتها افضل، والاهم انها تأتي لتلبية احتياجاتهم في فصل الشتاء والبرد، وفق ما يقول فوزي عفارة وهو يصب جام غضبه على الازمة الاقتصادية والغلاء الذي حرمه من شراء الثياب والاحذية الجديدة لأولاده الثالثة "لا أحد يحب أن يلبس بعد غيره، ولكن الفاقة والحاجة أقوى مني".

الحراك مستمر

وحده "حراك صيدا" مستمر في نشاطاته الاحتجاجية، في سباق محموم مع الزمن، بين الوصول الى "حافة الانهيار" وحتى "المجاعة"، وبين وقف الهدر والفساد واستعادة الاموال المنهوبة، حيث لا يخفي الناشطون ان بعض الازمات المعيشية مفتعلة من اجل حرف الانظار عن الاهداف الحقيقية، وقد استعادت "ساحة الثورة" عند "تقاطع ايليا" بعض من زخمها المسائي، مع نشاطات متفرقة نهارا تركز بين الحين والاخر على الاعتصام امام فرع مصرف لبنان، او امام مؤسسة كهرباء لبنان الجنوبي احتجاجا على التقنين القاسي بالتغذية في التيار الكهربائي الذي تشهده معظم أحياء المدينة والجوار، وقد وصل الغضب بهم الى حد اقفال ابواب المؤسسة بالسلاسل المعدنية "الجنازير" والاقفال ووضع كمية من "حجارة الاسمنت" في تعبير صارخ انه طفح الكيل.. وكفى، وسط تأكيد انه "لا تراجع عن استمراره حتى تحقيق المطالب العادلة".

MISS 3