مايز عبيد

في العريضة العكّارية: عائلات تعيش بـ 5 آلاف ليرة وأخرى لا تجدها

14 كانون الثاني 2020

02 : 00

صدّق أو لا تصدّق أنّ ثمة عائلات تزيد عن الخمسة أطفال والأم والأب، وتعيش على خمسة آلاف ليرة لبنانية في اليوم وأحيانًا حتى الخمسة آلاف ليرة قد لا تتأمّن؟!.

في قرية العريضة العكّارية - قرية شمالية على الحدود اللبنانية السورية - مآسٍ كبيرة ولائحة "عريضة" من المطالب والحقوق، لأناسٍ لبنانيين بالهويّة والإنتماء ولكنهم بلا إنماء. الفقر هنا في العريضة "أحمر بالخط العريض". فعندما تريد أن تتحدث عن هذه القرية وأهلها تَحارُ من أين تبدأ. فإذا بدأت من الطريق وقلت هنا الكارثة الكبرى، ما تلبث أن تصادفك عشرات المنازل هي عبارة عن شيء ما يشبه المنازل، ولها أبواب عتيقة ولكن: هل هذه هي أشكال المنازل الصالحة لسكن البشر ومواصفاتها في القرن الواحد والعشرين؟. وما يعصر القلب ألماً أن ثمة أطفالاً تعيش في هذه المنازل، حيث سقوفها تمطر ماءً على رؤوسهم، وجدرانها تتآكل كأنّ البرد يفتتها إلى حصى، أما أرضها فتهتز تحت أقدام ساكنيها.

في الشارع مجموعة من الأطفال لم يمنعهم فقرهم من اللعب ببراءة، يغنون معاً: ثورة ثورة... كلن يعني كلن ما بدنا واحد منن.. الشعب يريد إسقاط النظام"... حين اقتربت الكاميرا منهم خافوا وهربوا وأوقفوا أهازيجهم الثورية... ندخل من منزلٍ إلى آخر والوضع لا يتغيّر. ربما يتغيّر نحو الأسوأ ولكن ليس إلى الأفضل. ولدى دخولنا إلى منزل المواطن وليد أحمد علي رافقنا عدد من الأطفال وفرحة الطفولة على وجوههم بادية رغم كل شيء. تشرح الزوجة زينة العشي بحسرة وألم "عندي 8 أولاد أخرجتهم من المدرسة لأنني غير قادرة على دفع رسومهم. ماذا عساي أقول وأنا عند كل صوت رعد، أخاف أن يهبط علينا البيت بكل ما فيه. أرض بيتنا تهتز وسقفه يهتز أيضاً. وما يزيد الطينة بلّة أنه مع اشتداد العواصف يطوف النهر الكبير فتدخل المياه المنازل ونصير نسبح في بيتنا... أحتضن أولادي وأبكي وأقول يا رب تقطع هالسنة عخير". هنا يستطرد الزوج الوالد وليد أحمد العلي ويقول: "وضعي المعيشي سيئ للغاية. أنتظر لأرمي الشبكة في البحر علّها تعود بسمك، وإذ بها تعود ممزقة من كثرة الأوساخ على الشاطئ فيستغرق إصلاحها أياماً نبقى خلالها بدون عمل. أحياناً نصطاد بالصنارة ثم نبيعها لأي كان بين هنا أو العبدة لنحصل على 5000 آلاف ليرة، نشتري بها شيئاً نأكله وأفضّل أن أفعل ذلك على أن أقصّ شعري مثلًا، لأن تأمين الأكل للأولاد أولوية... كل شيء أصبح صعباً، الحياة كلها باتت صعبة". فاطمة خضر الحاج التقيناها في منزل آخر من منازل القرية وأشارت إلى أنّ "الكثير من منازل القرية آيلة للسقوط، ولا ندري إذا قطع هذا النهار على خير فهل يمر اليوم المقبل على خير أيضاً؟". جارتها في البيت المقابل تأخذ أطراف الحديث وتتحدث باستنكار: "لو في دولة بتعملنا بور منشتغل في ومنعيش منو ما بيتركونا للشتي والهوا يمرجحو فينا". وهكذا دواليك وأنت تتحرك من بيت إلى آخر أو بالأحرى من شبه بيت إلى آخر بحثاً عن أوضاع الناس في هذه القرية المنكوبة، التي لم تنل من مشاريع الدولة إلا مدرسة رسمية فقط لا غير، ووضع بنائها يرثى له، تقع عيناك على كل أشكال الفقر والتهميش، أما البطالة المستشرية بين شباب القرية ورجالها فحدّث ولا حرج، خصوصاً أن صيد البحر وهي المهنة الوحيدة لمعظمهم لم تعد تفي بالغرض، في الوقت الذي يعاني مرفأهم الأمرّين وهو بدون تعزيل واستصلاح والوضع إلى تدهور.

الأهالي هنا يؤكدون أنه خلال طوفان النهر الكبير السنة الماضية جاء الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة محمد خير وتمّ تسجيل الأضرار بالمنازل ومراكب الصيد ولم نحصل على أي تعويض يُذكر.

وختام الجولة "العريضة" في قرية العريضة، كان عند رئيس تعاونية الصيادين في القرية محمد عبلة، الذي أكّد لـ"نداء الوطن" أنّ "العريضة قرية منكوبة بكل معنى الكلمة، ولا مدخول لأهلها إلا من البحر وتعلمون الوضع الصعب حيث نعمل شهراً ونتوقف عن العمل باقي أيام السنة... طوفان النهر الكبير كل سنة يزيد القرية نكبة والتعويضات تسجّل ولا تصل إلى أصحابها". وتابع: "في قريتنا الشخص المرتاح مدخوله 5000 آلاف ليرة في اليوم. فماذا نعمل بها حيث لا زراعة، ولا دولة، ولا مؤسسات، ولا بلدية، ونحن لدينا أكثر من ألف ناخب، والنفايات أكلتنا وهناك انتشار للبعوض والأوبئة ولا نرى من الدولة والمسؤولين أدنى اهتمام وكأننا لسنا ببشر".


MISS 3