رفيق خوري

في انتظار صفقة مع "المهزوم"

30 تشرين الثاني 2022

02 : 00

البطريرك الماروني بشارة الراعي يتساءل إن كان الهدف من تعطيل الإنتخاب الرئاسي هو «محو الدور الفاعل المسيحي والماروني خاصة». لكن التعطيل لعبة تكتيكية لا خطة إستراتيجية. وما يسمح به هو انتقال «الدور الفاعل» من الموارنة الى الشيعة. فالصراعات بين القيادات المارونية التي يفتقر معظمها الى الرؤية الإستراتيجية، ولا ينقصها الدهاء في رعاية حساباتها الضيقة، كفيلة، من دون حاجة الى التعطيل، بإضعاف الدور المسيحي. ولن يتغير المشهد، حين يتم انتخاب رئيس يسميه «حزب الله».

ذلك أن المرشد الأعلى علي خامنئي أعاد تذكير اللبنانيين وسواهم بموقع لبنان في «العمق الإستراتيجي للجمهورية الإسلامية». وهذا يقود بالطبع الى البعد الإقليمي والدولي لمعركة الرئاسة اللبنانية. فما يتصوره خامنئي هو أن سياسة طهران «في كل من العراق وسوريا ولبنان أدت الى هزيمة أميركا في هذه البلدان». وما يواجهه داخل إيران هو «ثورة» النساء وطلبة الجامعات والأقليات المهمشة والفنانين والكتاب والرياضيين وجيل القرن الحادي والعشرين ضد سلطة القرن السابع. ثورة عجز الجيش والحرس الثوري والباسيج عن وقفها بكل أنواع العنف والقمع والإدعاء أنها «مؤامرة أميركية-إسرائيلية-سعودية»، كأن أكثر من نصف الشعب الإيراني أدوات في يد «الأعداء».

ومن هنا إصرار «حزب الله» على المجيء برئيس تثق به وتطمئن إليه «المقاومة الإسلامية»، التي تكمل «هزيمة أميركا» وتقطع الطريق على أي مرشح تدعمه واشنطن والرياض. وهذا دليل قلق، بصرف النظر عن «فائض القوة». كذلك الأمر بالنسبة الى القمع الشديد في إيران والتشدد في معركة الرئاسة اللبنانية. فالقوي لا يلجأ الى تعطيل الإنتخاب بل يفعل ما كانت تفعله الوصاية السورية: الإنتخاب بإشارة وفي المهلة الدستورية. والقوة التي لا يمكن إستخدامها في الداخل، ولا حدود لمخاطر استعمالها، تعجز عن رد التحدي إذا قيل لأصحابها: خذوا السلطة كلها واحكموا لبنان بشكل مباشر.

ومن المفارقات، فوق ذلك، أن الرئيس الذي يراد له أن يكون عاملاً في المعركة ضد أميركا وحماية انضمام لبنان الى «محور الممانعة»، ولو الى عزلة عربية، ينتظر أن تقبله واشنطن وباريس والرياض ضمن صفقة مع طهران. ومرحبا رئاسة «صنع لبنان». ومرحبا ممانعة من أجل صفقة. فكيف إذا صار معيار الوطنية في لبنان هو الإرتباط بإيران؟ وكيف إذا كانت الأولوية للصفقة الإقليمية، مهما أخذت من الوقت، على معاناة اللبنانيين في «جهنم»؟

تقرير البنك الدولي الذي كشف أن خطة المسؤولين هي «إعادة توزيع الثروة، لكن من الأسر الفقيرة الى الأسر الأغنى»، دعا الى «الإنصاف» وبدا أكثر رحمة بنا من المسؤولين بلا مسؤولية. فالبلد الذي كان تحت رحمة  تجار الحرب صار تحت رحمة تجار الأزمة، وهم في الغالب أنفسهم. والأزمة التي تعمم الفقر هي مصدر ثراء للمافيا الحاكمة والمتحكمة بنا.

كان رئيس الوزراء البريطاني الراحل هارولد ويلسون يقول: «أسبوع، زمن طويل في السياسة». أما على المسرح اللبناني، فإن سنوات من التعطيل وسيلة في العمل السياسي.