النظام المالي ـ الاقتصادي... أزمة وحلول

02 : 00

في ظل عجز الدولة عن معالجة الأزمة الاقتصادية، أطلقت مجموعة "لبنان الجديد" رؤيتها الاقتصادية لأزمة النظام المالي – الاقتصادي التي يعيشها لبنان، والحلول المقترحة على المدى القصير للخروج منها.

نظام ما بعد الحرب:

قام النظام المالي والاقتصادي في لبنان بعد الحرب على مبدأ استجلاب الدولارات من الخارج لتغطية نفقات الدولة: من استهلاك مبني على الاستيراد وتنفيعات زبائنية توزع على المستزلمين من خلال الصفقات والتوظيفات العشوائية.

في هذا النظام مصادر الدولار ثلاثة:

• قام لبنان بتربية أجيال بكاملها بهدف تصديرها كي يتمكن النظام المالي والاقتصادي من الافادة من تحويلاتهم الدولارية. وللمساعدة في تحقيق هذا الهدف تم الاستغناء التدريجي وشبه الكامل عن القطاعات المنتجة من زراعة وصناعة.

• أضف الى ذلك فتح الباب والتشجيع على الاستثمارات والمضاربات العقارية.

• كما وتحويل لبنان الى مصيف للرعايا الخليجيين.

ترافقت هذه السياسات مع رفع الفوائد وتثبيت سعر صرف الليرة العام 1997، ما ساعد على تكبير حجم الودائع في المصارف اللبنانية بشكل مفرط. فكانت المصارف اللبنانية تستثمر تلك الودائع في سندات الخزينة اللبنانية وبذلك تقوم الدولة بتغطية عجزها السنوي من أموال الايداعات.

نقطة التحول:

بعد بداية الحرب في سوريا العام 2011 والانخفاض الحاد في أسعار النفط ابتداء من العام 2014 بدأ ميزان المدفوعات يسجل عجزاً سنوياً متزايداً بسبب الانخفاض في التحويلات الدولارية الى لبنان. فما كان على النظام المالي والاقتصادي القائم إلا أن يرفع الفوائد ويقوم بهندسات مالية متعددة لاستجلاب المزيد من العملة الصعبة لتغطية العجز المستجد. وطبعاً لهذه الحلول الموضعية حدود ما لبسنا أن وصلنا اليها.

فبغياب الدولارات الجديدة لسد العجز في ميزان المدفوعات بدأ مصرف لبنان بتجميع الدولارات المتبقية في السوق، لسد مصاريف الدولة القصيرة الأمد، ما أدى حتماً الى خلق سوق سوداء للدولار وارتفاع سعر صرفه في منتصف العام 2019. كل هذا التراكم بالاضافة الى زيادة الضرائب في السنوات الاخيرة بشكل متوازٍ على كل فئات المجتمع، أدى في نهاية المطاف الى ثورة 17 تشرين.

نتائج انهيار النظام القائم:

إن العجز السنوي المتكرر في موازنة الدولة تسبب في زيادة الدين العام بشكل تراكمي منذ سنوات طويلة، وقد أدّى عدم قدرة الدولة على الحدّ من هذا التزايد الى قيام وكالات التصنيف الائتماني الدولية، بتخفيض تصنيف الديون السيادية للبنان بشكل متسارع في السنوات الاخيرة من B- إلىCCC، ويعني التصنيف المتدني أن تسديد الديون بات صعباً وأصبح هناك إمكانية تخلف عن التسديد.

تتألف أهم مدفوعات الموازنة العمومية من:

1. سد عجز مؤسسة كهرباء لبنان (EdL)، بقيمة تقارب 2 مليار دولار أميركي سنوياً. وصل عجز المؤسسة في السنوات الـ 23 الماضية إلى أكثر من 35 مليار دولار.

2. خدمة الدين العام اللبناني الذي يبلغ حجمه 86 مليار دولار، حيث إن خدمة الدين مرتفعة وتستهلك أكثر من 30% من مدفوعات الدولة سنوياً.

3. رواتب وأجور موظفي الادارة التي تعاني من فائض في عدد الموظفين ومن فقدان مزمن للانتاجية.

الدين العام بالأرقام:

• إرتفعت قيمة الدين العام ليصل إلى أكثر من 86 مليار دولار في آخر أرقام 2019، بعد أن كان يقتصر على نحو 40 مليار دولار في مطلع العام 2007.

• بلغت نسبة حجم الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان أكثر من 152%، بعد أن كانت 131% في العام 2012، و47% في العام 1992.

• أدت خدمة الدين العام المتزايد سنوياً إلى عجز أكبر في ميزانية الدولة، حيث بلغ العجز نحو 11% من الناتج المحلي الإجمالي منذ العام 2000.

• لبنان يحتلّ المرتبة الثالثة عالمياً من حيث نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، بحسب صندوق النقد الدولي.

ووعدت "دول مانحة" لبنان خلال مؤتمر "سيدر" بإقراضه مليارات الدولارات. هذه القروض الموعودة قد تساهم في تسديد الدين في المدى القصير، لكنها هي فقط لكسب الوقت حيث إنها دين زائد يجب تسديده في نهاية المطاف. وهذه المبادرة تغذي حلقة الاستدانة الدائمة وتراكم الديون من دون سداد بدلاً من كسر هذه الحلقة.

تراجع في الاحتياطي

تسبب انخفاض احتياطي البنك المركزي بالدولار في نقص الدولار في السوق، ما يجعل من الصعب للغاية على التجار استيراد السلع الأساسية مثل الوقود والأدوية والقمح وغيرها، والدفع لمورديها الدوليين بالدولار. وقد فرض هذا ضغوطاً تضخمية على جميع السلع. من أجل محاربة التضخم، قرر البنك المركزي تثبيت الدولار على السلع الثلاث المذكورة أعلاه بالسعر الرسمي البالغ 1515 ليرة لبنانية. لذلك يستهلك البنك المركزي احتياطياته بالدولار للحفاظ على سعر الصرف الرسمي للدولار الأميركي/الليرة اللبنانية، وبالتالي يزداد تراجع الاحتياطي.

الاحتياطي بالأرقام: بلغ الاحتياطي النقدي القابل للاستخدام 19 مليار دولار في العام الحالي، مقابل 25.5 مليار دولار في العام 2018.

24 ألف حساب مصرفي يملكون 85 مليار دولار

حمل المنتفضون في هذا الحراك الشعبي شعار: "يسقط حكم المصرف". يعبر هذا الشعار عن وعي عام بأننا أمام طبقة اجتماعية قليلة العدد تتحكم بكل مصادر الثروة والدخل، تسمى بالاوليغارشية التي تعني مجموعة من الناس يتمتعون بثروة مسندة إلى سلطة ونسب يتوارثونها ويتحكمون بمصادر عيشنا.

بلغت ودائع المصارف اللبنانية حالياً 170 مليار دولار أميركي أي أكثر من 3 مرات حجم الاقتصاد اللبناني. يتواجد في لبنان 3 ملايين حساب في المصارف من بينها 24 ألف حساب فيها ودائع تتجاوز المليون دولار، أي أقل من 1 في المئة من ودائع المصارف، وفيها 85 مليار دولار وهذا مؤشر عن الشريحة التي تمتلك هذه الثروة. ولدينا أدلة عمن يملكونها وهم أنفسهم من يملكون الثروة العقارية وقيمتها أكبر من الثروة المالية. إن أصحاب الـ24 ألف حساب هم من يمتلكون الثروة العقارية والسلطة ويسيطرون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على السلطات القائمة فيها.

الاوليغارشية التجارية

يسمّى النموذج الحالي في لبنان، بحسب المنظّر الاجتماعي البريطاني ديفيد هارفي، "مراكمة رأس المال بانتزاع الملكية"، بديلاً عن "مراكمة رأس المال بالتربّح من توسّع العمل المأجور"، وهو نموذج يرتكز على صنع الربح من خلال تفعيل الصناعة والزراعة المحلية وتنمية فرص العمل في البلد. أما الواقع فهو انتزاع الطبقة الأوليغارشية قطاع المالية، من خلال امتلاكها المصارف الخاصة، لقسم كبير من الطبقة الوسطى المغرقة في الديون، وانتزاع وتسخير جزء واسع من المؤسسات والمرافق العامة لحسابها. فتحاول الاوليغارشية الاحتكارية التجارية أن تعوض نقص الانتاج المحلي باستيراد سلع أرخص، وهذا يزيد العجز التجاري، أي نستورد أكثر مما نصدر. اليوم فإننا نصدر بـ3 مليارات دولار ونستورد بـ20 ملياراً ويبلغ عجزنا التجاري 17 مليار دولار أميركي. بعد ضرب القاعدة الانتاجية وزيادة العجز التجاري وتراكم الدين العام واستمرار الدولة بالاستدانة، يذهب جزء من إنفاق الدولة إلى تسديد القروض وفوائدها للبنوك الخاصة التي تملكها الاوليغارشية المالية. ونحن ندفع 6 مليارات دولار سنوياً لخزينة الدولة من أجل الانفاق على حقوق واحتياجات المواطنين (والمواطنات) اللبنانيين (واللبنانيات)، في حين تأخذ الاوليغارشية المالية نصف الضرائب التي ندفعها ويذهب النصف الثاني إلى المجتمع ومن بينه أيضاً منتفعون.

الحلول العاجلة والمهمة - الخطط والسياسات المالية والنقدية

خطوات عاجلة للمباشرة بها فوراً:

• على الصعيد النقدي والمالي:

1) جردة لموجودات مصرف لبنان.

2) إنشاء لجنة طوارئ مالية، من إختصاصيين جديرين، وبصلاحيات إستثنائية.

3) تقييم حجم الاحتياطي لدى مصرف لبنان بالعملات الاجنبية والذهب وتحديد حجم السيولة المتوافر.

4) وضع سقف على التحويلات الى الخارج وتحديد سقف لسحب الأموال من البنوك.

5 ) منع التحويلات من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي إلا لغايات معيشية، تتعلق باستيراد مواد أولية كالوقود والقمح والأدوية ومادة الخام للإنتاج والتصنيع والأعلاف الحيوانية.

6) تشريع برلماني لقانون تطبيق ضوابط تمنع تهريب رؤوس الأموال إلى الخارج، تأخذ في الإعتبار طبيعة الحسابات ووجهة الإستعمال بما تراعي العائلات وصغار المودعين على ألا تطاول الرواتب، وتكون خاضعة لإطار زمني قابل للتجديد.

7) إزالة السرية المصرفية على كل الحسابات المالية والاستثمارية.

8) إن تطبيق هذه الإجراءات يتطلب شفافية مطلقة في موازنات مصرف لبنان. وأن تقوم السلطات فعلياً بدورها الرقابي تجاه المصارف، ومن ضمنها الإشراف على إعادة هيكلة القطاع التي تفرضها هذه الإجراءات.

9) وضع شبكة حماية اجتماعية للفقراء والفقراء الجدد.

خطوات مهمة للمباشرة بها على المدى القصير

• نقدياً ومالياً:

1 - تحميل كبار المودعين كلفة الإنقاذ عبر فرض ضريبة إستثنائية تصاعدية لمرة واحدة على الودائع الكبيرة (أقله عدم المساس بالودائع ما دون مليون $).

2 - تحديد أسعار الفائدة على الودائع بالعملة الأجنبية بسعر ليبور + (50-100 نقطة أساس).

3 - تحديد أسعار الفائدة على الودائع بالعملة المحلية بحد أقصى 150 نقطة أساس فوق سعر الفائدة بالدولار الأميركي.

4 - تخفيض الفوائد على القروض بالتوازي مع تخفيضها على الودائع، الاعفاء من غرامات التـأخير ومنح فترة سماح لمدة ستة أشهر على الأقل.

5 - تخفيض العوائد على سندات اليورو بوند التي ستصدر.

6 - تجنب تراكم الدفعات المستحقة بالرغم من تخفيض العوائد على سندات اليورو بوند الجديدة وتمديد فترة استحقاقها والتفاوض على الغاء جزء منها.

7 - تخفيض معدلات الفوائد على سندات الخزينة والتفاوض على الغاء الديون بالليرة اللبنانية.

8 - تحميل المصارف بالدرجة الاولى من خلال رؤوس أموالها والاحتياطات والمودعين الكبار بالدرجة الثانية (بشكل تصاعدي) كلفة الغاء الديون.

9 - وقف توزيع أرباح البنوك، وذلك حتى اشعار آخر، وزيادة رأس المال بنسبة لا تقل عن 35%.

• إقتصادياً:

1 - تعديل اتفاقيات التبادل التجاري والاسواق المفتوحة بما يتناسب مع مصلحة الانتاج اللبناني.

2 - لبننة الإقتصاد عبر اعتماد الليرة اللبنانية في كافة العقود والتعاملات وتحويل القروض بالعملة الصعبة إلى الليرة اللبنانية، والإلتزام بالتسعير والدفع بالليرة لدى جميع المؤسسات.

3 - منع موقت لاستقدام الأجانب بهدف الدعم الفوري لليد العاملة اللبنانية والحد من خروج الدولار من لبنان.

4 - الغاء صناديق الهدر (مجلس الانماء والاعمار، مجلس الجنوب...).

5 - وقف دفع أجور وفوائد للنواب والوزراء السابقين.

6 - فرض ضريبة موحدة تصاعدية على الدخل الفردي وعلى أرباح الشركات، واعادة هيكلة الـ TVA بتخفيض الرسم على السلع الاساسية وزيادتها على الكماليات.

7 - وضع نظام للتغطية الصحية الشاملة.

8 - وضع خطة لاستيراد المواد الأساسية كالوقود والأدوية والقمح من قِبل الدولة مباشرة بهدف كسر الاحتكارات والمضاربات وتخفيف الكلفة.

9 - السماح باستيراد وتصنيع الادوية الـ GENERIC.

10 - التوقف عن استيراد السيارات وقطع غيار السيارات والمجوهرات والمنتجات التي تحمل علامات تجارية ولمدة سنة قابلة للتمديد حفاظاً على العملة الأجنبية في السوق اللبناني.


MISS 3