د. ميشال الشماعي

إيران إلى المواجهة السياسيّة في لبنان

17 كانون الثاني 2020

02 : 00

بعد تسعين يوماً على ثورة تشرين ما زال فريق السلطة يصرّ على أخذ الأمور الانتقاميّة على صعيد المنطقة بصدره الرّحب. وها هو يبحث مع أوليائه في طهران في كيفيّة الردّ السياسي على مقتل سليماني بعدما أثبت الردّ العسكري الهشّ الذي أقدمت عليه طهران فشله. هل ستنتقل المعركة الأميركيّة - الايرانيّة من نطاقها العسكري إلى الكباش السياسي؟

يعي اللّبنانيّون جيّداً أنّ الارتباط الاستراتيجي والعقائدي بين "حزب الله" وطهران لا يمكن فكّه إلا بدخول منظومة الدّولة إلى فكر الحزب وليس فقط إلى بيئته. هذه البيئة التي لم تعد تستهويها الأفكار العقائدية- الدينيّة التي نشأ الحزب عليها أكثر من ثلاثة أجيال. ومردّ ذلك أنّ الجوع لا يميّز بين إنسان وآخر، فبنهاية المطاف الجوع بات يضرب اللّبنانيّين جميعهم بسوطه من دون أيّ استثناء.

من هذا المنطلق، تبقى للحزب السّطوة السياسيّة التي كوّنها بدخوله الحكم عبر منظومة تحالفات سياسيّة أوصلته إلى القمّة، من دون أن تضعه في الواجهة السياسيّة. لذلك سيستثمر أولياؤه هذا الرّصيد حتّى النّهاية. لا سيّما وأنّ القانون الانتخابي الأخير نجح بنقل الأكثريّة النيابيّة من فريق 14 آذار ليضعها بالكامل في أحضان فريق الممانعة بقيادة الحزب نفسه. إضافة إلى رئاسة الجمهوريّة وسيطرته على الثلث المعطّل في مجلس الوزراء، ناهيك عن مراكز الفئة الأولى التي ثبّت براثنه فيها عبر حلفائه.

لذلك كلّه، سيدخل لبنان في أتون المواجهة حتماً. ولن تكون عسكريّة لأن لا قدرة للحزب على إيلام أعداء إيران وأعدائه؛ سيكون أيّ ردّ عسكري على قاعدة الردّ الأخير بعد مسيّرات الضاحية. من هنا، لا يبدو بأنّ ساحة لبنان العسكريّة ستستخدم، بل ستكون ساحته السياسيّة المجال الذي ستستطيع إيران و"حزب الله" ترك بصمات مؤلمة في هيكل الليبراليّين، وأوّلهم الولايات المتّحدة.

إن دلّ على شيء، فهذا يدلّ على أنّ المواجهة السياسيّة ستستفحل أكثر من خلال حكومة مواجهة سيشكّلها الحزب عبر الرّئيس حسان دياب. وهذه الحكومة ستأخذ لبنان بالكامل إلى ساحة مواجهة سياسيّة. وفي قراءة بسيطة لمواقف الغرب من القضيّة اللّبنانيّة لا يبدو بأنّ الأميركيّين والأوروبيّين سيتركون لبنان في مهبّ الرّيح؛ بغضّ النّظر عن سيطرة الحزب السياسيّة.

من هنا، ستشهد الساحة اللبنانية المزيد من شدّ الحبال. وقد تكون عقوبات جديدة على أفرقاء لبنانيّين من فريق الممانعة إحدى هذه الضّغوط. فضلاً عن أنّ الغرب والليبراليّين اللّبنانيّين يعوّلون على حركة ثورة تشرين التي لن تقبل بعد اليوم أن تتحكّم بمصير لبنان أي قوى غير لبنانيّة. ولقد أثبت الشارع قدرته على المواجهة بالطّرق السلميّة، حيث استطاع الثوّار أن يسحبوا الوكالة ممّن أوكلوهم إيّاها، ليستعيدوا هم حقّهم بالمحاسبة، وإن كانت تلك المحاسبة في الشارع.

لذلك كلّه ستشهد الساحة السياسيّة في لبنان المزيد من التشنّجات بين طرفي النّزاع الأساسيّين أي: الثورة وقوى الممانعة. وهذا لا يعني أنّ فريق الليبراليّين الأحرار الذين كانوا عماد فريق 14 آذار لن يكون لهم أيّ دور. سيلعب هذا الفريق دوراً أساسيّاً من خلال علاقاته الدّوليّة، وعبر تثبيت نفسه أكثر في صلب السلطة اللبنانيّة والمؤسّسات التي إن استطاع الحفاظ عليها تبقى الدّولة.

أمّا إذا فشل هذا الفريق بلعب الدّور المرجوّ، وخبت شارع الثّورة تحت سندان الممارسات العنفيّة التي يتعرّض إليها في الشارع، فهل سيستسلم الغرب لإخضاع لبنان بالكامل لإيران و"حزب الله"؟ وهل سيستسلم الليبراليّون، في السلطة وفي الشارع، لمن استطاع اغتصاب الحقّ طيلة عقود أربعة؟