راجيف أغاروال

العالم يخذل أفغانستان مجدداً

14 كانون الأول 2022

المصدر: The Diplomat

02 : 00

تتصدر أفغانستان عناوين الأخبار للأسباب الخاطئة منذ استيلاء حركة "طالبان" على كابول، في 15 آب 2021. شكّلت "طالبان" حكومة لم يعترف بها المجتمع الدولي بعد، وتستمر الاعتداءات ضد الناس والمدارس والمؤسسات بلا رادع، وتتلاشى أي آمال بإرساء السلام والتقدّم في أي وقت قريب.



قُتِل 15 شخصاً على الأقل في انفجار قنبلة داخل مدرسة دينية في "أيبك"، عاصمة ولاية سمنكان، في 30 تشرين الثاني. وقتل تفجير انتحاري 30 شخصاً على الأقل، معظمهم طالبات شابات، في 28 أيلول. وفي شهر نيسان من هذه السنة، قُتِل ستة أشخاص في تفجير مدرسة ثانوية في حي "دشت البرشي" في كابول.

تزعم "طالبان" أن هذه الاعتداءات، لا سيما تلك التي تستهدف المدارس، هي من تخطيط "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان" التي تخوض معركة إيديولوجية مع "طالبان" لإقامة دولة الخلافة في المنطقة. لكنّ الشعب الأفغاني هو الذي يعاني ويموت في خضم هذه المعركة بين جماعتَين ذات فكر إرهابي.

يتعلق السبب الأصلي وراء الفوضى الراهنة في أفغانستان بالانسحاب الأميركي السريع والمتهور من كابول، في شهر آب من السنة الماضية. لا تزال الاضطرابات الناجمة عن ذلك الانسحاب حية في ذاكرة الشعب الأفغاني على الأقل، إذ يشعر سكان البلد بأنهم أصبحوا متروكين وتعرضوا للخيانة من الولايات المتحدة والعالم. تؤكد مشاهد الأفغان اليائسين وهم يحاولون التعلّق بالطائرات عند إقلاعها على سوء تنفيذ الانسحاب.

باكستان

إقليمياً، لطالما كانت العلاقات بين حركة "طالبان" الأفغانية وباكستان معرّضة للاضطرابات. ينجم هذا الخلاف في الأساس عن دعم "طالبان" لحركة "طالبان باكستان"، ورفض "خط ديورند" كحدود فاصلة بين البلدين، والاستياء من رفض باكستان إنشاء طريق بري لنقل المساعدات من الهند. تعليقاً على العلاقات مع باكستان، قال ذبيح الله مجاهد، نائب وزير الإعلام في حكومة "طالبان"، خلال مقابلة في شباط 2022: "لا تزال مسألة خط ديورند عالقة، ويُسبب بناء السياج بحد ذاته تصدعات داخل الأمة على طرفَي الحدود".

في ما يخص العلاقة بين "طالبان" وحركة "طالبان باكستان"، اجتمعت وزيرة الخارجية الباكستانية، حنا رباني خار، مع نائب وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي في كابول، في 29 تشرين الثاني، تزامناً مع تصاعد التوتر بين البلدين بسبب توسّع أعمال العنف على الحدود. أنهت حركة "طالبان باكستان" اتفاق وقف إطلاق النار القائم منذ أشهر مع باكستان في 28 تشرين الثاني، فتجددت المخاوف الأمنية على الحدود الهشة والقابلة للاختراق بين أفغانستان وباكستان. فشلت خار في انتزاع أي تطمينات ملموسة، ثم تلاشت أي آمال متبقية لدى باكستان حول قدرة حكومة "طالبان" على حماية أصولها في أفغانستان، بعد محاولة اغتيال مزعومة لمبعوث باكستاني في كابول، في 2 كانون الأول، من تخطيط تنظيم "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان".

الهند

تابعت الهند من جهتها تواصلها الإيجابي مع أفغانستان، لا سيما الشعب الأفغاني، فقدمت لقاحات "كوفيد-19" إلى السكان المحليين، فضلاً عن 50 ألف طن من القمح للأفغان الجائعين. كما أنها مدّدت إقامة الطلاب الأفغان في الهند ومنحتهم مساعدات مالية وطبية.

أبقت نيودلهي قنوات التواصل مفتوحة، رغم انسحابها من البلد وإغلاق سفارتها في كابول، في آب 2021. سافر وفد من الهند إلى كابول وعقد أول اجتماع له مع قيادة "طالبان" في 2 حزيران. وكدليل على تجدّد الثقة بين الطرفَين وانتزاع تطمينات من حكومة "طالبان"، استأنفت السفارة الهندية بعض المهام الأساسية عبر عدد محدود من الموظفين في كابول.

عبّرت الهند عن قلقها من الوضع الإنساني هناك في جميع المنتديات العالمية الكبرى، وانضمّت إلى "مشاورات موسكو حول أفغانستان"، في 16 تشرين الثاني، في العاصمة الروسية. يُعتبر هذا المنتدى واحداً من منصات حوار متعددة لمناقشة الملف الأفغاني، وهو يتألف من روسيا، الصين، الهند، إيران، باكستان، كازاخستان، قيرغستان، طاجيكستان، تركمانستان وأوزبكستان. ركّز النقاش على الجهود التي تتابع الأطراف المعنية بذلها لتقديم المساعدات، وعقد محادثات أفغانية داخلية، وتشكيل حكومة تمثيلية شاملة، وإطلاق جهود لكبح تهديدات الإرهاب وترسيخ الأمن الإقليمي. كذلك، استضافت الهند اللقاء الافتتاحي بين جمهوريات آسيا الوسطى في 6 كانون الأول، في نيودلهي، وكان الوضع الأمني في أفغانستان محور التركيز مجدداً.

الصين والولايات المتحدة

عبّرت الصين عن دعمها القوي لحكومة "طالبان"، لكنها لم تعترف بها بعد. مع ذلك، تُعتبر الصين من الدول القليلة التي تركت سفارتها مفتوحة هناك بعد آب 2021، كما أنها قدّمت مساعدات طارئة بقيمة 31 مليون دولار إلى أفغانستان في أيلول 2021. في غضون ذلك، أخذت الصين حقوق تنفيذ مشاريع كبرى في أفغانستان، لكنها لم تُطوّر أياً منها بعد.

في المقابل، لم تجد الولايات المتحدة أرضية مشتركة مع حكومة "طالبان" حتى الآن، ولم يتم تنفيذ جميع بنود اتفاق الدوحة المبرم في شباط 2020 بعد. كذلك، فشلت واشنطن في تقديم المساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها الشعب الأفغاني. من أصل 7 مليارات دولار من الأموال الأفغانية التي جمّدتها الولايات المتحدة، التزم الرئيس جو بايدن بفك تجميد 3.5 مليارات فقط لتقديم مساعدات إنسانية، على أن يُحفَظ النصف الآخر من الاحتياطيات لعائلات ضحايا هجوم 11 أيلول. أطلقت هذه الخطوة احتجاجات واسعة من "طالبان" والشعب الأفغاني.

عقدت الولايات المتحدة و"طالبان" عدداً من المحادثات منذ الانسحاب الأميركي، وحصل الاجتماع الأول في الدوحة، في تشرين الأول 2021، بقيادة نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، ديفيد كوهين، ووزير الخارجية في حكومة "طالبان"، أمير خان متقي. في شهر تموز من تلك السنة، اجتمع الطرفان مجدداً في دوشانبي لمناقشة طريقة استعمال الاحتياطيات المجمدة في البنك المركزي. لكن حصلت محادثات أخرى على مستويات مختلفة أيضاً، ولا تزال المراوحة مستمرة.

في غضون ذلك، تحاول واشنطن تنسيق مقاربتها مع الهند. زار الممثل الأميركي الخاص في أفغانستان، توماس ويست، الهند في 5 كانون الأول، في إطار جولته في آسيا، للتشاور حول المخاوف الأمنية المشتركة واستمرار الأزمة الإنسانية التي تؤثر على الشعب الأفغاني. إنها زيارته الثالثة إلى الهند منذ السنة الماضية.

معضلة "طالبان"

لا تزال "طالبان" تتباهى بنجاحها في إخراج الولايات المتحدة من أفغانستان، لكنها تجد صعوبة في طرح نموذج حُكْم مقبول عالمياً. تسير مجموعات متنوعة داخل الحركة ومعسكرات محلية أخرى في اتجاهات معاكسة. كذلك، عجزت "طالبان" عن إعادة إحياء الاقتصاد الأفغاني وتحسين حياة الناس.

وفق مصادر البنك الدولي، أدت الأزمة السياسية التي بدأت في آب 2021 إلى انكماش اقتصادي كبير في أفغانستان، وتفاقم انعدام الأمن الغذائي، وتوسّع مظاهر الحرمان. انكمش الاقتصاد بنسبة 20.7% في العام 2021، وخسر البنك المركزي الأفغاني قدرته على إدارة أنظمة الدفع وتطبيق السياسة النقدية في ظل استمرار تجميد أصوله في الخارج. هو يعجز أيضاً عن طباعة أوراق جديدة من العملة الأفغانية. قد يسمح الدعم الإنساني الذي يقدّمه المجتمع الدولي بتخفيف جزء من سلبيات الانكماش الاقتصادي، لكنه لن يكون كافياً لإطلاق مسار التعافي الاقتصادي.

تتعلق مسألة أخرى مثيرة للجدل بطريقة التعامل مع النساء. فور الاستيلاء على كابول، أعلنت "طالبان" إقفال المدارس الثانوية للفتيات، ومنعت النساء من تقديم البرامج التلفزيونية، وفرضت قيوداً صارمة على النساء في الحياة الاجتماعية. في 21 آذار 2022، تعهدت "طالبان" بإعادة فتح جميع المدارس في أفغانستان لإنهاء قرارٍ قائم منذ سبعة أشهر يقضي بمنع الفتيات من الذهاب إلى المدارس. لكن تراجعت الحركة عن هذا القرار بعد مرور يومين، وأعلنت أنها ستبقي مدارس الفتيات الثانوية مغلقة إلى أن تضع "طالبان" سياسات تتماشى مع "مبادئ الشريعة الإسلامية والثقافة الأفغانية"، بما في ذلك فرض قيود إضافية على ملابس الطالبات. باختصار، لا تزال عزلة النساء الأفغانيات مستمرة.


شتاء آخر وسط البرد واليأس



مرّ 16 شهراً منذ أن استولت "طالبان" على كابول وتعهدت بتشكيل حكومة شاملة تعمل لخدمة الناس. ينتظر الجميع تنفيذ هذه الوعود حتى الآن، لكن بلا جدوى. تتعرض حكومة "طالبان" للنقد والعزلة على الساحة الدولية، لكن يتحمّل الشعب الأفغاني العواقب دوماً.

مع بدء شتاء جديد، لا تتعلق أسوأ مشكلة بالبرد القارس بل بعجز المجتمع الدولي عن إيجاد حل مستدام. أصبح الشعب عالقاً بين نظام "طالبان" اللامبالي وغير المُعترف به ومخالب الشتاء القارس. لا تزال المأساة البشرية المؤلمة والمستمرة في أفغانستان مريعة لأقصى حد، وهي تتطلب حلولاً عالمية أكثر فاعلية.

تزامناً مع استلام الهند رئاسة مجموعة العشرين طوال سنة، يمكنها أن تطلق فصلاً جديداً من النوايا الحسنة التي تتقاسمها مع الشعب الأفغاني الصديق، إذا نجحت في حشد الدعم والإجماع في الملف الأفغاني بما يصبّ في مصلحة الشعب أولاً.