في الحلقة الخامسة والأخيرة من مونديال قطر، تقدّم "نداء الوطن" تحليلاً شاملاً عن البطولة، ولمحة عامة عن أداء المنتخب الأرجنتيني الفائز باللقب الأغلى وباقي المنتخبات وأبرز نجومها.
مونديال المفاجآت
مفاجآتٌ مدوية شهدها هذا المونديال، نذكر منها فوز "الأخضر" السعودي على "التانغو" الأرجنتيني بنتيجة 2-1 في الجولة الأولى من دور المجموعات، وفوز اليابان على كلّ من ألمانيا واسبانيا في دور المجموعات، وفوز المغرب على المنتخب البلجيكي في الدور الأول، وتغلُّب كلّ من تونس على فرنسا، والكاميرون على البرازيل، وكوريا الجنوبية على البرتغال في الجولة الثالثة من الدور الأوّل، إضافة الى خروج ألمانيا والأوروغواي وبلجيكا من الدور الأول للبطولة.
أمّا في الدور الثاني فحصلت ثلاث مفاجآت من العيار الثقيل، وهي إقصاء المغرب لإسبانيا بركلات الترجيح في ثمن النهائي، وإقصاء كرواتيا للبرازيل بركلات الترجيح في ربع النهائي، وانتصار المغرب على البرتغال بهدف نظيف في ربع النهائي.
مونديال التكنولوجيا
زاد الاعتماد على التكنولوجيا في هذه النسخة من المونديال، فبالإضافة الى تقنية "الفار" وتقنية خط المرمى، تمّ اللجوء الى تقنية التسلل شبه الآلية، ما جعل هذا المونديال الأكثر عدالة وتطوّراً.
مباريات أطول
كان من اللافت في هذا المونديال إضافة الحكام للكثير من الدقائق كوقت محتسبٍ بدلاً من الضائع، الأمر الذي كافح بشكل عمليّ إهدار الوقت من جانب المنتخبَين المتنافسَين.
الحصان الأسود
إستحقّ المنتخب المغربي لقب "الحصان الأسود" للبطولة بدون منازع، فقد فاجأ العالم أجمع بقوّته وانضباطه التكتيكي، وأصبح أوّل منتخب عربي وأفريقي يصل الى الدور نصف النهائي في تاريخ المونديال.
تراجع أوروبي
تعرّضت القارة الأوروبية لنكسات عديدة في هذا المونديال، فقد فشلت في المحافظة على اللقب الذي عاد الى أميركا اللاتينية للمرّة الأولى منذ سنة 2002، كما أنّ منتخباتها تلقّت هزائم غير متوقعة، والعديد منها خيّبت الآمال وخرجت من الباب الضيق كألمانيا وبلجيكا.
في المقابل، تقدّمت كلّ من قارّتي آسيا وأفريقيا، فالأولى كان لديها ثلاثة منتخبات في الدور الثاني (كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا)، والثانية تمثّلت بمنتخبَين في دور خروج المغلوب (السنغال والمغرب)، علماً أنّ المنتخب المغربي وصل الى دور الأربعة.
نكسة برازيلية جديدة وتأكيد كرواتي
على الرغم من امتلاكها رصيداً بشرياً مميزاً وتقديمها كرة قدم جميلة، خرجت البرازيل للمرّة الثانية على التوالي من الدور ربع النهائي، ما شكّل صدمة لعشاق "السيليساو" ولنيمار الذي قدّم بطولة جيّدة رغم الخروج من دور الثمانية.
أمّا كرواتيا فأكّدت في هذا المونديال أنّها لم تصل بالصدفة الى نهائي مونديال 2018، اذ تمكّنت من الظفر بالمركز الثالث بقيادة أسطورتها وقائدها لوكا مودريتش الذي حصل على الكرة البرونزية التي تمنح لثالث أفضل لاعب في البطولة.
مونديال ميسي
نجح ليونيل ميسي بتحقيق أكبر "ريمونتادا" في تاريخ الرياضة، فبعد أن خسر أوّل أربع مباريات نهائية خاضها مع الارجنتين، استطاع الفوز في آخر ثلاث مباريات نهائية مع منتخب بلاده بعد أن تجاوز الرابعة والثلاثين من عمره، ما يؤكّد أنه لا يوجد أيّ لاعب يملك إصرار وعزيمة ميسي.
لقد أخبرني أبي حكاية مونديال مارادونا في سنة 1986، وأنا بدوري سأخبر أولادي وأحفادي حكاية مونديال ميسي في سنة 2022، فليونيل ارتدى ثوب البطل في جميع مراحل كأس العالم 2022، حاملاً بلده على أكتافه، وصانعاً الفارق في كلّ مباراة بفضل أهدافه الرائعة وتمريراته العبقرية ومراوغاته الساحرة... قائد "الألبيسلستي" سجّل سبعة أهداف وقدّم ثلاث تمريرات حاسمة في مونديال قطر 2022، ليكون اللاعب الأكثر مساهمة في الأهداف في البطولة (بالتساوي مع كيليان مبابي).
كما أصبح ميسي أول لاعب يفوز بجائزة أفضل لاعب في المونديال مرّتين (في نسختي 2014 و 2022) وأكثر لاعب مساهمة في الاهداف في تاريخ كأس العالم برصيد21 هدفاً (13 هدفاً و 8 تمريرات حاسمة)، وأول لاعب يسجل في أربع مباريات اقصائية في نسخة واحدة من كأس العالم، وأكثر لاعب شارك في مباريات في تاريخ المونديال (26 مباراة)، وغيرها من الأرقام القياسية التي لا تُحصى ولا تعدّ...
باختصار، ميسي هو الأفضل في تاريخ المونديال وتاريخ "الفوتبول"، فقد ختم "البرغوث" الأرجنتيني لعبة كرة القدم باسمه.
ميسي وحّد الشعوب
لم نرَ يوماً تعاطفاً مع لاعب ومنتخب كما رأينا في مونديال 2022 مع ميسي والأرجنتين، ما يثبت أنّ ميسي ظاهرة ليس لها مثيل في تاريخ الرياضة وما يظهر إمتنان العالم بأسره لما قدّمه ميسي طوال مسيرته.
تألق مبابي
صحيح أنّ ميسي خطف الأضواء من الجميع في هذا المونديال وكان أفضل لاعب في البطولة، إلا أنّ مبابي أيضاً نجح بصناعة التاريخ وقدّم عروضاً ستبقى راسخة في الأذهان.
حصد مبابي جائزة الحذاء الذهبي في البطولة بفضل "الهاتريك" الذي سجّله في النهائي، ليرفع رصيده الى ثمانية أهداف في مونديال 2022 (أعلى رقم تهديفي منذ العام 2002 حين سجل الظاهرة رونالدو ثمانية أهداف أيضاً)، ويصبح أكثر لاعب تسجيلاً في المباراة النهائية لكأس العالم عبر التاريخ برصيد أربعة أهداف.
مونديال الاثارة والأهداف
إتّسم هذا المونديال بالطابع الهجومي، فقد كانت نسخة 2022 أكثر نسخة في تاريخ كأس العالم تُسجّل فيها الأهداف (172 هدفاً).
شهدت البطولة العالمية ملاحم كروية حبست الأنفاس، نذكر منها القمّة الأوروبية بين فرنسا وانكلترا ومعركة الأرجنتين وهولندا، لكنّ المواجهة الأجمل والأكثر إثارة وتشويقاً كانت بدون منازع المباراة النهائية التي انتهت بفوز الأرجنتين بركلات الترجيح 4-2 على فرنسا بعد انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل بنتيجة 3-3.
فوز أرجنتينيّ مستحقّ باللقب
فاز المنتخب الأرجنتيني بالبطولة عن جدارة واستحقاق بعد أن كان الطرف الأفضل في جميع المباريات التي خاضها في مونديال قطر 2022.
من ميّزات "الألبيسلستي" في مونديال 2022 نعدّد: قوّة الشخصية والروح القتالية والانضباط الدفاعي والتكتيكي واللعب الجماعي والقوّة الذهنيّة. لكنّ أكثر ما يميّز هذا المنتخب هو بدون شك وجود أفضل لاعب في التاريخ ليونيل ميسي ضمن صفوفه.
بسط أبناء المدرب ليونيل سكالوني سيطرتهم على المباراة النهائية ضد المنتخب الفرنسي وتقدّموا بهدفين نظيفين وكانوا يتّجهون نحو تحقيق انتصار سهل حيث كانت المباراة من طرف واحد ولم يرتق "الديوك" الى مستوى الحدث. لكنّ استرخاء المنتخب الأرجنتيني منذ منتصف الشوط الثاني كلّفه غالياً جدّاً، فقد فضّل سكالوني اخراج النجم المتألق أنخل دي ماريا الذي كان وراء ضربة الجزاء التي جاء منها الهدف الأول لمنتخب بلاده وسجّل الهدف الثاني في اللقاء، ما أثّر سلباً على الأداء الهجومي للأرجنتين. أمّا نظيره ديدييه ديشان فقام بتبديلات مبكّرة ممتازة ساهمت في عودة فريقه الى المباراة.
الأخطاء الدفاعية وحيويّة اللاعبين الشباب الفرنسيين مثل ماركوس تورام وكينغسلي كومان وراندال كولو مواني وتألّق مبابي أدّت الى نجاح الفرنسيين بالعودة في الوقتين الأصلي والإضافي وإدراك التعادل.
لكنّ عبقرية ديشان اصطدمت بحارس أسطوري رفض انكسار بلاده وقائده، حيث تعملق أفضل حارس في البطولة ايميليانو مارتينيز في الذود عن مرماه في اللحظات الأخيرة من الوقت الإضافي وفي ركلات الترجيح، لتظفر الأرجنتين بكأس العالم للمرّة الثالثة في تاريخها بقيادة نجمها الأسطوري ليونيل ميسي.
هذا الأخير كان أفضل لاعب في النهائي حيث سجل ثنائية كما أنّه نجح بترجمة ركلته الترجيحية، علماً أنّ ميسي تمّ اختياره أيضاً أفضل لاعب في أربع مباريات أخرى في هذه النسخة من كأس العالم (رقم قياسي).
إكتسبت الأرجنتين في هذا المونديال بعض النجوم الشباب الجدد الذين ساهموا في فوز بلاد الفضة باللقب الأغلى، يأتي في طليعتهم أفضل لاعب شاب في البطولة انزو فرنانديز ولاعب الوسط أليكسيس ماك اليستير والمهاجم جوليان ألفاريز صاحب الأربعة أهداف في البطولة، منها هدفان في نصف النهائي أمام كرواتيا.
كابوس كريستيانو
العديد من النجوم البارزين عاشوا لحظات عصيبة جداً في هذا المونديال مثل البلجيكي روميلو لوكاكو الذي أهدر الكثير من الفرص السهلة أمام كرواتيا ليطيح بآمال "الشياطين الحمر" بالتأهل الى الدور الثاني، ونيمار الذي خرج منتخب بلاده بسيناريو دراماتيكي أمام كرواتيا رغم تسجيله هدف التقدم، وهاري كاين الذي أهدر فرصة إدراك التعادل أمام فرنسا في ربع النهائي. لكنّ أكبر الخاسرين في هذا المونديال يبقى كريستيانو رونالدو الذي فقد خلال البطولة مكانه في التشكيلة الأساسية لمنتخب البرتغال بسبب أدائه السيّئ وخرج من الدور ربع النهائي أمام المغرب بمفاجأة مدوية، بالإضافة الى مشاهدته غريمه الأزلي ليونيل ميسي يرفع الكأس الذهبية في نهاية البطولة.
الحصيلة
نجحت قطر نجاحاً باهراً في استضافتها للعرس العالمي، فقد كان التنظيم مميزاً والملاعب رائعة والأجواء استثنائية والأمن مستتباً. لكنّ أكثر ما ميّز هذا المونديال هو تألق ليونيل ميسي وارتداؤه ثوب البطل في جميع مراحل البطولة، والجماهير الأرجنتينية الشغوفة التي قدّمت دعماً معنوياً كبيراً لكتيبة "الألبيسلستي".
