روسيا تستغلّ تصدّع العلاقات التركية - الأميركية

10 : 18

حين أوشكت الولايات المتحدة وإيران على خوض الحرب في العراق، إجتمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اسطنبول، في 8 كانون الثاني، لإطلاق خط أنابيب الغاز "تورك ستريم" المنتظر منذ وقتٍ طويل وللإعلان عن اتفاق جديد لوقف إطلاق النار في ليبيا. بعد يومين، أعلنت موسكو وأنقرة أنهما توصلتا إلى اتفاق آخر لوقف إطلاق النار في إدلب، آخر معقل للثوار في سوريا، علماً أن هذه المنطقة تشهد هجوماً من القوات الميدانية التابعة للأسد بدعمٍ جوي روسي.



يأتي اللقاء الأخير بين بوتين وأردوغان في ظل تصاعد التوتر بين أنقرة وواشنطن، مع أنهما حليفتان قديمتان في الناتو. إحتجّت الولايات المتحدة بنبرة غاضبة على قرار تركيا بشراء نظام الدفاع الجوي "إس-400" من روسيا وعمليّتها العسكرية في شمال شرق سوريا. في المقابل، هددت إدارة أردوغان بإغلاق قاعدتَين عسكريتَين أميركيتَين مهمّتَين في تركيا في حال فرض الكونغرس حزمة عقوبات متوقعة على أنقرة.

لكن ما معنى هذا التصدع المتزايد في العلاقات الأميركية التركية بالنسبة إلى روسيا؟ وهل تستطيع موسكو وأنقرة تحويل تعاونهما الناشئ إلى شراكة شاملة، أم أنهما ستجدان صعوبة في تجاهل خلافاتهما بشأن سوريا وليبيا؟ قابلت صحيفة "ناشونال إنترست" عدداً من الخبراء الأتراك والروس لمعرفة آرائهم حول هذه المسائل.خلال حفل افتتاح خط الأنابيب، اعتبر بوتين روسيا وتركيا قوتَين مهمتَين للحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط الذي لا يزال تحت تأثير الاغتيال الأميركي للجنرال الإيراني قاسم سليماني، فقال: "نحن نعيش في عالم معقد. وفي المنطقة التي نقيم فيها، بدأنا نرصد للأسف مؤشرات على تدهور الوضع بدرجة إضافية. لكن تتبنى تركيا وروسيا سـلوكيات مختلفة بالكامـل وتعكسان نموذجاً من التفاعل والتعــاون لمصلحة شعـوبنا وشعوب أوروبا والعالم أجمع".يشكّل خط أنابيب "تورك ستريم" جزءاً من الجهود الروسية الرامية إلى تعزيز صادرات الغاز إلى أوروبا. سينقل هذا الخط حتى 31.5 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً إلى تركيا وجنوب أوروبا عن طريق البحر الأسود. هددت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الشركات التركية المشاركة في مشروع "تورك ستريم"، على اعتبار أن خط الأنابيب يزيد اتكال أوروبا على روسيا في مجال الطاقة.

كذلك، اقترح بوتين وأردوغان أداء دور الوساطة للاتفاق على وقف إطلاق النار بين الأطراف المتناحرة في الحرب الأهلية الليبية، وبدأ تطبيق الاتفاق في منتصف ليل 12 كانون الثاني. أثبتت روسيا وتركيا في الأشهر الأخيرة أنهما قوتان مهمتان في الصراع القائم منذ ثماني سنوات. تدعم أنقرة حكومة فايز السراج في طرابلس، وقد صوّت البرلمان التركي في وقتٍ سابق من هذا الشهر على قرار إرسال الجنود لمساعدة السراج. صحيح أن موسكو لا تدعم رسمياً حكومة المشير خليفة حفتر في شرق ليبيا، لكن تفيد التقارير بأن المرتزقة الروس يقاتلون إلى جانب قوات حفتر. رفض حفتر اتفاق وقف إطلاق النار في البداية، لكنه عاد وغيّر موقفه بعد بضعة أيام. يوم الإثنين الماضي، وصل حفتر والسراج إلى موسكو للمشاركة في محادثات السلام.كانت روسيا وتركيـا بمصاف الخصوم في السابق، لكن تحسنت علاقتهما في السنوات القليلة الماضية. أبرمت تركيا صفقة لشراء نظام الدفاع الجوي الروسي "إس-400"، وقد وصلت الشحنة الأولى منه في الصيف الماضي. وفي شهر تشرين الأول، وقّع بوتين وأردوغان اتفاقاً لطرد الميليشيات الكردية من شمال شرق ســــوريا وإنشاء منطقة مشتركة للدوريات.

أدت الشراكـة الناشئة بين موسكو وأنقرة إلى زيادة القلق في واشنطن. في 11 كانون الأول، إتهم وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر تركيا بالانسحاب من محور الناتو لتكثيف تعاونها مع روسيا.





في اليوم نفسه، صوّتت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ على قانون لفرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها نظام "إس-400" الروسي وعمليتها العسكرية في شمال شرق سوريا. تقضي بنود أساسية في التشريع بفرض عقوبات على كبار المسؤولين الأتراك، وعقوبات أخرى ضد بنك تركي مهم، وضوابط على بيع الأسلحة إلى تركيا، ومعرفة حجم ثروة أردوغان وعائلته.

إستاء أردوغان من فكرة التعرض لأي عقوبات محتملة، وهدد بطرد القوات الأميركية من القاعدة الجوية "إنجرليك" التي تستضيف حوالى 50 صاروخاً نووياً أميركياً، ومن قاعدة "كورجيك" (مقر محطة رادار تابعة لحلف الناتو) في حال إقرار مشروع القانون.

يقول مسعود كاشين، أستاذ في العلاقات الدولية في جامعة "يديتيب" في اسطنبول، إن تهديدات الرئيس التركي ليست فارغة، بل إن العقوبات قد تعطي "أثراً مزلزلاً" على التحالف الأميركي التركي القائم منذ عقود.

يوضح كاشين: "إذا فُرِضت علينا هذه العقوبات، قد تقرر تركيا إغلاق قاعدتَي "إنجرليك" و"كورجيك". هذا هو الواقع".لكن لن يتوقف رد أنقرة عند هذا الحد على الأرجح. من وجهة نظر كاشين، قد ترد تركيا على الضغوط الأميركية المتزايدة عبر التقرب من موسكو وطهران. حتى أن أنقرة قد تفكر بخيارات فورية برأيه، منها التوقيع على اتفاق لاكتساب الطائرات المقاتلة الروسية "سو-35" وشراء كميات إضافية من محركات الطائرات من روسيا: "حتى لو خسرت تركيا، ستواجه الولايات المتحدة أكبر الأضرار بسبب العقوبات".لكن يشكك الكثيرون في موسكو باستعداد أنقرة لقطع علاقاتها مع الغرب. يقول فيودور لوكيانوف، رئيس تحرير مجلة "غلوبال أفيرز" في روسيا: "لا أظن أن أحداً في روسيا يتوقع جدياً أن تتخلى تركيا عن واجباتها تجاه الناتو وتنهي تحالفاتها مع الولايات المتحدة. لا أحد مقتنعاً بـــأن هذا الاحتمـال وارد". يظن لوكيانوف أن تدهــــور العلاقة بين أردوغان وواشنطن بسبب شراء نظام "إس-400" لم يكن يتعلق برغبته في الاصطفاف مع روسيا بقدر ما أراد إثبات استقلالية السياسة الخارجية التركية. لكنه يعترف بأن تحركات أنقرة الأخيرة تعطي موسكو فرصة التقرب من تركيا، حليفة الولايات المتحدة القديمة.يضيف لوكيانوف: "لن تصبح تركيا حليفة لروسيا. لكن من الواضح أنها تشهد تغيرات بارزة وتشعر بالضيق داخل حلف الناتو. لا يتعلق تكثيف التعاون بالمصالح المشتركة أو الثقة المتبادلة بين الطرفَين. هذان العاملان غائبان برأيي. لكن تدرك موسكو وأنقرة أنهما لن تتمكنا من تحقيق ما تريدانه في سوريا من دون تحركات وتنازلات مشتركة".

تتراجع المخاطر المطروحة على البلدَين في ليبيا، لكن يوضح كيريل سيمينوف، خبير في شؤون الشرق الأوسط في المجلس الروسي للشؤون الدولية، أن بوتين وأردوغان معاً يتوقان إلى تجنب المواجهة في بلدٍ من شمال إفريقيا: "روسيا تدعم حفتر، لكنها لا تؤيده لدرجة أن تضمن له الفوز. كذلك، تدرك موسكو أنها لا تستطيع منحه فوزاً مماثلاً. لا تطرح ليبيا مشكلة كبرى بنظر روسيا وتركيا، بل العكس صحيح، فهي تعطيهما فرصة أداء دور ناشط ومضاعف في العملية الانتقالية الليبية. حتى أنهما قد تفضّلان إخراج بلدان أخرى من هذه العملية عبر وضعها في مواجهة بعضها".


MISS 3