رامي الرّيس

هل "تفرمل" بكين علاقاتها مع طهران بعد قمم الرياض؟

31 كانون الأول 2022

02 : 01

الصين تولي أهمّية كبيرة لتطوير علاقاتها مع السعوديّة (أ ف ب)

أثارت قوة الدفع الكبيرة التي شهدتها العلاقات الصينيّة - السعوديّة بشكل خاص والعلاقات الصينيّة - الخليجيّة بشكل عام من خلال قمم الرياض، العديد من التساؤلات حول انعكاسات ذلك على العلاقات الصينيّة - الإيرانيّة التي كانت شهدت قفزة إلى الأمام في أوائل العام 2021 من خلال توقيع إتفاقيّة بقيمة 400 مليار دولار لمدة 25 عاماً.

صحيحٌ أن الصين كانت تحرص دوماً على إقامة التوازن في علاقاتها بين الرياض وطهران، إلا أن انفراط الاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن أحاديّاً في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب سنة 2018 فرمل اندفاعة الشركات الصينيّة التي لم تكن ترغب بالتعرّض للعقوبات في الأسواق الدوليّة.

فعلى الرغم من أن السوق الإيرانيّة هي سوق إستهلاكيّة كبيرة للشركات الصينيّة، ولكنها ليست بالحجم الذي يدفع الشركات لتحمّل العقوبات الأميركيّة والدوليّة للمجازفة بكسبها، فالوضع الاقتصادي الإيراني صعب جداً ومعدلات الفقر والبطالة تُسجّل إرتفاعات دوريّة والقدرة الشرائيّة عند المواطنين ضعيفة قياساً إلى تردي الأحوال الإجتماعيّة والمعيشيّة.

ولقد تبيّن مع مرور الوقت على توقيع تلك الإتفاقيّة "الفضفاضة" الشهيرة بين بكين وطهران، أنها وُضعت في "غرفة الانتظار" أقله من وجهة النظر الصينيّة التي نادراً ما تستعجل في خطواتها الديبلوماسيّة على الصعيد الدولي، ومعلوم أنها تضع في رأس أولوياتها سياسات التمدد الاقتصادي على أية حسابات أخرى.

ولقد دلّت تجربتها في العمل مع دول الخليج والسعوديّة أن ثمّة مجالات واسعة لتفعيل التعاون الاقتصادي دون الاكتراث لمعوقات تفرض نفسها في العلاقة مع طهران وفي مقدّمها مسألة العقوبات.

في الوقت الذي تحتسب فيه الصين بشكل دقيق العائدات على استثماراتها، وتهتم بالاستقرار السياسي والأمني في الدول التي تسعى إلى توسيع علاقاتها الاقتصاديّة معها، تبدو العلاقة مع طهران وكأنها عبء أكثر مما هي مكسب. ومع تفجّر الأوضاع الداخليّة في إيران منذ أشهر بشكل غير مسبوق، أصبحت البلاد برمتها على صفيح ساخن، وتطوراتها المتسارعة تنذر بمتغيّرات جدّية حتى لو لم تصل إلى سقوط النظام أقله في هذه اللحظة السياسيّة.

الأكيد أن بكين سوف تسعى لمواصلة سياسة التوازن الدقيق بين الخصمين اللدودين أي إيران والسعوديّة، دون أن تلغي طبعاً ميلها إلى الاستفادة من البرودة، إن لم يكن التوتر، الذي يشوب العلاقات السعوديّة - الأميركيّة على خلفيّة عدد من الملفات في طليعتها قضيّة الغاز والنفط والتي لم تبدّدها زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأخيرة إلى الرياض.

واضحٌ إذاً أن إعلان المرشد الأعلى للثورة السيد علي الخامنئي منذ العام 2018 أن بلاده تفضّل إقامة العلاقات وتطويرها مع الشرق وليس مع الغرب، ليس كافياً لتبديد كل العقبات التي تحول دون ذلك.

فالصين، مثلاً، ترفض الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتيّة الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. وهو ما دفع بعض الصحف الإيرانيّة (الموجهة بطبيعة الحال أسوة بكل الأنظمة التوتاليتاريّة) إلى إنتقاد "المزاعم الصينيّة عن سيادة مفترضة على تايوان"، ومعلوم مدى حساسيّة هذا الملف بالنسبة إلى بكين التي تعتبره في طليعة قضايا الأمن القومي الصيني.

وثمّة قضيّة أخرى لم تنل قسطاً وافراً من الاهتمام الإعلامي تتعلق بعدم حماسة الصين لتزويد إيران لروسيا بالمسيرات التي تُستخدم في الحرب على أوكرانيا، وهو الملف الذي حافظت بكين على مواقفها الضبابيّة فيه ولو أنها قدّمت بعض جرعات الدعم المعنوي لموسكو بحكم العلاقة التي تجمع البلدين.

في المحصلة النهائيّة، من المتوقع أن تميل الصين تدريجيّاً نحو المزيد من تطوير علاقاتها مع الخليج العربي لما يحققه من مكاسب اقتصاديّة كبيرة لها، مقابل الحفاظ على ذاك "الخيط" الذي يبقي صلاتها مع طهران قائمة.