زاتي شارف

المرأة غيّرت العالم هذه السنة

31 كانون الأول 2022

المصدر: the fuller project

02 : 00

الناشطة السويدية غريتا ثانبيرغ

عندما تضجّ عناوين الصحف بأخبار الحروب، والانهيار الاقتصادي، وتنامي الاستبداد، غالباً ما تُطمَس القصص المتعلّقة بالمرأة وقدرتها على إحداث التغيير. لكن تقف المرأة في الخطوط الأمامية لكل أزمة أو صراع. في العام 2022، قاومت المرأة المصالح الراسخة لمجابهة المعايير والقواعد الاجتماعية التي تمنعها من تحقيق كامل قدراتها. وصلت النساء إلى أعلى المناصب، وغيّرن القوانين، وعقدن التحالفات، وأحرزن تقدّماً حقيقياً في نضالهنّ من أجل المساواة. في ما يلي مجموعة من أعمق الطرق التي لجأت إليها المرأة هذه السنة للتأثير على الأحداث، وهي تنذر بمرحلة واعدة في العام 2023.


حركة الإحتجاج في إيران 


منذ وفاة الشابة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاماً، أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق الإيرانية، في 16 أيلول، نزلت النساء الإيرانيات وحلفاؤهنّ إلى شوارع طهران والمناطق الصغرى والكبرى للاحتجاج على قمع الحكومة للنساء منذ عقود. يجازف المحتجّون بالتعرّض للاعتقال أو القتل: قُتِل481 متظاهراً على الأقل على يد السلطات الإيرانية حتى الآن، وفق تقارير صادرة عن وكالة أنباء الناشطين في مجال حقوق الإنسان في إيران.

حصدت مساعي النساء الإيرانيات لاسترجاع حقوقهن دعماً دولياً واسعاً وأطلقت احتجاجات داعمة في مدن متنوعة، من سيول إلى تورونتو. حتى أن عدداً كبيراً من المشجّعين الإيرانيين في كأس العالم في قطر حمل لافتات كُتِب عليها شعار الحركة الاحتجاجية: "المرأة، الحياة، الحرية". كذلك، واجه اللاعبون الإيرانيون ردّاً صارماً من حكومتهم بعدما رفضوا تلاوة النشيد الوطني في أول مباراة لهم ضد إنكلترا دعماً للمحتجين.

خلال هذا الشهر، أعلن المدعي العام الإيراني، محمد جواد منتظري، أن الحكومة ألغت شرطة الأخلاق، وتعكس هذه الخطوة تنازلاً واضحاً لمطالب المحتجين. لكن لم يكن ذلك الإعلان كافياً لوقف الاضطرابات.



حملة لمكافحة التغير المناخي 


تتأثر المرأة بالتغير المناخي بدرجات متفاوتة. تشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى بلوغ نسبة النساء النازحات بسبب التغير المناخي 80%. لكن بما أن المرأة تنشط في الاقتصاد غير الرسمي في معظم الأوقات، قد تكون تداعيات الكارثة البيئية على المعيشة غير موثقة أو غير معترف بها. أدّى فصل الصيف الساخن بدرجة غير مقبولة في جنوب آسيا مثلاً إلى تراجع حاد في إنتاجية ومداخيل المرأة التي تعمل من منزلها أو في مكان مجاور له.

ليس مفاجئاً إذاً أن تحتلّ المرأة دوراً رائداً في الحركات المناخية العالمية. بدءاً من حركة «أيام الجمعة من أجل المستقبل» بقيادة الناشطة السويدية غريتا ثانبيرغ (تشمل 14 مليون عضو في 7500 مدينة)، مروراً بـ «مبادرة الجيل الأخضر» بقيادة الناشطة الكينية إليزابيث واثوتي التي زرعت أكثر من 30 ألف شجرة محلياً، وصولاً إلى حركة «انتفض» بقيادة الناشطة الأوغندية فانيسا ناكاتي التي تعمل على إنقاذ الغابات المطيرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، طالبت النساء بمقعد على طاولة المفاوضات وحصلن عليه. كذلك، وافقت الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في تشرين الثاني على إنشاء صندوق «الخسائر والأضرار» لدعم البلدان النامية الأكثر عرضة لعواقب التغير المناخي. كانت هذه الفكرة تُعتبر هامشية في السابق، لكن ساهمت أولئك الناشطات في تسليط الضوء على الخسائر والأضرار.


"الموجة الخضراء" في أميركا اللاتينية

هذه السنة، تابعت حركة شعبية نسائية مسيرتها في أنحاء أميركا اللاتينية للمطالبة بالاستقلالية الإنجابية. بدأت هذه "الموجة الخضراء" في "روساريو"، الأرجنتين، في العام 2003، حيث تجمّعت 10 آلاف امرأة ووضعن أوشحة خضراء على رؤوسهن للمطالبة بالتوقف عن تجريم الإجهاض والحق باستعمال وسائل منع الحمل محلياً. سرعان ما توسّعت هذه الحركة وشملت جميع المناطق، ثم بلغت ذروتها في حركة احتجاجية حاشدة خارج الكونغرس الوطني الأرجنتيني في العام 2019. وفي العام 2020، شرّعت الأرجنتين الإجهاض حتى الأسبوع الرابع عشر من الحمل.

أجّجت "الموجة الخضراء" في الأرجنتين حركات الاحتجاج في المكسيك، والإكوادور، وتشيلي، والبيرو، وكولومبيا. في المكسيك، اعتبرت المحكمة العليا الملاحقة الجنائية لحالات الإجهاض غير دستورية في العام2021. كذلك، توقفت كولومبيا هذه السنة عن تجريم الإجهاض حتى الأسبوع الرابع والعشرين من الحمل، وشرّعت الإكوادور الإجهاض في قضايا الاغتصاب، وأصبحت "كوينتانا رو" آخر ولاية مكسيكية توقف تجريم الإجهاض بعد قرار المحكمة في العام 2021.

بدت هذه الخطوات المرتبطة باكتساب حقوق الإنجاب في أميركا اللاتينية أكثر قوة من المسار الذي تسلكه الولايات المتحدة. ألغت المحكمة العليا الأميركية في شهر حزيران مثلاً القرار التاريخي الذي كان يضمن حق المرأة بالإجهاض، وسبق وأقرّت عشر ولايات أميركية حظراً كاملاً لهذه العملية. وثّقت صحيفة "فورين بوليسي" إلى أي حد يتعارض التراجع الأميركي في مجال حقوق الإجهاض مع تيار التحرر العالمي، وسجلت إيريكا هنسلي من موقع "فولر بروجكت" حجم النضال الذي تخوضه المرأة الأميركية.

برأي المحللة كاثرين أوزبورن، حققت "الموجة الخضراء" النجاح أكثر من حركة حقوق الإجهاض في الولايات المتحدة لأنها تُركز في المقام الأول على تداخل مختلف المسائل: "كانت المزاعم القائلة إن تشريع الإجهاض لن يرفع مستوى الخصوصية والخيارات الفردية فحسب، بل يُحسّن تلقي الرعاية الصحية ويقلّص اللامساواة الاجتماعية، فكرة أساسية لضمان نجاح الدعاوى القضائية في أميركا اللاتينية".


المزارِعات في أوكرانيا



تابعت ناديا إيفانوفا الزراعة رغم احتلال الجنود الروس بستان المشمش الذي تملكه وسقوط القنابل على مسافة قريبة لدرجة أن تشاهد أعمدة الدخان من حقول القمح.

تقول إيفانوفا لإيمي فيريس روتمان التي أعدّت تقارير عن الموضوع بالقرب من «ميكولايف» في جنوب أوكرانيا (تخضع هذه المنطقة لسيطرة أوكرانيا بالقرب من البحر الأسود): «لديّ 45 حقلاً، بعضها كبير وبعضها الآخر صغير، وقد وجدتُ صاروخاً روسياً في كل واحد منها».

إيفانوفا هي واحدة من عشرة آلاف امرأة مسؤولة عن إدارة شركات زراعية في أوكرانيا، وهي تحارب لمتابعة الإنتاج. غالباً ما تُعتبر أوكرانيا «سلة خبز أوروبا»، كما أنها أكبر موردة للقمح في أفريقيا، والشرق الأوسط، وآسيا. لكن أدى الغزو الروسي إلى تفاقم النقص الغذائي العالمي ونشوء أزمة مجاعة في الشرق الأوسط وأفريقيا، ويؤثر هذا الوضع على النساء والفتيات بدرجات متفاوتة. زاد الوضع سوءاً لدرجة أن تتدخل الأمم المتحدة خلال الصيف لعقد اتفاق مع تركيا وشحن الحبوب بكل أمان من أوكرانيا عبر البحر الأسود.

لكن تابعت المزارِعة الأوكرانية جهودها رغم كل شيء، فاستضافت الجنود الأوكرانيين، وقدّمت لهم الطعام، وحاربت لمتابعة إيصال المحاصيل إلى السوق. تعتبر المرأة الغذاء فرصة للقيام بدورها في الحرب.

تقول العاملة الزراعية فالنتينا فيدورينكو وهي تحمل دلواً من الخيار الأخضر الطازج: «هذه هي أسلحتنا. من خلال إطعام الناس، نحن نُجهّزهم للقتال».


نساء أفغانستان يقاومن "طالبان"



خلال السنة التي تلت استيلاء «طالبان» مجدداً على أفغانستان، تلاشت المكاسب التي حقّقتها المرأة في مجال العمل والتعليم على مر عقدَين من الزمن. تعاون المراسلون من موقع «فولر بروجكت» مع المنظمة الإعلامية الأفغانية التي تقودها النساء، «روخشانا ميديا»، لتوثيق واقع النساء الجديد في أفغانستان تحت حُكم «طالبان». في ما يخص وضع الأفغان المتحوّلين جنسياً مثلاً، يبدو المشهد قاتماً بكل معنى الكلمة.

أمرت حركة «طالبان» المرأة بملازمة منزلها، ومنعتها من العمل في معظم المجالات، وأعادت فرض تغطية الوجه في الأماكن العامة. كذلك، تعجز المرأة عن السفر من دون مرافقة رجل. أدّت القيود الجديدة إلى تصعيب استفادة المرأة من الرعاية الصحية، والتعليم، والعمل. أعلنت الأمم المتحدة أن المدخول المفقود نتيجة إخراج النساء من قطاع العمل قد يكلّف أفغانستان حتى 5% من ناتجها المحلي الإجمالي، ما يعني إغراق البلد في فقر إضافي وتفاقم انعدام الأمن الغذائي. لكن رغم هذه الانتكاسات كلّها، تنتفض مجموعة من النساء الأفغانيات خلال احتجاجات نادرة ويجازفن بسلامتهنّ الشخصية. تكتب لين أودونيل في تقريرها: «يريد عدد كبير من الناشطين أن يبذل العالم جهوداً مضاعفة لمحاسبة النظام، لا سيما الولايات المتحدة حيث سهّلت الإدارات المتلاحقة عودة «طالبان» إلى السلطة».



هذه هي قصص نساء يحاربن لاسترجاع حقوقهن وحقوق الآخرين، وثمة آلاف القصص الأخرى التي تستحق النشر.