روبي غرامر وايمي ماكينون

تقارب غير مسبوق بين إيران وروسيا

10 كانون الثاني 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في طهران | إيران، 19 تموز 2022

في أول يومَين من العام 2023، تلاحقت الأدلّة التي تثبت عمق الصداقة المستجدة بين روسيا وإيران في مختلف المدن الأوكرانية الغارقة في الحرب، وكانت على شكل طائرات انتحارية مسيّرة.

تم إسقاط أكثر من 80 طائرة مسيّرة إيرانية الصنع أطلقها الجيش الروسي فوق أوكرانيا خلال هذين اليومين، كما قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وهو أحدث مؤشر على توجّه أكبر دولتَين منبوذتَين في العالم نحو تعميق تحالفهما في ظل توسّع عزلتهما الدولية وتفاقم مشاكلهما الإقتصادية.

طوّرت روسيا وإيران شراكة مصلحة ضد القوى الغربية طوال عقود، لكن يقول الخبراء إن مظاهر ضمنية من انعدام الثقة والحذر لطالما طغت على هذه العلاقة تاريخياً.

لكن قد تُغيّر أحداث أوكرانيا هذا الوضع، فتدفع موسكو إلى دعم إيران باعتبارها من أهم شركائها الخارجيين، في محاولة منها لتأمين إمدادات عسكرية إيرانية أصبحت روسيا بأمسّ الحاجة إليها وإيجاد حبل نجاة لاقتصادها الغارق في العقوبات، حتى لو بقيت تلك الشراكة أقل من مستوى التحالف الرسمي الشامل.

تتجاوز هذه الصداقة الناشئة حدود ساحات المعارك في أوكرانيا. على المستوى الدبلوماسي، لم يتجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أي مكان بعيد عن روسيا منذ أن أطلق الغزو الروسي ضد أوكرانيا، لكنه قام بزيارته الأولى خارج الكتلة السوفياتية السابقة إلى طهران، في شهر تموز الماضي، للمشاركة في قمة كبرى مع المرشد الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي.

على المستوى الإقتصادي، ينشغل البلدان بإنشاء شبكات تجارية جديدة وواسعة للتحايل على العقوبات الغربية، بما في ذلك طرقات لإرسال المعدات العسكرية من إيران إلى روسيا عبر ممرّات متّصلة بالأنهار وسكك الحديد أو عبر بحر قزوين.

يقول غابريال نورونها، خبير في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي، ومسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية كان قد تعامل مع الملف الإيراني في عهد الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب: "حتى لو اعتاد البلدان على التعاون في ما بينهما سياسياً طوال الوقت، من الواضح أنهما يزيدان تركيزهما الآن على علاقتهما الإقتصادية تحديداً".

في مجال الإستخبارات، وافقت روسيا على إطلاق قمر اصطناعي إيراني جديد في آب 2022، وهو مؤشر آخر على عمق التحالف الاستراتيجي بين البلدين. يظن المسؤولون الأميركيون الحاليون والسابقون أن القمر الاصطناعي الإيراني يقع على الأرجح فوق أوكرانيا لجمع معلومات استخبارية لصالح روسيا، وقد ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" هذه المسألة للمرة الأولى. (أنكرت الحكومة الإيرانية هذه الإدعاءات وزعمت أنها تستعمل القمر الاصطناعي لإجراء أبحاث علمية).

تقول آنا بورشيفسكايا من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "للمرة الأولى، بدأت روسيا تتكل على إيران أكثر من أي وقت مضى لتلقّي الطائرات المسيّرة والتأثير على شؤون الشرق الأوسط، لا سيما في سوريا حيث تضطر موسكو للإتكال على طهران للحفاظ على مكاسبها العسكرية بعدما أصبحت القوات الروسية المسلّحة عالقة في المستنقع الأوكراني".

لاحظ القادة الغربيون ما يحصل، لا سيما زيلينسكي. انتقد الرئيس الأوكراني علاقة موسكو مع طهران بأسلوب مباشر في خطابه أمام الكونغرس الأميركي، في كانون الأول 2022، خلال رحلة قصيرة قام بها إلى واشنطن، وهي المرة الأولى التي يسافر فيها إلى خارج أوكرانيا منذ بدء الغزو. قال زيلينسكي أمام المشرّعين الأميركيين: "أصبحت الطائرات المسيّرة الإيرانية القاتلة التي تتلقّاها روسيا بالمئات مصدر تهديد على بنيتنا التحتية الأساسية. هكذا التقى طرفان إرهابيان ببعضهما البعض".

بدأت شريحة واسعة من النخبة الإيرانية الحاكمة تؤيد التحالف المستجدّ مع روسيا، لكن يقول مسؤولون وخبراء مطّلعون على هذه المسألة إن ذلك التحالف لا يحظى بإجماع تام. يوضح مسؤول بارز في إدارة جو بايدن (رفض الإفصاح عن اسمه لأنه يناقش مسألة حساسة): "يظنّ البعض في القيادة الإيرانية أن البلد يجب أن يتخلى عن اتكاله على الغرب ويضع مصيره بيد روسيا أو حتى الصين. لكن يعتبر آخرون هذه المناورة وهمية".

وفق وثيقة جديدة أصدرها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ثمة معسكران كبيران داخل النخبة التي تتّخذ القرارات المرتبطة بهذه المسألة في إيران. يفضّل المعسكر الأول تطوير العلاقات مع روسيا وتعميق تحالف البلدين، بينما يدعو المعسكر البراغماتي الثاني إلى توخّي الحذر قبل تقديم دعمٍ كامل للاصطفاف مع روسيا ويفضّل تطوير بعض الروابط على الأقل مع القوى الغربية.

يشمل المعسكر الأول خامنئي، وعلي أكبر ولايتي الذي يُعتبر من أهم مستشاري خامنئي في مجال السياسة الخارجية، وكبار القادة في الحرس الثوري الإيراني، ورئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف. أما المعسكر الثاني، فهو يضمّ علي شمخاني الذي يشغل راهناً منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، وكبار المسؤولين الإيرانيين السابقين الذين خسروا نفوذهم في السنوات الأخيرة، منهم الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني ووزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، ومجموعة صغيرة من أكثر القادة اعتدالاً في الحرس الثوري الإيراني.

قد يكسب المعسكر الثاني دعماً متزايداً في السنوات المقبلة، لا سيما إذا تابعت الحرب نسف القوة الروسية الاقتصادية والعسكرية، وإذا لم تنتج العلاقات التجارية الناشئة بين البلدين المكاسب الاقتصادية التي تتوق إليها إيران.

يوضح المسؤول في إدارة بايدن: "ثمة عتبة قصوى لنوع التعاون الاستراتيجي الثنائي أو المساعدات التي تستطيع روسيا تقديمها إلى طهران، وهو واقع ستكتشفه إيران عاجلاً أم آجلاً".

في هذه المرحلة، توحي الظروف بأن المعسكر الأول هو الفائز. لم يُحسَم هذا الجدل بعد، لكن من الواضح أن الإيرانيين يتّجهون إلى زيادة اتكالهم على روسيا في الوقت الراهن.

تحمل علاقة موسكو مع طهران تاريخاً طويلاً ومعقّداً. لكن وجد البلدان قاسماً مشتركاً بينهما في سوريا، حيث نفّذت روسيا تدخلاً عسكرياً في العام 2015 وقاتلت إلى جانب الميليشيات المدعومة من إيران لتعويم الدكتاتور السوري المحاصر بشار الأسد. جاء الغزو الروسي لأوكرانيا وعزلة موسكو الدولية ليضخّا حياة جديدة في هذه العلاقة، تزامناً مع اتفاق الطرفَين حول ضرورة إضعاف التأثير الأميركي على الشؤون العالمية.

حاولت الصين أن تبعد نفسها عن الحرب، لكن تبقى إيران المعزولة أصلاً والخاضعة لعقوبات مشدّدة من البلدان القليلة التي لا تملك ما تخسره إذا قدّمت مساعدات عسكرية إلى موسكو. في الوقت نفسه، تقرّبت روسيا من دولة منبوذة أخرى، وهي كوريا الشمالية، لمساعدتها على ملء مخزون أسلحتها المتناقص، وقد أكّد البيت الأبيض في كانون الأول 2022 على تلقّي "مجموعة فاغنر" المؤلفة من مرتزقة روس صواريخ وقذائف من بيونغ يانغ.

يتزامن تغيّر معالم العلاقات الروسية الإيرانية مع فشل الجهود الغربية في إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني لإقناع طهران بالتخلي عن طموحاتها بتطوير برنامج للأسلحة النووية. دعمت روسيا والصين ذلك الاتفاق، لكن تعثرت تلك الجهود في أواخر العام 2022 بعدما رفضت إيران اقتراحاً أدّت فيه الولايات المتحدة دور الوساطة لتجديد الاتفاق النووي مقابل تخفيف العقوبات.

يظنّ مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون أن روسيا، في الحد الأدنى، لا تعارض تجديد الاتفاق النووي، لكنها لم تحرّك ساكناً على مرّ الجهود الشاقة لتجديد التفاوض حول ذلك الاتفاق في السنة الماضية.

اليوم، يراقب المسؤولون الغربيون الوضع عن قرب تحسّباً لأي محاولة روسية قد تكبح الجهود المستقبلية لاستئناف المحادثات، حتى أنها قد تذهب إلى حدّ دعم جهود إيران لتطوير أسلحة نووية خاصة بها.

برأي مسؤولين أميركيين ومحللــين مستقلين حاورتهـم صحيفة "فوريـــن بوليسي"، من المستبعد حتى الآن أن تكثّف روسيا مساعداتها لتطوير برنامج إيران النووي. هذه الخطوة ستبعد خصوم إيران الإقليميين فوراً، لا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، علماً أن هذين البلدين لا يزالان من أهم القوى الاقتصادية بالنسبة إلى روسيا. يظن هؤلاء المسؤولون والخبراء أيضاً أن موسكو لن تحبّذ نشوء قوة نووية شاملة في جوارها، تزامناً مع بلوغ العلاقات الغربية الروسية أدنى مستوياتها التاريخية ووصول علاقتها مع طهران إلى عتبة غير مسبوقة.

في تشرين الثاني 2022، ذكرت قناة "سي إن إن" أن إيران ناقشت مع موسكو مسألة مساعدتها على تطوير برنامجها النووي، وفق مصادر مسؤولين من الإستخبارات الأميركية. لا يزال ردّ روسيا على هذا الاقتراح غير واضح. قد تعكس أي خطوات لدعم إيران في سعيها القديم للتحول إلى قوة نووية تغييراً جذرياً في مقاربة روسيا التي كانت تؤدي دوراً بنّاءً لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني قبيل اندلاع الحرب.

مع ذلك، تسود مخاوف ضمنية في واشنطن من احتمال أن تغيّر روسيا موقفها من برنامج إيران النووي إذا تصاعد التوتر مع الغرب بدرجة إضافية.

تقول هانا نوتي، باحثة مرموقة في مركز فيينا لنزع الأسلحة ومنع الانتشار النووي: "أظن أن روسيا تشاهد اقتراب إيران من العتبة النووية بكل سرور. هذا الوضع يكفيها لتحقيق غايتها لأنه يبقي جميع الأطراف على أعصابها في الشرق الأوسط، ويحصر تركيز الأميركيين بالموارد ونطاق النفوذ في تلك المنطقة، ما يعني أنهم يعجزون عن صبّ كامل تركيزهم على الجناح الشرقي لحلف الناتو والصين".

في مطلق الأحوال، يبدو أن الصداقة المستجدة بين روسيا وإيران ستستمرّ، طالما تتابع روسيا التركيز على حربها في أوكرانيا على الأقل. تضيف نوتي: "أظن أننا بدأنا نبلغ مستوىً نوعياً مختلفاً من العلاقات الروسية الإيرانية مقارنةً بما شهدناه في السنوات السابقة. لكنّ السؤال الأساسي هو التالي: هل ستصل تلك العلاقة إلى نقطة انهيار في مرحلة معينة؟".