سناء الجاك

إتفاق "الطائف" مطيَّتُهم

14 كانون الثاني 2023

02 : 00

في أصل الحكاية أنّ ميليشيات القتل على الهوية بدأت تأكل بعضها البعض وتتآكل من داخلها وتتفتت بنيتها. وبالطبع استقطب واقعها قوى تبحث عن نفوذ خارج حدودها، لذا عملت على اختراق هذه البنية لشرذمتها وابتزاز قادتها والسيطرة عليها والاستثمار في مهاراتها، بعدما تحوّلت القضية لكل من هذه الميليشيات إلى أرض خصبة لزرع أجندات تساهم بتنفيذ مشاريع القوى صاحبة المصالح المتقاطعة في لبنان.

وفي متن الحكاية أنّ القيّمين على هذه الميليشيات بدأوا يشعرون باحتمال تسرّب سطوتهم وسلطتهم إن هم تابعوا حروبهم التي تحوّلت عبثية، بحيث بات الأخ يقاتل أخاه بفعل التشرذم والاصطفافات الدموية.

لذا، شرع هؤلاء بالتفتيش عن وسائل جديدة لاستمرار سطوتهم وسلطتهم ومصادر ارتزاقهم، ووجدوها في المساعي التي كان يقودها الرئيس حسين الحسيني، لإنهاء الحرب وإرساء أسس حديثة لدولة تتمتع بتشريعات وقوانين تحصِّنها، لا سيما وأنّ هذه المساعي لن تقتصر على بعدها التشريعي، وانما يجب أن تمر بالتفاوض معهم والحصول على موافقتهم للانخراط في هذا البعد الذي كان يفترض أن يتمخّض عنه جمهورية جديدة.

وهكذا عثر الأوادم على ما ينقذهم. اتفاق وفاق وطني بالتراضي ينهي الحرب التي أرهقتهم ولم تعد تؤتهم بدسم السلب والنهب والهيبة والتخويف والتهويل بالقدر المطلوب. فهم لم يعودوا في نظر بيئتهم وفي نظر من كان يموّلهم أصحاب قضية. صاروا تجار قضية، خفّت مصادرهم وبدأت تنضب، ولولا زعرانهم لما أمكنهم في ذلك الحين السيطرة وفرض الخوات واحتلال البيوت... وما كان من مثل هذه النشاطات.

بدأت مفاوضات هذا الوفاق. ومن الطبيعي أن يعتمد «أمراء الحرب» مبدأ الابتزاز مع مفاوضيهم بما يعود عليهم، أولاً بوعود عدم الملاحقة على جرائمهم وفق مبدأ «عفا الله عما مضى»، والثاني تأمين إدخالهم إلى هيكل الدولة لينخرطوا فيها ويصير وجودهم كأطراف فاعلة، شرعياً وقانونياً.

وبالطبع، حافظوا على وحدة المسار والمصير مع مشغليهم، وبتنسيق شفاف وشامل، وفيما كان السيد يهندس قيامة لبنان مع فريق العتالة، كانوا هم يهندسون زرع الألغام في هذه العملية بمكر وباطنية.

ولم يوفروا جولات العنف والقتال للضغط وتحسين أوراقهم بغية مزيد من الابتزاز. وبعدما وصل الاتفاق إلى مراحله الأخيرة، بما يجنّبهم الملاحقة والمحاسبة والعقاب، وبما يسمح لهم بالانتقال من زواريبهم إلى زواريب الحكم، ليتسللوا منها إلى هيكل الدولة، أعلنوا موافقتهم. ولكن غداة الموافقة بدأ مشروع دك أسس الدولة... وصولاً إلى ما نحن فيه.

إتفاق «الطائف» كان مطيّتهم. هم لم يؤمنوا به في الأساس. ويستحيل أن يؤمنوا به. فتاريخهم قبله وبعده يحمل أدلة عن هذا الواقع. لذا لم يسمحوا لبنود هذا الاتفاق أن تبصر النور، ولم يسمحوا لروحيته أن تنمو لتصير جسداً متكاملاً.

في أصل الحكاية كانوا يخادعون، وفي متنها أزاحوا السيّد من طريقهم، تماماً كما أزاحوا الاتفاق، واكتفوا منه بما يتيح لهم تكديس الأموال عبر التواطؤ على لبنان لمصلحة مشغليهم.

وبإمعانهم في انتهاك «الطائف»، لم يسمحوا للسيد أن يرحل بهدوء ورضى. ولشدة وقاحتهم، غسلوا أيديهم من اغتياله معنوياً قبل أوان رحيله بكثير. اغتالوه عندما اغتيل رينيه معوض ورفيق الحريري، وعندما اغتيلت مؤسسات الدولة وعندما زرعوا أتباعهم في الإدارات واحتكروا المقاومة واتخذوها وسيلة لإزاحته من المعادلة السياسية، لأنه رفض أن يرضخ لمشغليهم.

الرئيس السيد حسين الحسيني رحل. لكن ما مصير اتفاق «الطائف»؟ هل علينا أن نتابع هذا الانتظار القاتل لمعرفة مصير لبنان ومصيرهم ومصيرنا؟ من سيكتب لهذه الحكاية نهايتها؟


MISS 3