سامي نادر

الاقتصاد المكشوف

11 تموز 2019

09 : 54

كان لبنان بغنى عن كل سلسلة العقوبات الإقتصادية المفروضة على «حزب الله». فالوضع الإقتصادي مأزوم أصلاً بفعل غياب الإصلاحات وتداعيات أزمة اللاجئين السوريين واهتراء نظام المحاصصة، الذي قضى على كل قواعد الحكم الرشيد. كان بغنى عن هذا الإنكشاف التام على الصراع الدائر مع إيران.


ومهما حاول المجتمع الدولي تجنيب البلد الصغير الأثمان الجانبية لهذا الصراع، يبقى أن تلك العقوبات تقوّض الحركة المصرفية، تخنق بيئته الإستثمارية وترفع منسوب المخاطر المتعلق بالإقتصاد اللبناني.
تصدر هذه العقوبات في لحظة شلّت فيها كل المحركات الحكومية، بما فيها محركات سيدر الذي يشكل الطرح الوحيد المتاح اليوم لتلافي الإنهيار. وضع لبنان اليوم أشبه بعربة سائرة في منحدر عُطّلت مكابحها كافة. تأتي هذه العقوبات كقوة دفع إضافية نحو الهاوية.


تداعيات قرار من هذا النوع ليست فقط في القيود الإضافية التي تضعها على الأفراد والمصارف معاً إنما في منسوب الثقة المرتبط بالبلد الصغير. العقوبات لم تطل أفراداً عاديين بل رموزاً لمنظومة الحكم القائم في لبنان خصوصاً بعد الإنتخابات النيابية حيث انقلبت الأكثريات في الحكومة ومجلس النواب لمصلحة "حزب الله".


المقلق في هذه التدابير الأخيرة التي اتخذتها الخزانة الأميركية هو الإطار الزمني والجيوسياسي الذي يرافقها. المقلق هو ما يمكن أن تليها من خطوات وتدابير مماثلة إذا أخذ الصراع مع إيران منحىً تصاعدياً. من المفارقة أن يكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عرّاب سيدر، هو من دخل على خط التهدئة بين طهران وواشنطن. ماذا لو لم تنجح مساعيه؟ أين وكيف سيكون الرد الإيراني وبأي سلّة من العقوبات الجديدة سوف تقابلها واشنطن؟


علاقة لبنان بالخارج هي على المحك، في لحظة إقتصادية هو بأمس الحاجة إلى هذا الخارج، ومرة أخرى سيدر خير شاهد على ذلك. صحيح أن العقوبات صادرة عن واشنطن فقط، لكن التجربة علّمت أن واشنطن تبدأ والآخرين يلحقون. حتى الأوروبيون وبالرغم من مصالحهم العميقة في الإقليم لم يستطيعوا إيقاف محدلة ترامب، وبينهم من قرر أخيراً اللحاق بها. وسلّة العقوبات الأخيرة ليست سوى رسالة إضافية للذي ما زال يرفض التمييز بين السياسي والعسكري.

لبنان السياسي الذي لم يستطع تحييد نفسه، وبالرغم من كل التسويات التي عقدها، يجد نفسه في عين العاصفة. كل هذا يرفع منسوب المخاطر اللاحقة بلبنان في أعين من يقيّم أوضاعه ويصدر بشكل دوري التصنيفات الإئتمانية. لنقلها بصراحة، أخطر ما يحدق في الوضع الإقتصادي في المرحلة المقبلة هو تخفيض ائتماني آخر مماثل لما حصل مع وكالة موديز. فمفاعيل تخفيض آخر مماثل سوف يلقي بتداعيات كبيرة على الوضعين المالي والمصرفي، وسوف يجبر المصارف على اتخاذ سلّة من التدابير، المتعلقة بشروط ملاءتها ورسملتها وحركتها، هي، والإقتصاد بمكوناته معها كافة، بغنى عنها. نقول هذا الكلام ونحن ننتظر تصنيف "ستاندارد ان بورز" في الأسابيع أو الأيام المقبلة. لبنان السياسي الذي لم ينجح في تحييد نفسه عن الصراعات في الإقليم لم ينجح أيضاً في تحييد إقتصاده. الإقتصاد ليس أرقاماً وهندسات مالية إنما هو أولاً بقاء شبابنا في وطنهم وحياة كريمة لمواطنيه. هذا الإقتصاد يدفع ثمن نظام لم يُشرّع الفساد فحسب إنما شرَّع الأبواب أمام عواصف الإقليم .