سولين شالفون فيوريتي

معلّمات سرّيات يتحدّين "طالبان"

23 كانون الثاني 2023

المصدر: MARIE CLAIRE

02 : 00

فتيات أفغانيات في مدرسة سرّية | أفغانستان، 24 تموز 2022

في أفغانستان، يمنع أصحاب السلطة الجدد الفتيات من التعلّم بعد عمر الثانية عشرة. لكن رغم المخاطر المطروحة، انضم عدد كبير من الشابات، بما في ذلك بعض الطالبات السابقات في المدارس الثانوية، إلى واحدة من عشرة آلاف مؤسسة تعليمية سرية في البلد. تنقل أولئك الشابات معارفهنّ إلى الآخرين داخل المنازل، أو في الطابق الأرضي للمدارس الثانوية، أو في فناء مسجد معتدل، مع أنهن يُعرّضن حياتهن للخطر.



تسير 17 فتاة بخطوات صغيرة على طريق صخري، ويتوجّهن نحو مسجد كبير وراء منحدر. في ذلك المكان، تعطي ساليما البالغة من العمر 18 عاماً حصصاً دراسية سرية بموافقة ضمنية من المُلا. عادت "طالبان" إلى السلطة في 15 آب 2021، بعد عشرين عاماً من التمرد المسلّح. وفي شهر آذار، أصدرت الحركة مرسوماً يمنع الفتيات الأفغانيات من متابعة تعليمهنّ بعد الصف السادس، فحرمت بذلك حوالى مليون فتاة من الذهاب إلى الجامعات والمدارس الثانوية. يبدّد هذا القرار الوحشي واحداً من الإنجازات الغربية النادرة التي تحققت في أفغانستان. وفق معطيات البنك الدولي، ارتفعت نسبة الفتيات في التعليم الثانوي من 7 إلى 40% في عهد الجمهورية الأفغانية.

وبحسب مصادر اليونيسف، يشمل البلد حوالى عشرة آلاف مكان من هذا النوع، وتقصد فتيات من جميع الأعمار تلك المؤسسات. ترغب الوكالة في تجهيز عدد مضاعف بحلول نهاية العام 2023، مع التركيز على تقديم المعدات المدرسية كي يستفيد منها حوالى 600 ألف طفل. تتسم هذه الأماكن بمزايا بالغة الأهمية. غالباً ما تقع بعيداً عن رقابة "طالبان"، ولا تحمل أي مؤشر على خضوعها للحكومة السابقة. تُنظَّم الحصص في معظم الأوقات داخل المنازل، تحت مسؤولية أب الأسرة، فتنشأ بذلك بيئة مقبولة ثقافياً بالنسبة إلى العائلات المحافِظة، لا سيما في المناطق الريفية.

في المقابل، تبدو الأجواء مختلفة جداً في مدرسة خاصة في أحد أحياء كابول الثرية. خلال فترة الاستراحة، تخترق الضحكات الصاخبة الجدار السميك المحاط بأسلاك شائكة، وتملأ الشارع كله، وتندمج مع صرخات بائعي المثلجات. تحمل يافطة على الباب رسوماً بسيطة، لكنها أصبحت شائعة جداً منذ بضعة أشهر: إنها صورة حجاب أسود كامل وبرقع، وهي مصحوبة بمرسوم شرعي يجبر الأفغانيات على تغطية كامل أجسامهن ووجوههنّ تحت طائلة فرض عقوبات ضد رجل من العائلة. من الآن فصاعداً، تُمنَع المرأة أيضاً من السفر وحدها، أو العمل في القطاع العام (إلا في حالات استثنائية قليلة)، أو حتى التسوّل، وممارسة الرياضة، والتنقل من دون محرم، أو دراسة مواد معينة في الجامعة.

لكن تبرز مفارقة مريرة في الظروف الراهنة: منذ انتهاء الحرب الأهلية، لم يسبق أن بدا الوضع آمناً بهذا القدر ولم يكن الطلب على التعلّم في المدارس مرتفعاً لهذه الدرجة في المناطق الريفية. في بعض الولايات التي يمزقها الصراع، مثل غزني في جنوب غرب كابول، تذهب مجموعة من الفتيات إلى المدرسة الابتدائية للمرة الأولى. وفق أرقام البنك الدولي، بدأ نصف الأُسَر الريفية يرسل الفتيات الصغار إلى المدارس، علماً أن هذه النسبة كانت تقتصر على الثلث في السنة الماضية. وإذا أُعيد فتح جميع المدارس الثانوية، سيفوق عدد الأفغانيات المتعلّمات في عهد طالبان ما كان عليه في عهد الجمهورية المدعومة من الولايات المتحدة. في كابول، لم تحصل المدرسة الخاصة التي زرناها على هذا الخيار.

تابعت فتيات الابتدائي التعلّم هناك، لكن طُرِدت حوالى 70 فتاة من التعليم الثانوي. كذلك، اضطرت إدارة المدرسة للرضوخ لأوامر أخرى. أصبح الحجاب الكامل إلزامياً لجميع المعلّمات، وثمة فصل واضح بين الصفوف والجنسين منعاً لالتقائهما. كل أسبوعَين، تستضيف المدرسة وكلاء وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هم يأتون للتأكد من احترام المعايير الجديدة وعدم تجاوز الفتيات العمر الذي يسمح به القانون. يمكن التعرّف عليهم من معاطف التمريض البيضاء، ويَصِفهم الكثيرون في الشارع الأفغاني بعبارة "الأطباء الأميّين الوحيدين في العالم".

من المعروف أن الأغلبية الساحقة من أعضاء "طالبان" أمّية. تعليقاً على ما يحصل، يقول مدير المدرسة سمير (اسم مستعار) باشمئزاز: "يبدو أنهم مهووسون بحمّامات المدرسة، وكأنهم يتخيلون أن الأطفال يقومون بممارسات جنسية هناك". من وجهة نظره، تهدف جميع القيود التي تفرضها "طالبان" إلى تحقيق هدف واحد: تدمير الفسحة الديمقراطية التي نشأت في آخر عشرين سنة لأن أصحاب السلطة الجدد يعتبرونها رمزاً للفساد الغربي. يعترف سمير بأنه تلقى بعض الصفعات لأنه رفض الانصياع للقواعد الجديدة. لقد أمضى أشهراً عدة وهو يضع ربطة العنق المرافقة للزي الرسمي، مع أن شرطة الأخلاق تعتبرها "رمزاً للصليب المسيحي".

لكن لم يرضخ لهم سمير رغم كل شيء. تختبئ عشرون طالبة سابقة في الطابق الأرضي من مدرسته. هنّ يحملن الدفاتر ويتكلّمن بالهمس في غرفة قاتمة ورطبة، وتوضع كومة من علب الكرتون على المدخل للتمويه. يقول مدير المدرسة: "هذا ما يريدونه تحديداً: إنشاء نظام إسلامي جديد حيث تمضي كل فتاة صغيرة يومها مع الجرذان، مع أن واحداً من أهم تعاليم القرآن يتعلق بتعليم شقيقاتنا وبناتنا". وحدها ابتسامة راليا المشرقة تضيء ظلمة ذلك المكان. هي لا تزال طالبة ثانوية غير عاملة لكنها تحولت فجأةً إلى معلمة. منعاً للفت أنظار الطلاب في الجزء الأعلى من المبنى، تجلس الفتيات في الظلمة. تقول راليا وهي تحمل نظرة تحدٍّ في عينيها: "تعرف أولئك الفتيات ما يجب فعله إذا وصل عناصر طالبان إلينا". وتقول مراهقة أخرى: "إذا حضروا ورنّ الجرس مرة واحدة، سننزل تحت الطاولات ولا نُحدِث أي ضجة. وإذا رنّ مرتَين، يعني ذلك أنهم مرّوا بالمدخل الثاني، وبالتالي لدينا الوقت الكافي للركض والاختباء في المكتبة". من خلال تقديم هذه المعارف، قد تصل الطالبات الأفغانيات السابقات إلى أماكن تتجاوز حدود التعليم السري.

في حيّ ذات شوارع ضيقة ومغبرة، في مكان ما من ضواحي كابول، يمرر رجل فارع الطول مجرفة لتنظيف مقبرة مقابل أقل من 1500 أفغاني شهرياً (حوالى 17 يورو). يُلقّبه الناس في محيطه باسمٍ يوحي بحكاية أفغانية قديمة: "الحانوتي العملاق". هو يحمل صفيحة ريّ بلاستيكية خضراء ويستعملها لغسل القبور بالماء. يهدف هذا الطقس المؤثر إلى منع جفاف حلق الموتى. لكن منذ 15 آب 2021، يسحب "الحانوتي العملاق" خلفه امرأة تلبس رداءً أسود بالكامل.

تحمل ابنته ثريا البالغة من العمر 17 عاماً دفتراً صغيراً فيه أوراق مربّعة. هي تدوّن أسماء الموتى، وتاريخ وفاتهم، ومكان دفنهم، والمسجد الذي أحالهم إلى هذه المقبرة. تعليقاً على هذا العمل، تقول ثريا: "بدأتُ بهذا النشاط كي أقوم بأمر مفيد في الحي". تتناقل عشيرتها مهمة الاعتناء بالمقابر من جيل إلى جيل. تذكر ثريا أن أحداً في عائلتها لم يتقن القراءة والكتابة يوماً، لكن تغيّر الوضع مع جيلها الذي جاء ليكسر هذه "اللعنة" كما تقول. عندما بدأت ثريا تجيد فك الأحرف على مقاعد مدرسة الحي في عمر التاسعة، أطلق هذا الحدث ثورة صغيرة في منزلها.

خلف المنزل المتداعي، يقف رب الأسرة أمام أولاده الخمسة ويعرض عليهم كومة من الواجبات المصحوبة بتعليقات حماسية في مواد متنوعة (فيزياء، كيمياء، جغرافيا، لغة إنكليزية...). تبدو صفحات الدفاتر مرتّبة لدرجة أن تشبه "التُحَف الفنية الصغيرة"، كما تقول الأم وهي ترسم ابتسامة عريضة على وجهها. كانت هذه الأم قد تعلّمت القراءة في مدرسة سرية قبل عشرين سنة، حين كانت حركة "طالبان" تمنع تعليم الفتيات، بين العامين 1996 و2001. هي تقول إن معلمة ثريا تبدو واثقة من نفسها وتتوقع لها أن تصبح طبيبة في أحد الأيام وتُخرِجهم جميعاً من هذه المأساة. بانتظار تحقيق ذلك الحلم، يأكل جميع أفراد العائلة الطعام نفسه: خبز منقوع في الشاي الأخضر، ورز أبيض على العشاء كل يومَين. منذ عودة العمائم السوداء، غرق البلد في ركود اقتصادي هائل. لا يملك 70% من الشعب ما يكفي من الطعام. هذا البلد الذي رزح اقتصاده تحت الأعباء بعد أربعين عاماً من الحرب كان يتكل على المساعدات الدولية للصمود. لكن مع وصول الأصوليين إلى الحُكم، توقفت تلك المساعدات وتراجع الناتج المحلي الإجمالي في أفغانستان بنسبة 40%.

يقول مسؤول في الأمم المتحدة من مقره الآمن (طلب عدم الإفصاح عن اسمه): "الوضع الراهن لا يسمح بتجديد التعاون. أصبحت مسألة تعليم الفتيات مسيّسة لدرجة أن تعطي نتائج عكسية. كلما أصرّ الغرب على هذا المطلب، يصبح أعضاء طالبان أكثر تعنّتاً في مواقفهم ويمعنون في تهميش الجزء الليبرالي الذي يؤيد تعليم الفتيات داخل حركتهم، حتى أنهم يتّهمون هذا الفريق بالتأثّر بالغرب".

لم يعد شقيقا ثريا يجدان من يوظفهما بعدما كانا من العمال المياومين. ارتفعت كلفة المعيشة بدرجة قياسية ويرفض صاحب المُلك تخفيض الإيجار. يقضي أحد الحلول المحتملة بتزويج ثريا للحصول على مهر كبير وتخفيض عدد من يحتاجون إلى الطعام في الأسرة. حين تكلم الأب عن هذا الخيار، رمقه الجميع بنظرات غاضبة. رصدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" هذه السنة زيادة في عمليات "بيع" الفتيات الأفغانيات. تهدف هذه الصفقات في معظمها إلى سد الديون، لكنها تشمل أيضاً زيجات مبكرة داخل العائلات التي اضطرت لإخراج بناتها من المدرسة قسراً.

ترغب ثريا أيضاً في فتح مدرسة سرية لمساعدة ذويها. شرحت لها نسيبتها طريقة العمل وأخبرتها بأنها تستطيع أن تجني حتى 500 أفغاني شهرياً مقابل تعليم كل طالب (أكثر من 5 يورو بقليل). في ما يخص المنهج المعتمد، تستطيع ثريا أن تستوحي دروسها من الحصص المعروضة على الإذاعة النسائية "راديو بيغوم" التي تبث برنامج التعليم الثانوي يومياً منذ سنة. لكن يرفض والدها هذا الخيار حتى الآن لأنه يعتبر فكرة استقبال فتيات بلا محرم في منزله "غير مناسبة" بأي شكل.

مع هبوط الليل، تتزاحم مجموعة من النساء أمام المخبز على أمل الحصول على قطعة خبز. من بين أولئك النساء، يرتفع عدد الفتيات الأمّيات، على غرار 60% من الشابات الأفغانيات اليوم. من دون الأمل الذي تعطيه المدارس السرية، إلى أي حد سيرتفع هذا العدد مستقبلاً؟


MISS 3