إيمي كاستور

إنهيار العملات الرقميّة مستمرّ

27 كانون الثاني 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

شعار Bitcoin على ماكينة الصرّاف الآلي للعملات الرقميّة Coinstar في أحد المتاجر | واشنطن، 19 كانون الثاني 2023

بلغ قطاع العملات الرقمية ذروته في العام 2021، لكنه عاد وانهار في العام 2022. تعثّرت مجموعة من شركات العملات الرقمية الكبرى، واحدة تلو الأخرى، فجرّت معها الكثير من الشركات الصغيرة وتكرّر بذلك سيناريو مشابه للأزمة المالية في العام 2008. انهار صندوق تحوّط العملات المشفّرةThree Arrows Capital (3AC) في شهر حزيران، ثم تبعته منصّتا Celsius وVoyager في تموز. كذلك انهارت FTX، وهي واحدة من أكبر منصّات تبادل العملات الرقمية، في تشرين الثاني، واتُّهِم مؤسّسها واثنان من كبار مديريها التنفيذيين بالاحتيال.





المدير التنفيذي لشركة Grayscaleمايكل سونينشين

الرئيس التنفيذي لشركة Coinbaseبراين أرمسترونغ




كانت هذه الشركات كلّها تتكل على شكل معاصر من تزوير الشيكات المصرفية للتظاهر بالقدرة على السداد مع أن الواقع مختلف. بدل كتابة شيكات بين حسابات مختلفة لتعويمها مؤقتاً بأموال غير موجودة، قدّمت تلك الشركات القروض لبعضها البعض واعتبرت كلّ قرض شكلاً من الأصول.

اليوم، قد تتّجه "مجموعة العملات الرقمية" (DCG) برئاسة باري سيلبرت إلى الإنهيار أيضاً. نجحت هذه المجموعة في الصمود لفترة طويلة وحافظت في الوقت نفسه على سجل قانوني نظيف نسبياً، فتحوّل سيلبرت إلى عبقري في عالم العملات الرقمية. لكن يوم الجمعة الماضي، أعلنت منصّة Genesis التي تشكّل جزءاً أساسياً من DCG إفلاسها. قد يكون سقوط هذه المجموعة آخر مسمار في نعش مصداقية العملات الرقمية. حتى أنه قد يُمهّد لسقوط هذا القطاع بالكامل لأن DCG تُعتبر من أكبر المستثمرين في مجالها.

تستكشف السلطات راهناً وضع DCG والشركات التابعة لها. تفيد التقارير بأن هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية ومكتب المدعي العام الأميركي للمنطقة الشرقية في نيويورك يدقّقان بتدفق الأموال بين DCG وGenesis.

منذ شباط 2021، بـدأت Genesis تستعمل حساب الفائدة الخاص بالعملات الرقمية، Gemini Earn، كأداة لتقديم أسعار فائدة غير متاحة في أي أماكن أخرى للمستثمرين المبتدئين. تقوم Genesis لاحقاً بإقراض المال لكبار المستثمرين، مثل 3AC، ثم تُجدّد تعهّدها بتسديد تلك القروض عبر استعمال مبالغ سابقة لدفع القروض الجديدة، فتحصل شركات العملات الرقمية بذلك على نفوذ غير محدود، بما يشبه أحداث العام 2008.

من الواضح أن حساب Gemini Earn كان عبارة عن عقد استثماري يتوافق مع "اختبار هاوي" الذي شكّل سابقة قانونية في الولايات المتحدة لتحديد العناصر التي تدخل في خانة الضمانات، مثل الأسهم أو السندات أو صناديق الاستثمار المشتركة، ما يعني أنه يبقى تحت المظلة التنظيمية الخاصة بهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية. لكن لم تُسجّله Gemini في هذا الإطار داخل الهيئة. نتيجةً لذلك، اتّهمت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية Genesis وGemini معاً ببيع أوراق مالية غير مسجّلة.

بالإضافة إلى مبلغ 1.1 مليار دولار، تدين DCG لمنصة Genesis بـ525 مليون دولار على شكل عملات صعبة وبيتكوين، وتستحق هذه المبالغ في أيار 2023. أصبحت Genesis بأمسّ الحاجة إلى تلك الأموال، إذ يقال إنها تدين للآخرين بأكثر من 3 مليارات دولار.

قبل إعلان الإفلاس، قال رام أهلواليا، أحد مؤسسي المجموعة الاستشارية المعنية باستثمارات العملات الرقمية Lumida: "السند الإذني هو أشبه بحبل مشنقة حول عنق DCG. إذا انهارت Genesis، فستجرّ DCG معها".

تفتّش DCG اليوم محافظها بشكلٍ هوسي بحثاً عمّا تستطيع بيعه. لكنّ معظم الشركات التي استثمرت فيها DCG لا تملك إلا أصولاً مشفّرة غير سائلة وغير قابلة للبيع. لهذا السبب، باتت DCG مضطرة للبحث عن أصول أعلى قيمة، وتبقى شركة Grayscale أهم ما تملكه من حيث القيمة.

تدير هذه الشركة "صندوق غريسكيل للبيتكوين" الذي يملك 12.3 مليار دولار على شكل بيتكوين، وتصل رسوم الإدارة السنوية في Grayscale إلى 2% (أكثر من 240 مليون دولار سنوياً).

في الوقت الراهن، يقوم "صندوق غريسكيل للبيتكوين" بعملياته عبر خصم 40% على عملات البيتكوين، بعدما كانت هذه النسبة 48% في شهر كانون الأول. لا يملك الصندوق أي آلية واضحة لتسديد الديون، ما يمنح أصحاب السندات أصولاً بقيمة أدنى من السعر المتعارف عليه.

أمضت شركة Grayscale العام 2020 وهي تعرض إعلانات تلفزيونية وطنية وتسوّق "صندوق غريسكيل للبيتكوين" وسط صغار المستثمرين وكأنه شكل حقيقي من البيتكوين. أقدم الكثيرون على شراء الحصص في الصندوق لدعم حسابات التقاعد وراهنوا على نجاحه المستقبلي. لكن خسر "صندوق غريسكيل للبيتكوين" في آخر سنتين 60% من قيمته وتقتصر عملياته راهناً على أكثر من 11$ بقليل مقابل السهم الواحد، علماً أن هذه القيمة كانت قد بلغت ذروتها في شباط 2021 ووصلت إلى 57$.

أبلغت شركة Grayscale المستثمرين بأن الخطة الأصلية كانت تقضي بتحويل "صندوق غريسكيل للبيتكوين" إلى شكل عادي من "صناديق الاستثمار المتداولة" التي تستعمل سعر الأصول الأساسية، لكنها كانت تحتاج إلى إقناع هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية بهذه الخطة. في نيسان 2022، اشترت Grayscale جميع المساحات الإعلانية في "محطة الاتحاد" في العاصمة الأميركية واشـنطن و"محطة بنسلفانيا" في نيويورك، فشجّعت ركاب شركة Amtrak على توجيه الرسائل إلى هيئة الأوراق الماليــة والبورصات الأميركية لدعم طلب Grayscale المرتبــــط بصندوق الاستثمار المتداول. لكن فشلت هذه الحملة ورفضت الهيئة طلب الشركة، مثلما رفضت جميع صناديق الاستثمار المتداولة بالبيتكوين سابقاً، بسبب مخاوفها المبررة من عمليات الاحتيال والتلاعب. تقاضي Grayscale اليــوم الهيئة التنظيمية.

لكن تملك Grayscale خيارات أخرى. بعد إغراق السوق بأسهم "صندوق غريسكيل للبيتكوين" طوال سنوات، توقّفت الشركة عن إصدار حصص جديدة في آذار 2021. وفق القواعد التي تحكم صناديق الائتمان في Grayscale، تسمح هذه الخطوة للشركة بتطبيق برنامج تعافٍ حين تشاء.

لكن يقوم "صندوق غريسكيل للبيتكوين" بمداولاته بمستوى هائل من الخصومات لدرجة أن يسارع أصحاب الأسهم إلى استرجاع حصصهم حين تسنح لهم الفرصة. هذا الوضع قد يقلّص حجم الصندوق بدرجة كبيرة، ما يؤدي إلى تراجع أرباح Grayscale. كذلك، قد ينهار سعر البيتكوين بعد إغراق السوق بكميات هائلة من هذه العملة، فتتراجع قيمة الصندوق بدرجة إضافية وتنتشر الفوضى في بقية قطاعات العملات الرقمية.

صرّح جين غرانت، مؤسس ومدير Levelfield Financial (شركة للخدمات المالية في هيوستن)، لصحيفة "فورين بوليسي": "كَرَدّ بسيط على الحوافز المالية، من المنطقي ألا ترغب Grayscale في اتخاذ أي خطوة قد تعيق مصادر مداخيلها".

إذا اضطرت الشركة إلى تصفية "صندوق غريسكيل للبيتكوين"، فستخسر إمبراطورية سيلبرت آخر مصدر جدير بالثقة للمداخيل. وإذا لم تتم تصفية الصندوق، فستتابع DCG جمع رسومها الإدارية الوافرة لكن سيتحمّل أصحاب الحصص الغاضبون في "صندوق غريسكيل للبيتكوين" خسائر هائلة في هذه الحالة.

"صندوق غريسكيل للبيتكوين" هو كيان مسجّل تحت إشراف هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية. لكن كانت هذه الهيئة تستطيع أن تبذل جهوداً مضاعفة لتحذير الرأي العام من المخاطر المطروحة، ويُفترض أن تقوم بذلك أصلاً. في الوقت نفسه، فشلت تلك الهيئة في إتمام دورها بالشكل المناسب في المرحلة التي سبقت أزمة العام 2008. في آب 2017، كانت شركة Citron Research محقة حين توقّعت انهيار "صندوق غريسكيل للبيتكوين"، فصرّح المسؤولون فيها: "في ظل توسّع البيتكوين، يزيد احتمال أن يخسر "صندوق غريسكيل للبيتكوين" أهميته وتتدفّق بدائل عنه في السوق". هذا ما حصل في بداية العام 2021، عند إطلاق خدمةPurpose bitcoin ETF في كندا.

غالباً ما يصوّر داعمو العملات الرقمية هذا القطاع كمجالٍ يفتقر إلى تنظيمات واضحة. في هذا السياق، أعلن براين أرمسترونغ، المدير التنفيذي لشركة Coinbase (أكبر منصة لتبادل العملات الرقمية في الولايات المتحدة)، بعد انهيار منصة FTX: "لا ترغب الفِرَق التي تُصنّع منتجات لامركزية في مخالفة القواعد، وهي لا تعرف طبيعة تلك القواعد في الوقت الراهن". عملياً، تفتقر العملات الرقمية إلى التنظيمات الواضحة في الولايات المتحدة، إذ تُطبَّق قوانين الأوراق المالية منذ عقود ويبقى "اختبار هاوي" بسيطاً ومبهماً. لطالما افتقر المنظّمون إلى الموارد، لكن بدأ هذا الوضع يتغيّر. في أيار 2022، ضاعفت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية حجم أصولها في قطاع العملات الرقمية ووسّعت قسم الوحدات السيبرانية كي يشمل 50 موظفاً. لكن لا تزال هذه التدابير غير كافية.

يحتاج المنظمون إلى تحسين مصادر تمويلهم واستعمال أدوات قانونية أكثر فاعلية للتعامل مع هذا النوع من الانتهاكات الواضحة. كذلك، يُفترض أن ينشئ المنظمون في الولايات المتحدة ودول أخرى بيئة تبرر أسعار الفائدة المرتفعة التي تفرضها شركات العملات الرقمية.

لن يتعافى قطاع العملات الرقمية إلا إذا امتنع المنظّمون عن سحقه سريعاً قبل أن تنقل فقاعة ضخمة جديدة الأموال من المستثمرين الجدد إلى أصحاب البيتكوين القدامى. لكن لن يتوقف انهيار العملات الرقمية خلال هذه الفترة. من المتوقع أن تفلس شركات أخرى من هذا النوع في العام 2023. كان هذا القطاع قد وَعَد بالتحرّر من الوسطاء الماليين الذين سبّبوا أزمة العام 2008، لكنه عاد وهندس نسخته المصغّرة من تلك الأزمة. باختصار، لا يزال الانهيار مستمرّاً.


MISS 3