سيليا قرضاب حماده

"لا... وألف لا"

5 شباط 2020

17 : 18

علّمونا ألّا نعترض! ألّا ننتفض!

إحترم الأكبر منك سنّاً لأن المثل يقول: "أكبر منك بيوم أخبر منك بسنة".

لا ترفع صوتك أو وجهك في وجه أبيك حتى لو رفع عصاه في وجهك!

لا تقلّل من احترام أمك فقد حملتك تسعة شهور وربّتك، بغض النظر عن أسلوبها في تربيتك.

على المرأة أن تكون خاضعة لزوجها مهما فعل، فهو رأس الأسرة، عفواً ربّ الأسرة فقد استبدلوا ربّها به.

لا تقلّل من احترام رجل دين فهو خليفة الأنبياء على الارض.

لا... لا...لا...

لاءات الترهيب أكثر بكثير من لاءات الرفض. حتى تكاد لاء الرفض تكون غير موجودة وغير مقبولة حتى في نظام المدارس والتعليم. التلميذ الرافض لسلطة أو أسلوب أستاذ أو معلمة ينتهي به الأمر في مكتب الناظر أو المدير، ويقضي معظم حصص الدرس خارج الصف الى أن يتعلم كيف يخضع، والى أن يفهم ما غرسوه في نفوس الطلاب الصغار منذ زمن طويل بأن "من علّمني حرفاً كنت له عبداً".

أدخلوا العبودية والاستعباد حتى الى الحرف والكلمة. فنشأ من يهلّل للسلاطين ويتودّد للحكام بالكلام والشعر حتى لو كانوا على خطأ، وحتى لو كرههم ضمناً. فتبنّي مقولة "اليد التي لا تقدر على عضّها قبّلها وادعِ عليها بالكسر" هي أسلم وأسهل. إدعِ ما شئت بينك وبين ذاتك وارفع يديك بالأماني الى السماء ولكن إياك والتمرد علناً.

في الغرب الذي مرّ سابقاً بكل مراحل تخلّفنا، والذي ينعته كثيرون بالكفر، صار الأمر للقانون والدولة العادلة فقط.

لا.. انت لست حرّاً هناك في أن تتعامل مع أولادك بالعنف، وإن كنت تصرف عليهم مال قارون.

ولا أن تقصّر أمهم في رعايتهم وإن حملتهم تسع سنين في بطنها لا تسعة أشهر فقط.

فإن كنت لا ترعى أولادك كما يفترض، تتدخل الدولة وتأخذ منك أولادك لتحميهم منك الى أن تثبت صلاحية أبوّتك أو أمومتك. إبنتك أو ابنك يستطيع أن يدّعي عليك للدولة، إذا أسأت معاملته أو قيّدت حريته حين يبلغ السن القانونية، فهو مواطن في الدولة وحريته يكفلها القانون فلا شأن لأبوّتك ولا سلطة لها.

الدولة تحمي المرأة ايضاً من رجل عنيف داخل البيت ومن رجال يحاولون التحرش بها حتى لفظياً في مكان العمل أو خارج البيت، ولا دخل لمحاكم مذهبية أو سلطة عائلية في فضّ النزاعات.

هناك لا شأن لرجل الدين بالناس وحياتهم، إلا في إطار أماكن العبادة لمن اختار ارتيادها للتزود بحكمة أو مشورة أولئك، فالقانون مدني والدولة علمانية.

أما في المدرسة، فالويل للأستاذ الذي يرفع مسطرة أو يداً في وجه تلميذ، أو يتعامل معه بعنف أو قلة احترام مهما كانت سنّه. أقل قصاص له هو الطرد. وللتلاميذ الحق في التعبير عن رأيهم بحرية حتى في نقد الأستاذ أو المدير، فلا عبد ولا سيد هناك.

هناك تحترم الآخر حسب أدائه بغضّ النظر عن سنّه ومركزه. فمعظم مصائبنا في هذا البلد هي ممّن هم أكبر سنّاً. يحكمون بدءاً من سن التقاعد المتعارف عليه في أي بلد.

هناك القانون يحميك والكل تحت سقف سلطة القانون، من أعلى منصب حتى أصغر وظيفة في سلم الوظائف.

هناك الرشوة جريمة، وصرف دولار أو يورو أو مارك واحد من خزينة الدولة من قبل أي مسؤول بدون التصريح عن صرفه، أو صرفه على أمر شخصي، يستدعي في أقل إجراء إستقالة المسؤول أو إقالته.

هناك الفرد تعوّد المحاسبة وعدم الرضوخ لأن القانون يحميه ويحمي حقه في الرفض والاعتراض واللاء...

نعم يا عزيزي المواطن، عوّدونا على قبول مقولة "كما تكونون يولّى عليكم" حتى لا نرفض ولا نعترض وحتى نحمّل أنفسنا مسؤولية ما وصلنا اليه. حتى لو كان في هذا الأمر بعض صحة، حتى ولو طال صمتنا وخضوعنا الى أن وصلنا الى هذه الحال.

ولكن لا يا عزيزي... لا!

أنا أرفض هذه المقولة لأن تجارب الدول الناجحة أثبتت العكس وأثبتت أن الصحيح هو:

"كما يولّى عليكم تكونون"!

صحيح أن تلك الدول قد وصلت الى أنظمتها الناجحة بالرفض والانتفاض على الظلم والفساد، بقانون عادل يحمي المواطنين حين ينتفضون. وأحياناً من وُلّي عليهم، ولحسن حظهم، كان حكيماً رشيداً وقائداً بنى دولة قانون ومشى بشعبه وبلاده الى القمم، ولم يحوّل بلده الى قمامة كما فعلوا عندنا!

لذلك سأبقى مع لاء الرفض ولاء الاعتراض ولاء التمرد على الظلم والفساد، ولاء المحاصصة المذهبية والامتيازات.

لاء القمع وكم الأفواه... لاء عدم المساواة بكل اشكالها... لاء الصمت.

نعم للحرية والعدالة والحياة الكريمة.

نعم لكل ما ومن يُعلي شأن الانسان ويرفع رأسه.

ولا... ألف لا، لكل من يحني رؤوس الناس، ولو طال رأسه السماء !