محمد علي مقلد

ترشيح فرنجية إنذار مبكر

1 شباط 2023

02 : 00

في 30-7-2022 كتبت مقالة بعنوان، «الثورة صنعت نواباً، فهل تصنع رئيساً؟» قلت فيها إن نواب الثورة أحدثوا تغييراً نوعياً في تركيبة المجلس النيابي وآليات عمله، وسيكون لهم دور فاعل في اختيار رئيس للجمهورية، والفضل في ذلك يعود للثورة لا لعددهم غير الكافي لتعديل موازين القوى داخله.

في ظل نظام الوصاية كان المجلس النيابي «ينتخب» بالإجماع مرشحاً وحيداً تسمّيه دمشق. بعد خروج الجيش السوري، فرضت قوى الممانعة من حلفاء النظام السوري وأتباعه وأدواته، مرتين على التوالي، آليات غير دستورية في انتخاب الرئيس، وأذعنت الأغلبية النيابية في المرتين للضغوط الإرهابية، متخليةً عن ممارسة دورها كأغلبية.

المجالس النيابية لم تكن هي من يختار الرئيس بل كان يقتصر دورها على المصادقة. تكرّر ذلك ست مرات متتالية على شكل مسرحيات يرفع «الممثلون» في ختامها شارة النصر، مستمرئين مرارة الإذلال والإهانة بتمريغ «سيد نفسه» في وحل الخضوع والإذعان لإرادة السلطان.

برلمان 2022 مرغم على أن يكون سيد نفسه هذه المرة، بعدما خارت قوى السلطان وانشغل الخارج بحروبه وأزماته، ولأن الثورة، وهذا هو الأهم، فضلاً عن أنها تمثلت بنوابها «التغييريين»، شجّعت القوى التي كانت تستكين لأوامر السلطان على التمرد، فخلطت الأوراق وبدّلت المعايير في حساب الأقلية والأكثرية داخل المجلس النيابي.

البرلمانات السابقة كانت تنقسم على الموقف من القضايا والقوى القومية والأممية. في برلمان ما بعد الثورة صار المعيار الحاسم والصحيح للانقسام هو الموقف من «الدولة»، حتى بلغ الإحراج والخجل لدى قوى الممانعة حد التستر على اسم مرشحها، ولدى مؤيديه «المضمرين» حد الخوف من الظهور العلني، حتى باتوا وإياه من «علامات الظهور».

سليمان فرنجية هو المرشح الذي يتسترون على تسميته. هو يتباهى بقدرته، من دون سواه، على حل مشكلة العلاقة مع سوريا ومشكلة سلاح «حزب الله» بفضل علاقاته الودودة معهما، ولم يعرف بعد أنّ علاقات الود غير المتبادلة هذه، هي المشكلة، وأنّ تمسكه بمعايير ما قبل الثورة وبما يحسبه من أوراق القوة بين يديه، كمرشح باسم الممانعة، ليس سوى سبب إضافي لاعتباره مرشح تحدٍ لإرادة اللبنانيين المعترضين على نهجٍ دشّنه نظام الوصاية وأمعن بتدمير الدولة ومؤسساتها وانتهاك دستورها وبلغ ذروته في العهد العوني المشؤوم.

لا حظوظ بالفوز لمرشح التحدي، وإن فاز فسيكون ذلك إيذاناً بانفجار العنف وإنذاراً مبكراً بعودة الحرب الأهلية. نواب الثورة الذين كانوا المبادرين والسباقين إلى طرح برنامج ومواصفات تليق برئيس يجسّد السيادة الوطنية، يستمرون، من خلال اعتصامهم داخل مقر البرلمان، في فضح الملهاة النيابية وفي كسر الحلقة المفرغة المتمثلة بتعطيل جلسات النصاب المفقود، وفي المطالبة باحترام الدستور وعقد جلسات متتالية لانتخاب رئيس للجمهورية.

من موقع تفضيلهم مرشحاً يحمل خطة للإصلاح على مرشح لا يراه أيٌّ من السيادي أو الممانع تحدياً له، يمكن لنواب الثورة أن يضموا جهدهم إلى جهد سواهم من أجل الحؤول دون وصول مرشح ممانع إلى سدة الرئاسة، حتى لو استخدموا سلاح التعطيل، لأنّ التعطيل في هذه الحالة هو تعطيل لسياسة التدمير، ومن أجل إيصال مرشح يتبنى برنامج الثورة في الإصلاح السياسي وفي محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين.