بشارة شربل

"نيترات" رئاسيّة

2 شباط 2023

02 : 00

لو كان لي حقّ اقتراح رئيس للجمهورية يواجه الأخطار المحدقة بالمنطقة وبلبنان لتجاوزْتُ المذهبية، على الأقل، واخترت على سبيل المثال ولأجل المواصفات لا الأشخاص، كاثوليكياً هو: عميد سابق لمعهد العلوم السياسية في باريس ودبلوماسي مُجَلٍّ عَمِل مع الأمم المتحدة وصاحب مؤلفات رفيعة المستوى وموهبة في التحليل والإقناع.

ثم لانتقلت الى أرثوذكسي: رئيس جامعة القديس جاورجيوس ومثقف مشهود له وسياسي ومالك ميزات لا تحصرها جمل قليلة، لكن أهمها ذاك الالتزام المطلق بالعيش المشترك وتثبيت المواطنية والانتماء والحؤول دون "الطلاق".

ولو شطَحَت بي أوهامي لقلت: "وجدتُها"، إنه ماروني من متن جبل لبنان، لا يكسر العرف ولا يثير حساسيات، عضو الأكاديمية الفرنسية تتويجاً لمنزلته بين الروائيين الفرنكوفون، اختصاصي في "الهويات المركبة" التي هي جوهر شخصية اللبنانيين المجتمعين وبـ"الهويات القاتلة" المتفرّعة من خصوصية البلد المصلوب على تاريخ المنطقة وتعقيدات حاضرها.

وإذ أستفيق من أحلامي الوردية الهادفة إلى نقل صورة لبنان من مثالٍ لانحلال الدولة وتهجير الكفاءات والأدمغة، إلى نموذج ملتقى الأديان والحضارات والتفاعل مع الحداثة والثقافة وقيمها، أتذكّر بألم وغضب كيف مررنا ولا نزال بعهودٍ لرؤساء شبه أميين أو فاشلين أو غير ملائمين للمقام وأحواله، وأسأل هل كُتب على شعبنا الزاخر بالمؤهلات أن يسوسه على مستوى الطوائف كلّها من أوصلوه الى الخراب؟ وهنا لا ألقي التبعة على الأقدار ولا ألغي أبداً مسؤولية الناس الذين مدَّدوا في آخر انتخابات لكثير من سارقي أرزاقهم ومدمّري مؤسساتهم ومرفأ عاصمتهم.

لنشرح الموضوع "على بساط أحمدي" كما يقال. أكثر ما يثير الاستياء اليوم استمرار تعطيل انتخاب رئيسٍ استثنائي للجمهورية رغم أنه مفتاح إلزاميّ للبدء بعلاج جسدٍ ملتهب من القلب إلى الأطراف.

حظوظ قائد الجيش تتقدم في لائحة "المبشَّرين" برئاسة البلاد. وإذ رمى وليد جنبلاط حجراً في مستنقع الركود للخروج من المأزق والالتقاء على اسمٍ يشكل قاسماً مشتركاً بين كل الأطراف، فإن "الثنائي الشيعي" واجهه باللجوء اإلى عدَّاد الأصوات لاختبار تنفيذ ما أفصح عنه علي حسن خليل من إمكان انتخاب مرشح المنظومة والخط الممانع سليمان فرنجية بـ65 صوتاً إذا تأمّن النصاب.

هي مسألة تحتاج الى إيضاح. قائد الجيش ليس حلم السياديين ولا رئيس إنقاذ بمواصفات مثالية تعيد بناء الدولة وشرعيتها بلا التباس. هو الأول بين أسماء "فكة مشكل" سِمتُها الوسطية، لكنه خلافاً لادعاءات جبران باسيل، أثبت مهنية ونجاحاً في إدارة مؤسسة الجيش، ولم يُعرَف عنه أي تلوث لا ببواخر نفط ولا بسدود جافة في الشتاء ولا بتواطؤ على حقنا في الخط 29 لتنفيذ أجندة إيران مع الأميركان. ثم إن جوزف عون لم يكن معنياً بطلب ميشال عون التمديد لحاكم مصرف لبنان الذي ثبَت شرعاً أنه محميٌّ من "الثنائي الشيعي" بأشفار العيون.

لائحة المرشحين الوسطيين الأكفاء لا تقتصر على قائد الجيش، لذلك ستكون وقاحة موصوفة بل جريمة "نيترات رئاسية" أن يفرض "الثنائي" على المسيحيين خصوصاً وعلى اللبنانيين عموماً رئيساً بـ65 صوتاً مستولياً على كرسي بعبدا مجدّداً ومكرّراً معزوفة رئيس قد يضع لبنان على طريق الزوال.

ولِعِلم الرئيس بري تحديداً، ليست الرئاسة اليوم مسألة "بوانتاج" ولا لعبة أرقام، مثلما لا تتعلّق قضية القاضي البيطار بالتقنيات وتوقيت الادعاءات. الأولى مرتبطة بمصير بلاد تحتاج الى انتشال اقتصادها ووحدتها، والثانية تلخّص معنى العدالة والأخلاق.