خليل كارافيلي

الولايات المتحدة هي الدولة الغربية الوحيدة التي تكافئ كبار المتبرّعين بمناصب دبلوماسية مرموقة...

مواصفات السفراء الأميركيين في الحقبة الحديثة

3 شباط 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

بشكل عام، ثمة طريقتان أساسيتان كي يصبح الفرد سفيراً للولايات المتحدة: إما أن يطوّر مسيرته المهنية في عالم السياسة أو الدبلوماسية ويكتسب خبرة هائلة في الشؤون الخارجية، وإما أن يملك أموالاً طائلة بكل بساطة.

الترشّح للرئاسة مكلف للغاية، ويحتاج المرشحون من الحزبَين الجمهوري والديمقراطي إلى ماكينات انتخابية ضخمة لجمع التبرعات وتمويل حملاتهم التي تزداد كلفة مع مرور الوقت. نشأ نمط معيّن على مر الإدارات الجمهورية والديمقراطية، حيث يعمد الرؤساء إلى مكافأة الأثرياء الذين يتبرعون بالمال مباشرةً أو يشاركون في جمع مئات آلاف الدولارات، أو حتى الملايين، لصالح المرشّح الفائز، فيتم تعيينهم لاحقاً كسفراء في الخارج.

من وجهة نظر الإدارات الأميركية المتلاحقة، يملك هؤلاء السفراء الخبرات المطلوبة، ولو أن مهاراتهم تبقى خارج مجال السياسة الخارجية، على اعتبار أنهم ينشطون في الأعمال الخيرية، وقطاعات المال والأعمال والسياسة، أو يطوّرون مسيرات مهنية أخرى.

لكن يظن منتقدو هذه الممارسة، بما في ذلك كبار الدبلوماسيين السابقين، أن ما يحصل هو شكل من الفساد "المُقنّع". تابع الرئيس الأميركي جو بايدن هذه النزعة إلى تعيين كبار المتبرعين السياسيين في مناصب السفراء، ولو بدرجة أقل من سلفه دونالد ترامب، مع أن مرشّحاً ديمقراطياً واحداً على الأقل دعا إلى منع هذه الممارسة نهائياً خلال حملته الانتخابية في العام 2020.

لا يمكن التأكيد على تفوّق السفراء في عملهم بحسب خلفيتهم المرتبطة بحملات التبرع أو بخبرة حقيقية في مجالهم. يثبت السفراء مهاراتهم رغم تراجع خبرتهم أحياناً، حتى أن الحكومات الخارجية تبحث عنهم في المراحل اللاحقة نظراً إلى روابطهم الوثيقة مع البيت الأبيض وعلاقاتهم السياسية التي يفتقر إليها السفراء المخضرمون في وزارة الخارجية. في المقابل، قد يتعثر سفراء آخرون رغم خبراتهم المتراكمة على مر عقود والمؤهلات التي تسمح لهم باستلام هذا المنصب المرموق.

لكن لا تقوم أي حكومة غربية أخرى باختيار السفراء من بين كبار المتبرعين في الحملات الانتخابية، وقد أصبحت هذه الظاهرة تحت التدقيق بعدما بدأت الولايات المتحدة تخسر دورها القيادي المطلق في العالم تزامناً مع توسّع النفوذ الصيني على الساحة العالمية.

راجعت صحيفة "فورين بوليسي" المعلومات العلنية والوثائق المرتبطة بحملات التبرع لتسليط الضوء على خمسة بلدان عيّن فيها بايدن كبار المتبرعين كسفراء للولايات المتحدة، واحتسبت المبالغ المعروفة التي تبرعوا بها.

حفاظاً على أعلى درجات البساطة، ركّزنا على المبالغ المؤكدة التي تبرّع بها كل سفير إلى الحزب الديمقراطي مباشرةً أو إلى حملة بايدن خلال الدورات الانتخابية بين العامين 2017 و2020. وبحسب المعلومات المتاحة، شمل البحث أيضاً تقارير عن الأموال التي تم تجميعها وإرسالها عن طريق لجان العمل السياسي، أو تم التبرع بها لصالح قضايا الحزب الديمقراطي والاستحقاقات الانتخابية في آخر عقدَين، لوضع المعلومات في سياقها الصحيح.

لكن نظراً إلى طبيعة التبرعات المعقدة في الحملات الانتخابية داخل النظام السياسي الأميركي، يصعب تقييم المبالغ التي يمنحها كل فرد في بعض الحالات. يقدّم المتبرعون المال إلى حملة المرشّح مباشرةً بشكلٍ فردي (مع الالتزام بعتبة قانونية صارمة)، وإلى لجان العمل السياسي التي تستطيع المشاركة في حملة غير محدودة من الإنفاق السياسي، وإلى حزب الرئيس على المستويات المحلية أو الوطنية، وحتى صندوق تنصيب الرئيس لتمويل المناسبات الفاخرة التي يشهدها أول يوم للرئيس في منصبه. في حالات أخرى، تحصل هذه التبرعات كلها باسم زوجة السفير أو بشكلٍ فردي عن طريق منظمة تابعة له.

صرّح متحدث باسم البيت الأبيض لصحيفة "فورين بوليسي" بأن بايدن "يتعامل بجدّية فائقة مع مسألة اختيار السفراء المكلّفين بتنفيذ أجندة السياسة الخارجية الأميركية حول العالم"، واعتبر جميع خياراته، بما في ذلك الأسماء الواردة أدناه، "أفراداً ذات خبرات عالية كان قد عمل معهم ومنحهم ثقته منذ سنوات".

يطرح هذا المتحدث أيضاً أمثلة عن دبلوماسيين ذات اختصاصات مختلفة اختارهم بايدن كسفراء، بما في ذلك تعيين السيناتور الأميركـي السابق جيف فليك كسفير في تركيا، وجوليان سميث الخبيرة في الأمن العابر للأطلسي كسفيرة لدى حلف الناتو.

لكن اختار بايدن في المقابل عشرات الأشخاص بعد تبرعهم بأموال طائلة لصالح قضايا الحزب الديمقراطي. تحمل القائمة التالية مواصفات السفراء في عهد بايدن:

سويسرا: 419200$

تبرّع سفير بايدن في سويسرا، سكوت ميلر، وزوجه بمبلغ 365 ألف دولار لدعم انتخاب بايدن في العام 2020، وقدّم ميلر شخصياً ما مجموعه 54200 دولار إلى الحزب الديمقراطي مباشرةً وإلى حملة بايدن بين العامين 2017 و2020، وفق تقارير إخبارية وبيانات التبرع للحملات الانتخابية من موقع OpenSecrets.org. لكن تبرّع ميلر وزوجه بما مجموعه 3.6 ملايين دولار تقريباً لصالح المرشحين الديمقراطيين وقضايا حزبهم منذ العام 2010. كان ميلر نائب رئيس قسم إدارة الثروات في شركة UBS، في دنفر. كذلك، يُعتبر هو وزوجه تيم جيل من أبرز الناشطين الداعمين لحقوق المثليين والأعمال الخيرية. في العام 2016، قدّم الثنائي حوالى 1.1 مليون دولار لدعم انتخاب مرشّحة الحزب الديمقراطي للرئاسة، هيلاري كلينتون. تأكد اختيار بايدن لميلر كسفير للولايات المتحدة في كانون الأول 2021. يذكر المتحدث باسم البيت الأبيض "مسيرة ميلر في الدفاع عن المثليين وأعماله الخيرية" كعامل أساسي لتعيينه في هذا المنصب.

المملكة المتحدة: 656980$

عيّن بايدن جين هارتلي، وهي متبرعة قديمة للحزب الديمقراطي وسفيرة أميركية سابقة في فرنسا، كسفيرة لدى المملكة المتحدة. وفق البيانات المرتبطة بالتبرعات الخاصة بالحملات الانتخابية على موقع OpenSecrets.org، تبرّعت هارتلي بمبلغ 645780 دولاراً للديمقراطيين خلال الدورات الانتخابية بين العامين 2017 و2020، و11200 دولار لبايدن شخصياً خلال الفترة الزمنية نفسها. لكن لا تعكس هذه الأرقام جميع الأموال التي أرسلتها هارتلي أو جمعتها لصالح الديمقراطيين عموماً. بين العامين 2007 و2012، يقال إنها جمعت حوالى 2.2 مليون دولار لصالح حملات باراك أوباما، حين كان بايدن نائب الرئيس الأميركي. تُعتبر هارتلي من السفراء السياسيين القلائل الذين يتمتعون بخبرة سابقة في المناصب الدبلوماسية المرموقة في إدارة بايدن، وقد استعمل المتحدث باسم البيت الأبيض هذا الجانب للدفاع عن قرار بايدن بتعيينها في لندن. كانت هارتلي تعمل لصالح الحزب الديمقراطي وعدد من شركات البث والمجموعات الاستشارية على مر مسيرتها المهنية، وأصبحت السفيرة الأميركية في فرنسا وموناكو خلال عهد أوباما، بين العامين 2014 و2017.

كندا: 514378$

كان ديفيد كوهين مديراً تنفيذياً لشركة Comcast وعضواً في مجموعة ضغط، وسرعان ما أصبح وجهاً معروفاً في عالم السياسة والأعمال الخيرية في فيلادلفيا. خلال الدورات الانتخابية بين العامين 2017 و2020، تبرّع كوهين بمبلغ 514378 دولاراً لصالح الديمقراطيين وبايدن.

لكن يُعتبر هذا المبلغ الحد الأدنى من التبرعات المحتملة وليس العتبة القصوى، فقد وَرَد اسم كوهين على قائمة أهم 800 جامع تبرعات لصالح حملة بايدن في العام 2020، علماً أن هذه القائمة تشمل أفراداً شاركوا في جمع 100 ألف دولار على الأقل لصالح الحملة الرئاسية. لكن لم تتضح المبالغ الإضافية التي جمعها كوهين بنفسه لصالح بايدن.

كينيا: 917599$

أصبحت ميغ ويتمان الآن سفيرة بايدن في كينيا التي تُعتبر من أقوى الدول الأفريقية اقتصادياً وأهمها دبلوماسياً. كانت ويتمان في السابق مديرة تنفيذية في شركات مثل eBay وHewlett-Packard وقد وضعتها مجلة "فوربس" يوماً في قائمة أقوى نساء العالم. تبرّعت ويتمان سابقاً لصالح الجمهوريين وقد ترشّحت عن هذا الحزب لمنصب حاكمة كاليفورنيا في العام 2010، لكنها انتقلت إلى دعم الحزب الديمقراطي بعد اعتراضها على ترامب ووصوله إلى أعلى مراتب الحزب الجمهوري. في العام 2020، تبرعت ويتمان بمبلغ 500 ألف دولار لصالح "صندوق بايدن فيكتوري" (لجنة مشتركة لجمع التبرعات)، وتبرعت أيضاً بمبلغ منفصل قدره 417599 دولاراً إلى الديمقراطيين وبايدن شخصياً خلال الدورة الانتخابية بين العامين 2017 و2020.

تعليقاً على تعيين كوهين في كندا وويتمان في كينيا، يقول المتحدث باسم البيت الأبيض: "تم تعيينهما في هذا المنصب نظراً إلى مسيرتهما المميزة في قطاع الأعمال وقدرتهما على خدمة المصالح الأميركية الاقتصادية في الخارج".

الأرجنتين: 148630$

اختار بايدن المحامي المرموق في دالاس، مارك ستانلي، ليكون سفيره في بوينس آيرس. تبرع ستانلي وزوجته ويندي بمبلغ 1.5 مليون دولار على الأقل لدعم قضايا الحزب الديمقراطي في آخر عقدَين، وفق مصادر صحيفة "دالاس مورنينغ نيوز"، وكانا من أهم المشاركين في جمع التبرعات لصالح بايدن ومرشحين آخرين عن الحزب الديمقراطي. كذلك، قاد ستانلي فرعاً من حملة بايدن في العام 2020، بعنوان "محامون من أجل بايدن"، لتسهيل تنظيم المحامين ودفعهم إلى التبرع بخدماتهم القانونية لصالح حملة الرئيس. خلال الدورة الانتخابية بين العامين 2017 و2020، تبرع ستانلي بمبلغ 148630 دولاراً إلى الحزب الديمقراطي مباشرةً. دافع المتحدث باسم البيت الأبيض عن اختيار بايدن لستانلي كسفير في الأرجنتين نظراً إلى "مسيرته المهنية كواحد من أفضل المحامين وأشرس المدافعين عن اليهود منذ أربعة عقود".


MISS 3