من أوراق التحقيقين اللبناني والأوروبي

شاهدا سلامة في قضية "فوري": واحد مرحوم والثاني شبح!

02 : 00

رجا ورياض سلامة

*التحقيق اللبناني: عمولات "فوري" بقيمة 330 مليون دولار لم تخضع للتدقيق والضوابط الرقابية المعتادة

*لا تملك الشركة ترخيصَ وسيطٍ وليس لديها موظفون ورواتب ولا خط هاتف ثابت ولا حتى أوراقاً رسمية

*في الاستجواب سُئل رجا سلامة عن سبب ادعاء البنوك أنها لم تسمع عن "فوري" فقال: إسألوا رياض

*القاضية الفرنسية: رياض سلامة ألزم مصرف لبنان مع شركة بموجب شروط عقد غير موجود قانوناً



شركة بلا عملاء وعقد غير قانوني، ووسيط مزعوم نقل أسراره إلى القبر، اضافة الى شخص شبح وقع العقد: وثائق قضائية تكشف الآليات التي سمحت لحاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة وشقيقه رجا بالربح المزعوم من المعاملات بين الجهة الرقابية (البنك المركزي) والمقرضين المحليين (البنوك التجارية)، وفق تقرير نشرته "ذا ناشيونال" ومصادر التحقيقين الاوروبي واللبناني. بدأ المخطط، الذي نتج عنه اختلاس مزعوم بمبلغ 330 مليون دولار من مصرف لبنان، في 6 نيسان 2002، عندما وقع مصرف لبنان عقداً مع شركة Forry Associates Ltd، وهي شركة مسجلة في جزر العذراء ومملوكة لشقيق الحاكم، رجا سلامة. كان من المفترض أن تعمل شركة Forry كوسيط بين البنك المركزي والمصارف التجارية في شراء وبيع الأدوات المالية مثل السندات الدولية وسندات الخزانة اللبنانية وشهادات الإيداع. وفي ما يلي ما جاء في تحقيق خاص نشرته "ذا ناشيونال":

***

بموجب شروط العقد، تكسب Forry أتعاب الوسيط بنسبة تصل إلى 0.38% من قيمة المعاملات بين مصرف لبنان والمقرضين. لكن التحقيقات الأوروبية واللبنانية تشتبه في أن "فوري" كانت أداة مصممة لسرقة الأموال من البنك المركزي من خلال تحصيل العمولات من دون تقديم أي خدمات فعلية في المقابل. كان رياض سلامة، الذي تمت الإشادة به في السابق كأحد أفضل محافظي البنوك المركزية في المنطقة، يخضع لتدقيق شديد منذ انهيار الاقتصاد اللبناني في العام 2019، حيث ألقى كثيرون باللوم على سياساته النقدية في المشاكل المالية التي يعاني منها البلد.

منذ العام 2020، كان هناك ما لا يقل عن ستة تحقيقات أوروبية، وسط شكوك بأن عمولات "فوري" تم غسلها واستخدمها الحاكم ومقربون منه له لشراء عقارات أوروبية فاخرة من خلال عمليات متتالية متعددة المستويات. وقد نفى الأخوان سلامة في السابق ارتكاب أي مخالفات، حيث ادعى رياض أن ثروته قد تم الحصول عليها بشكل قانوني من خلال استثمارات قام بها قبل تعيينه حاكماً لمصرف لبنان في العام 1993.

عقد غير موجود من الناحية القانونية

تظهر التحقيقات وجود عقدين مختلفين بين "فوري" والبنك المركزي. تم التوقيع على النسخة الأصلية في العام 2002 من قبل الحاكم وممثل لفوري يدعى كيفن والتر. من هو السيد والتر بالضبط؟ لا يزال لغزاً لأن المحققين لم يتمكنوا من التعرف اليه أو تحديد مكانه. وكتبت القاضية الفرنسية التي تقود القضية، Aude Buresi، أن هويته "لا تظهر في أي مستند تم تقديمه إلى بنك HSBC" سويسرا، حيث كان لدى Forry حساب. وقال رجا سلامة في شهادته في التحقيق اللبناني في العام 2021 إن السيد والتر كان "موظفاً في شركة فوري"، و "عاش في أوروبا وليس في لبنان". ومع ذلك، لم يتمكن من تحديد البلد الذي أقام فيه.

في العام 2015، طلب HSBC نسخة إضافية من العقد الذي تم توقيعه هذه المرة من قبل رجا سلامة. ووفقاً للقاضية الفرنسية التي تحقق في القضية، "لكي يكون العقد ملزماً قانوناً، لا يمكن توقيعه إلا من قبل أحد مديري شركة Forry". لم يظهر رجا سلامة ولا كيفن والتر في قائمة مديري "فوري"، مما يعني أن "رياض سلامة ألزم مصرف لبنان مع شركة بموجب شروط عقد غير موجود قانوناً"، كما كتبت القاضية الفرنسية.

وسيط بدون عملاء

بموجب عقدها مع مصرف لبنان، طُلب من "فوري" البحث عن مستثمرين لشراء المنتجات المالية لمصرف لبنان. ومع ذلك، لم يتمكن المحققون من تحديد قائمة العملاء التي قدمتها "فوري" إلى البنك المركزي. وفي التحقيق اللبناني، قال رجا سلامة إنه لا يعرف عملاء "فوري" لأن دوره كان "لوجستيًا فقط"، من دون توضيح ما ينطوي عليه ذلك. في المقابل، يُزعم أن شقيق الحاكم هو المالك الوحيد لشركة Forry. وزعم رجا سلامة أن الوسيط الفعلي بين العملاء والبنك المركزي رجل يدعى عبدو جفي، مصرفي سابق توفي في العام 2016.

ووفقاً له، كان المرحوم جفي هو الشخص الوحيد الذي يمكن أن يشهد على أنشطة "فوري". ومع ذلك، لم يظهر اسمه في أي من وثائق Forry ولم تر صحيفة The National أي دليل على تورطه. وأثناء البحث في مقر شركة Forry في بيروت عام 2021، وجد المحققون اللبنانيون أن الشركة، التي ليس لديها ترخيص وسيط، ليس لديها موظفون ولا خط هاتف ثابت ولا حتى أوراق تحمل ترويسة. مع عدم وجود أنشطة واضحة ومكاتب فارغة، يبدو أن "فوري" موجودة فقط على الورق.

عمليات سرية وتحويلات مشبوهة

لم تكن البنوك اللبنانية على دراية بأنها كانت تدفع عمولات لشركة يُزعم أنها مملوكة لشقيق الحاكم، كما ان رياض سلامة لم يحدد من الذي سيتلقى العمولات في نهاية المطاف.

في عقد واحد بين مصرف لبنان ومصرف لبناني، تم توفير مضمونه لصحيفة The National، وافق البنك على السماح لمصرف لبنان بخصم عمولة تعادل ثلاثة أثمان 1% من حجم الصفقة (0.375%)، لكن اسم Forry لم يذكر. ووجدت "رويترز" أن الأمر نفسه ينطبق على أربعة عقود مماثلة. عندما سُئل أثناء استجوابه عن سبب ادعاء البنوك أنها لم تسمع عن "فوري"، قال رجا سلامة إن "السؤال يجب أن يوجه إلى البنك المركزي".

في البنك المركزي، لا يبدو أن مدفوعات "فوري" خاضعة للضوابط والرقابة الداخلية المعتادة. القاضي جان طنوس الذي تولى التحقيق محلياً في القضية كتب في مذكرة موجزة: "لا توجد هيئة إدارية تراقب عملية الدفع لشركة فوري". وبحسب التحقيق الذي أجراه، فإن معرفة المدفوعات لـ"فوري" كانت مقتصرة على الحاكم وإدارة العمليات الدولية في مصرف لبنان.

كانت تودع الأموال في حساب خاص في مصرف لبنان ثم تجرى تحويلات دورية إلى حساب Forry السويسري في HSBC عندما يطلب رياض سلامة ذلك.

مخالفات و30 مليوناً غير مبررة


علاوة على ذلك، اكتشف المحققون الأوروبيون وجود مخالفات في التحويلات التي تمت إلى شركة Forry، حيث يبدو أن بعضها قد تجاوز الحد الأقصى المتعاقد عليه عند نسبة 0.38%. قارنوا قيمة عمولات Forry بقيمة المنتجات المالية الصادرة عن مصرف لبنان، بناءً على المستندات الداعمة التي قدمها رياض سلامة، ووجدوا أنه لا يمكن تبرير ما لا يقل عن 30 مليون دولار. كما وجدوا مخالفات في المعاملات الصادرة من الشركة.

"لا يتوافق تشغيل حساب Forry المصرفي بأي حال من الأحوال مع عمل الشركة: لا توجد مدفوعات رواتب، ولا إيجار أو مدفوعات فواتير... تمت جميع معاملات الخصم إلى رجا سلامة، ورياض سلامة عبر أخيه، أو شركات خارجية" كما كتب القاضي الفرنسي في أمر الحجز التحفظي على اصول واملاك مرتبطة بالقضية.

خدعة "عدم التوازن"

يوقع رياض سلامة تعليمات التحويل إلى Forry مع ملاحظة أن هذه الأموال "خارج أموال مصرف لبنان"، حسب التحقيق اللبناني.

وشدد الحاكم في رسالة إلى القاضي طنوس على أنه "من الضروري التأكيد أن جميع العمولات (...) قد دفعت من قبل المؤسسات المالية"، مشيراً إلى عدم اختلاس أي أموال عامة.

قال مايك عازار، الخبير في النظام المالي اللبناني وأستاذ الاقتصاد السابق في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز في الولايات المتحدة، لصحيفة ذا ناشيونال إن "الادعاء بأن هذه العمولات لا تشكل اختلاساً للأموال العامة بل مجرد رشاوى من البنوك، لا يبدو لي انه يشكل دفاعاً صلباً في هذه القضية".

وقال: "لم تقدم (فوري) أي خدمات لكنها حققت أرباحاً بقيمة 330 مليون دولار كانت ستذهب لخزائن مصرف لبنان لولا ذلك، وهذا هو مال عام".

أثارت هذه الحالات الشاذة علامات الخطر في HSBC في العام 2015، عندما رفض البنك معالجة التحويلات التي تبلغ قيمتها عدة ملايين إلى Forry. "بعد هذه الحادثة، لم تعد فوري تتلقى تحويلات بنكية من مصرف لبنان وتم حل الشركة في العام 2016،" كما جاء في التحقيق اللبناني. وقال رجا سلامة إن الإغلاق لا علاقة له بقيود HSBC، وادعى أن الشركة أغلقت بسبب "انخفاض وتيرة العمل في 2015". ومع ذلك، كان هذا هو العام نفسه الذي عزز فيه مصرف لبنان ما يسمى بمعاملات الهندسة المالية، مما أدى إلى زيادة هائلة في حجم المعاملات بين الناظم الرقابي (مصرف لبنان) والمقرضين اللبنانيين (البنوك التجارية).