طوني فرنسيس

السيّدة الأولى

4 شباط 2023

02 : 00

كانت ليندا مطر من جيل النساء اللواتي حفرنَ الصخر بهدوء وإصرار. جيلٌ أخذ على عاتقه قضية حرية المرأة اللبنانية وحقها في العمل والمشاركة المجتمعية، والانتخاب أبرز تلك الحقوق. كان الاستقلال طفلاً عندما انخرطت في النشاط العام. وفي انتخابات 1952 النيابية شهدت كيف ينتخب الذكور لمجرد حملهم الهوية، حتى لو كانوا معوقين أو غير قادرين، فيما المرأة ممنوعة من المشاركة والاختيار. في تلك اللحظة انطلقت حملة حق النساء في التصويت وفي العام التالي، في مطلع عهد كميل شمعون، نالت المرأة اللبنانية انتصاراً كبيراً عندما أعطاها القانون الأول من نوعه في الشرق، حق الاقتراع.


كانت ليندا وإلى جانبها كوكبة من النساء شيئاً فريداً في عصره. اميلي نصرالله وماري صعب وأليس حداد ومرسيل عبد الصمد وغيرهن كثيرات صنعن مستقبلاً مختلفاً للمرأة اللبنانية. في نضالهن الدؤوب من أجل الحقوق على أنواعها، من الأحوال الشخصية إلى الامومة والارث والحضانة، أرسيْن شراكة طبيعية مع الرجل. لم تكن حركتهن نسوية بالمعنى المستحدث، بل مجتمعية قوامها أن لا تغيير تحققه المرأة من دون الرجل، والاثنان لا قيمة لعملهما من دون الوطن. كتبت ليندا مطر في مقدمة مذكراتها الصادرة عام 2013 «من الطبيعي أن تكون علاقة الإنسان راسخة ببقعة الأرض التي تنفس هواءها، وتغذى من سخاء تربتها، وارتوى من ينابيع مائها، وأن يرتبط بها ـ كبيرة كانت أم صغيرة ـ ويدافع عنها. هذه الأرض هي الوطن، وهذا الإنسان، هو المواطن. هذه العلاقة، إضافة إلى كونها طبيعية، هي أيضاً، من أول الواجبات. وعلى المواطن أن لا تكون علاقته بوطنه في أيام السراء فقط؛ فالأرض التي يعيش عليها بحاجة إليه خصوصاً في أيام الضـراء، لأن الانتماء الحقيقي للوطن لا يتجزأ».

وجاء أيضاً: «أعتذر من القارئ، أنا لا ألقي خطاباً ولا أعطي دروساً في الوطنية، إني أنقل شعوري فقط وأعبّر عن إحساسي تجاه وطني لأني أعتبر هذه العلاقة كعلاقة الإنسان بشرايينه ونبضات قلبه».

من هنا انطلقت ليندا مطر، من علاقتها بوطن هو الأساس في رؤيتها، لتصبح أبرز ناشطة سياسية نسائية على مدى عقود، وتتحول وجهاً مألوفاً في أنشطة عالمية تتصل بالمرأة وتحولات الكرة.

كانت هناك على مدى سنوات سيدات كثيرات لمعن كسيدات مجتمع كما يطلق عليهن، لكن مطر بقيت في سيرتها ملتصقة بالأرض والعمل اليومي، في إعداد الدراسات وتنظيم الندوات، ولم تلتحق بفورة النشاطات والجمعيات المستحدثة تمويلاً وبرامج ونشاطاً، ولا بهيئات رسمية فولكلورية تتزعمها نساء رجال الحكم.

بغياب ليندا مطر، السيدة الأولى في مضمارها، تُطوى صفحة مضيئة فيها بدايات تحول المجتمع ووعي المرأة اللبنانية لدورها وموقعها ومستقبلها كجزء من شعبها وليس عنصراً مُضافاً إليه.