كولين ب. كلارك

تخبّط موسكو لتأمين الموارد القيّمة جاء على حساب الأمن الإقليمي...

مجموعة "فاغنر" الروسية تؤجّج الإرهاب في أفريقيا

9 شباط 2023

02 : 00

لاجئون هاربون من العنف يسيرون في السوق الأسبوعي في مخيم مبيرا للاجئين في مالي | موريتانيا، في 7 حزيران 2022

حذر نائب السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة، جيمس كاريوكي، في خطابه أمام مجلس الأمن هذا الشهر، من الدور التخريبي الذي تضطلع به مجموعة "فاغنر" في منطقة الساحل الأفريقي، تلك المساحة الغارقة في الصراعات والممتدّة في غرب وشمال وسط أفريقيا، من السنغال إلى السودان. تعليقاً على الجهة العسكرية الخاصة المرتبطة بالكرملين، استنتج كاريوكي أنها "جزء من المشكلة ولا يمكن أن تصبح جزءاً من الحل".


بدءاً من انتهاكات حقوق الإنسان وصولاً إلى الجشع في استخراج الموارد الطبيعية، لم تهدف مجموعة "فاغنر" يوماً إلى إرساء الاستقرار في البلدان التي تنشط فيها (السودان، جمهورية أفريقيا الوسطى، مالي)، بل يُستعمَل مرتزقة الكرملين في الخارج بطريقة تخدم مصالح البلد، فيتمّ تكليفهم بتجديد الأمن في الأنظمة الكليبتوقراطية مقابل الحصول على سلع قيّمة مثل الذهب، والألماس، واليورانيوم، وموارد ثمينة أخرى.

وفق مؤشر الإرهاب العالمي للعام 2022، سُجّل 48% من مجموع الوفيات المرتبطة بالأعمال الإرهابية حول العالم في أفريقيا جنوب الصحراء، علماً أن ثلاث دول من البلدان العشرة الأولى التي تسجّل أكبر الزيادات في حالات الوفاة المرتبطة بالإرهاب تقع في الساحل الأفريقي: بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر. في الوقت نفسه، لا تزال المنطقة مدجّجة بالسلاح، ويمعن توسّع نطاق تهريب الأسلحة الصغيرة والخفيفة في زعزعة استقرار الساحل الأفريقي.

بحسب تقرير صدر في الأسبوع الماضي، وثّقت "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي" انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، ويبدو أنها ارتُكِبت خلال العمليات العسكرية التي نفّذتها قوات مسلّحة من مالي، إلى جانب مسؤولين أمنيين أجانب، في إشارة غير مباشرة إلى مجموعة "فاغنر".

تكشف الأبحاث التي حللت الممارسات والدروس المستخلصة من جميع حركات التمرد بين نهاية الحرب العالمية الثانية والعام 2009 أن المقاربة التي تطبّقها مجموعة "فاغنر" في أفريقيا ستمعن على الأرجح في زعزعة استقرار البلدان التي تنشط فيها. تاريخياً، فشلت حملات القمع الجماعية والتصعيدية ضدّ المتمرّدين أو النزعة إلى التركيز على العمليات الحربية الناشطة في كبح الصراعات، حتى أنها أطالت مدتها في معظم الحالات بدل وقفها في أسرع وقت. لا تُعتبر منطقة الساحل الأفريقي استثناءً على هذه القاعدة. يؤثر وجود مجموعة "فاغنر" مباشرةً على التهديد الإرهابي المنبثق من تلك المنطقة بثلاث طرق أساسية.

أولاً، من المتوقع أن تزيد انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها مجموعة "فاغنر" مشاكل الشعوب التي تشكّل بدورها أرضاً خصبة لجماعات إرهابية مثل "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" و"الدولة الإسلامية في الساحل الأفريقي"، فيسهل عليها أن تُجنّد العناصر وتؤمّن الموارد اللازمة لتلك الجماعات. في مالي، اتُّهِمت قوات "فاغنر" بارتكاب أعمال وحشية جماعية، وممارسات تعذيب وإعدام تعسفي، وجرائم مشينة أخرى. منذ كانون الأول2021، قُتِل أكثر من ألفَي مدني في مالي، مقارنةً بـ500 فرد على مرّ السنة السابقة. وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، تورّطت مجموعة "فاغنر" في عمليات اختفاء قسري، واغتصاب، وجرائم قتل غير شرعية.

بما أن المتعاقدين العسكريين المنتمين إلى القطاع الخاص لا يُحاسَبون على أي من هذه الجرائم، لأن الدول التي ينشطون فيها تشمل أنظمة قضائية وتحقيقات ضعيفة وغير مستقلة، لا مفرّ من أن يشجّع غياب المساءلة على متابعة هذه الحملة الهجومية. كذلك، لم تتضح بعد طريقة مساءلة المتعاقدين العسكريين من القطاع الخاص أو تطبيق القانون الدولي عليهم، فهم لا يُعتبَرون مدنيين ولا مقاتلين شرعيين في الصراعات. بعدما تكبّدت مجموعة "فاغنر" خسائر بشرية كبرى أثناء قتالها في أوكرانيا، ذكرت التقارير أن رئيس المجموعة، يفغيني بريغوجين، خفّض مستوى المعايير المعتمدة لدرجة أن يجنّد في الوقت الراهن محكومين ومجرمين قادمين من السجون الروسية مباشرةً. من خلال ضمّ مجرمين عنيفين إلى صفوف المجموعة، لا مفرّ من أن تفتقر عمليات "فاغنر" المستقبلية إلى أي معايير أخلاقية في المناطق التي ينشط فيها عناصرها.

ثانياً، من المتوقع أن تخسر الحكومات في الساحل الأفريقي شرعيتها بنظر شعوبها نتيجة علاقات المصلحة التي تجمعها بمجموعة "فاغنر". خلال السنوات القليلة الماضية، حصلت انقلابات عسكرية في مالي، وبوركينا فاسو، وتشاد. لا تزال الحكومات الشرعية تحتكر استعمال العنف، وتفرض حُكم القانون، وتقدّم الخدمات الأساسية للمواطنين. لكنّ البلدان التي تنشط فيها مجموعة "فاغنر" لا تقوم بأي من هذه النشاطات، وهذا الوضع يزيد جرأة الإرهابيين والمتمرّدين والمتطرفين العنيفين الذين يسعون إلى أخذ مكان الحكومة أو التحرّك بموازاتها. تقدّم مجموعة "فاغنر" مساعدتها من دون أي شروط، وبالتالي لن يسمع الدكتاتوريون الأفارقة أي محاضرات عن حقوق الإنسان، ومبادرات مكافحة الفساد، والحُكم الرشيد.

في غضون ذلك، يتدخّل الدبلوماسيون الروس في سياسات البلدان التي تنشط فيها مجموعة "فاغنر". في جمهورية أفريقيا الوسطى، أصرّ مسؤولون من الحكومة الروسية على أن يلغي الرئيس فوستين أرشينج تواديرا القيود الدستورية المرتبطة بحدود الولاية الرئاسية. كذلك، تؤجّج حملات التضليل التي تطلقها مجموعة "فاغنر" والعمليات المؤثرة التي تقودها في أفريقيا جنوب الصحراء المشاعر المعادية للغرب وسط السكان المحليين، ما يؤدي إلى تخريب الديناميات السياسية المعقدة أصلاً. حتى أن عناصر "فاغنر" قدّموا التوصيات إلى الحكام الدكتاتوريين بشأن طريقة إدارة حملاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي لسحق الحركات الديمقراطية.

ثالثاً، ستبقى جميع المكاسب الأمنية عابرة لأن مرتزقة "فاغنر" لا يقدّمون خدماتهم الأمنية إلا عن طريق العمليات الحربية الناشطة، فيتجنبون الممارسات المرتبطة بالتدرّب على مكافحة الإرهاب، مثل تقوية حُكم القانون، ودعم الحُكم الرشيد، وإنشاء سلك قضائي مستقل. لهذا السبب، سمح وجود مجموعة "فاغنر" بتنشيط الجماعات الجهادية التي استولت على الأراضي في أنحاء المنطقة وفرضت سيطرتها فيها. نتيجةً لذلك، حصلت الجماعات التابعة لتنظيم "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" على حرية متزايدة لتنفيذ المناورات وعلى المساحة الكافية لإطلاق عملياتها.




أعضاء من مجموعة "فاغنر" الروسية خلال عرض عسكري في جمهورية إفريقيا الوسطى



تفاقم الوضع بسبب انتقال الغرب من مكافحة الإرهاب إلى التركيز على المنافسة بين القوى العظمى، فضلاً عن سحب عدد من القوات الأميركية والفرنسية من المنطقة وتغيير مواقعها، ما أدى إلى نشوء فراغ في السلطة تتوق مجموعة "فاغنر" إلى استغلاله حين تسنح لها الفرصة. قد يؤدي توسّع نشاطات "فاغنر" في أفريقيا جنوب الصحراء إلى تمدّد أعمال العنف وبلوغها بلداناً لم تكن تتأثر بها سابقاً، بما في ذلك توغو، وبنين، وسنغال، وساحل العاج. ومن المتوقّع أن تسرّع أعمال العنف الخارجة عن السيطرة حركة النازحين داخلياً، ما قد يؤجج المشاكل بين الجماعات العرقية والدينية في المنطقة.

من المستبعد أن تنظر موسكو إلى تورّطها في أفريقيا انطلاقاً من المصالح الأمنية على المدى الطويل، حتى أن مجموعة "فاغنر" اتخذت منحىً معاكساً وراحت تتصرّف بطريقة مفترسة عبر انتزاع الموارد مقابل إرساء الأمن. لكن بعد استنزاف الموارد والمعادن، ستنسحب روسيا وتترك وراءها منطقة متقلبة يسهل أن تتحول إلى ملاذ آمن للجماعات الجهادية.

لهذه الأسباب كلّها، يُفترض أن تعيد واشنطن وباريس وحلفاؤهما النظر بعمليات الانسحاب العسكري من الساحل الأفريقي. من خلال التنازل أمام مجموعة "فاغنر"، يُسهّل الغرب على موسكو ترسيخ نفوذها الإقليمي تزامناً مع جعل هذه المنطقة أخطر من أي وقت مضى.


MISS 3