إجتماع مفصلي في بعبدا اليوم يحدّد مصير "السندات"

السلطة تستجدي... "نقد الصندوق" لا "صندوق النقد"!

02 : 00

من الشعارات التي ملأت جدران العزل في ساحة رياض الصلح تنديداً بممارسات السلطة (رمزي الحاج)

منذ العام 2011 والبلاد تنزف أمام أعين طبقة سياسية عاجزة عن الإصلاح لا بل هي لم توفر جهداً في الإفساد والهدر والإنقضاض على المال العام. منذ ذلك العام بدأ ميزان المدفوعات يسجل عجزاً، حتى دخلت البلاد مرحلة "توأمة العجزين" مع دخول عجز الموازنة المزمن على عجز المدفوعات المستجد، فسقطت البلاد حينها في المحظور. وبالرغم من توالي التحذيرات الدولية والتقارير المنذرة بعواقب وخيمة جراء اتخاذ المسار اللبناني منحى اقتصادياً خطيراً، إستمر أركان السلطة بلعبة المحاصصة الهدامة باسم حقوق الطوائف، غابت الإصلاحات وغُيبّت الهيئات الناظمة، بات الوزير ملكاً يصرف من المال العام، وهو مال مستدان من المصارف اللبنانية أي من ودائع المواطنين بإشراف مصرف لبنان... ومن دون حسيب ولا رقيب.

هكذا تم تبديد قدرات الإقتصاد التمويلية على حساب الأجيال القادمة... دخلت البلاد فراغاً بعد الآخر ولم يجرؤ أحد على معالجة الفراغ لا بالمواقع الدستورية ولا بالفجوة الكبيرة في المالية العامة. لم تفوّت السلطة فرصة لتفويت فرص الإصلاح وضبط الإنفاق العام إلى أن أتت الخطوة القاتلة: سلسلة الرتب والرواتب التي لم يأخذ إقرارها في عين الإعتبار سوى المصالح الإنتخابية والشعبوية. صحيح أنها مطلب حق إنما تطبيقها أريد به باطلاً لأنه لم يرفق بأي إصلاح فتضاعف العجز ولاح الإنهيار في الأفق. استنفر المجتمع الدولي لإنقاذ لبنان خوفاً على استقرار المنطقة الهش، وخوفاً من تدفق اللاجئين السوريين إليه، فجاء مؤتمر "سيدر"، وعد بالمساعدات، حشد أكثر من 18 مليار دولار، ولكنه طالب في المقابل بإصلاحات بنيوية. حتى مجموعة الدعم الدولية التي تضم قوى العالم، من الولايات المتحدة إلى روسيا، من الإتحاد الأوروبي إلى الجامعة العربية، كلها طالبت بالإصلاحات ودخلت في أدنى تفاصيلها، لكن مجدداً كان نظام المحاصصة أقوى من مجموعة الدعم الدولية، فراح أركانه يراوغون ويلتفون على التوصيات القاضية بالإصلاح، ولسان حالهم يقول: كيف نسير بالإصلاحات ونتخلى عن قطاعات باتت محميات لأحزابنا؟

وقتها كان الإنقاذ ممكناً وثمن الخروج من الأزمة زهيداً. إصلاح قطاع الكهرباء وحده كان ليوفّر نصف العجز ويطلق محركات النمو ويفرج عن المساعدات ويصحّح الاختلال في ميزان المدفوعات، غير أنّ أبطال النظام عوضاً عن ذلك تمسكوا بخطتهم للكهرباء وكأنها "كتاب مُنزل"، حاولوا تمويلها من خارج "سيدر" دقوا باب البنك الدولي أولاً، والمصارف اللبنانية ثانياً، لكنّ كل محاولاتهم الالتفافية على الإصلاح باءت بالفشل. لم يبقَ أمام السلطة سوى خيار واحد اعتادت اللجوء إليه: الضرائب هرباً من الإصلاح. عندها كانت ضريبة "الواتساب" الشهيرة... فانفجرت الثورة.

واليوم بعدما جاءت لحظة حقيقة وقوف السلطة أمام مرآة "التفليسة" التي ورّطت اللبنانيين بها، سارعت إلى رفع "الراية البيضاء" لتبادر بعد طول مكابرة إلى دق باب "صندوق النقد" مستجديةً "النقد" بعيداً عن معايير "الصندوق". فالفريق الحاكم الذي يصح فيه القول "على نفسها جنت براقش"، وضع نفسه أمام خيار واحد وحيد: صندوق النقد الدولي. هو خيار مرّ لا شك، لكن حتى الحل الأخير يبقى هذا الفريق عاجزاً عن المضي به قدماً، رفض المساعدة الشاملة لما تعنيه من إصلاحات قسرية فآثر حصر طلب مساعدته بـ"الإستشارة التقنية" فقط... هي نفسها سياسة الهروب إلى الأمام لعلّ وعسى تمكّن أركان السلطة من الإبقاء على مغانمهم ومحمياتهم والنأي بها بعيداً عن دفع فاتورة الفساد وضريبة الإصلاح.

إذاً، طلب لبنان رسمياً من صندوق النقد إرسال وفد لتقديم المساعدة التقنية اللازمة لوضع "خطة مالية واقتصادية إنقاذية شاملة"، بينما "الديون وحدها السلطات اللبنانية من سيتخذ قرارات بشأن التعامل معها" حسبما أكد المتحدث باسم الصندوق مساءً عشية وصول الوفد المنتدب إلى بيروت خلال الأيام القليلة المقبلة. واليوم سيكون ملف الديون وسندات اليوروبوندز الطبق الرئيس على طاولة مجلس الوزراء في قصر بعبدا لتحديد مسار الأمور والخيارات المتاحة بين السداد وإرجاء السداد وإعادة الجدولة.

وبانتظار ما ستخرج به الحكومة، كانت الاجتماعات قد تكثفت أمس في السراي الحكومي لتدارس المخارج الممكنة للتأزم المالي والنقدي واحتل بطبيعة الحال موضوع تسديد مستحقات اليوروبوندز طليعة المباحثات التي شملت لقاء رئيس الحكومة حسان دياب وفداً من البنك الدولي، ورئيس جمعية المصارف سليم صفير الذي بحث معه مسألة "السندات" التي جاهرت الجمعية أمس بطلب تسديدها في وقت يميل موقف دياب إلى خيار التأجيل.

وكشفت مصادر حكومية لـ"نداء الوطن" أنّ اجتماعاً اقتصادياً – مالياً مفصلياً سيعقد صباح اليوم في قصر بعبدا يحضره الى الرؤساء الثلاثة وعدد من الوزراء المتخصصين، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف للتباحث في القرار الأفضل الذي سيتخذه لبنان في موضوع تسديد مستحقات اليوروبوندز، إضافة إلى خلاصات معينة سيضعها سلامة في عهدة المسؤولين إزاء المعطيات الاقتصادية والمالية والنقدية في البلد لكي يُبنى على الشيء مقتضاه في مقررات مجلس الوزراء.

وعشية الاجتماع، أفادت مصادر وزارية متقاطعة "نداء الوطن" بأنّ "الاتجاهات لا تزال ضبابية والأكيد راهناً أنّ الأمور ذاهبة باتجاه انتظار نتائج الاستشارة التقنية من صندوق النقد الدولي"، مشيرةً إلى أنّ "هذه الاستشارة ترمي إلى الاستفادة من خبرات الصندوق في مجال مساعدة الدول المتعثرة لكن من دون الخضوع إلى برنامجه الذي سيكون قاسياً جداً"، وأضافت: "كل المعنيين والخبراء نصحوا بطلب استشارة تقنية فقط، وسيكون على الحكومة أن تكلف مستشاراً مالياً ومستشاراً قانونياً وخبيراً بإعادة الهيكلة لكي تسلك الأمور مسارها السليم في موضوع تسديد المستحقات استناداً إلى الحاجة إلى تشكيل لجنة فوراً تتولى عملية التفاوض مع المؤسسات المالية الدولية".

ورداً على سؤال، تؤكد المصادر أنّ "اللهجة الدولية باتت أكثر من واضحة ولا لُبس فيها وهي تركّز على وجوب البدء بتطبيق الإصلاحات الفورية وإلا لن تكون هناك مساعدات للبنان"، لافتةً في هذا المجال إلى "إصرار الأطراف الدولية على معالجة ملف الكهرباء باعتبارها تضعه على رأس لائحة الأولويات والقرارات الجريئة التي لا بد من اتخاذها لإثبات صدق النوايا الإصلاحية لدى الحكومة".

الاعتداء على زبيب

أما في المستجدات الميدانية على خط الانتفاضة، فقد أفادت تقارير إعلامية بُعَيد منتصف الليل عن تعرض الصحافي المتخصص في الشؤون الاقتصادية الزميل محمد زبيب لاعتداء في منطقة الحمرا إثر انتهائه من المشاركة في ندوة كان يقدمها هناك وتتمحور حول فساد السلطة الذي أوصل البلاد إلى الانهيار الاقتصادي والمالي.


MISS 3