العميد الركن ميشال حروق

بين الواقع والمرتجى

17 شباط 2023

02 : 00

لا يُحسد اللبنانيون على واقعهم المأزوم وهم الذين كانوا يعيشون حياة ترف، لا سيما الطبقة الوسطى التي كانت تستقدم أكثر من سبعين ألف عاملة أجنبية وتقوم برحلات سياحية سنوياً. إلّا أنّ كل ذلك أصبح من الماضي بسبب الأزمة الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية والمالية التي لا تزال من دون حلول جذرية.

المشكلة في لبنان هي أنّ بعض اللاعبين السياسيين لهم امتدادات في الخارج تعكس عدم توافق الفئات اللبنانية على سلّم القيم التي تقوم عليها الدول والذي يوجّه النخب السياسية لاختيار نمط العيش السياسي، الاقتصادي والاجتماعي.

منذ نشأة لبنان الكبير وحتى يومنا هذا لم يكن سلّم القيّم موحداً ولو مررنا بفترة ازدهار، فكانت أولى تلك الأزمات «العروبة» وتمّت معالجتها بالاتفاق على أنّ لبنان «ذو وجه عربي»، وقد دافع عن هذه الفكرة رواد الاستقلال، ثم انتقلنا إلى الجمهورية الثانية حين أرادت فئة من اللبنانيين المشاركة في القرار السياسي الذي باعتقاد البعض كان ثنائياً ثم صار ثلاثياً ضمن فكرة التوافق الجماعي مع الاحتفاظ بحق الفيتو لكلّ مكّون، وقد عالج اتفاق الطائف هذا الوضع، غير أنّ الأمور ما لبثت أن زادت تعقيداً بانخراط فئة من اللبنانيين في أخذ البلد إلى مكان لا يريده القسم الأكبر من المواطنين. لا يمكن لأحد أن ينكر أنّ هذا المحور ساعد في تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي وسجّل انتصارات كبيرة عجز الإخوة العرب عن تحقيقها، كما قاتل قوات تكفيرية مع الجيش اللبناني وطردها من الأراضي اللبنانية، لكن ذلك لا يعطيه الحق بأن يسيطر على قرارات السلطة وأن يأخذ لبنان عنوة إلى مكان لا يرغبه القسم الأكبر من اللبنانيين ولا جزء من أبناء الطائفة الشيعية.

لقد حوّل «حزب الله» فئة من اللبنانيين إلى مجتمع ايراني في كل المظاهر من حيث اللباس ونمط الحياة حتى أصبح هؤلاء كالايرانيين أو بالأحرى كفصيل من الحرس الثوري. ألغى المعارضة بطريقة أو بأخرى وهيمن على الحياة السياسية مستفيداً من اتفاق حصل مع مكون آخر ضمن له التغطية السياسية الضرورية فذهب بعيداً جداً، وهو الآن يؤسس لحرب هي آتية مع أشقاء له، فلا القرارات الدولية تطبّق ولا يألو جهداً بقضم الدولة ومؤسساتها لتغيير وجه لبنان.

حزب لبناني لا يقبل في صفوفه الّا شيعة في بلد يتواجد فيه تسع عشرة طائفة كان عنواناً للتسامح والتعايش، أصبح بيئة للتطرف ما قد يجر البلد إلى مهالك لا تُحمد عقباها لأنّه دفن كل مقومات لبنان وكل الأسس التي بُني عليها هذا الكيان.

هل يمكن السكوت عن هذا الوضع؟

هنالك أصوات تنادي بالفيديرالية وأخرى بالتقسيم، و»الحزب» يتمدد في كل الأماكن الاستراتيجية من دون احترام خصوصية أحد، فهو الأقوى ويسمح لنفسه أن يتجاوز كل الحرمات ويؤجج لردات فعل قد لا تتأخر في القريب العاجل انما لن تتأخر.

ربّ سائل ما هو الحل؟ هل بانتخاب رئيس للجمهورية؟

الجواب هو لا. لا حل للأزمة اللبنانية الاّ بتدخل خارجي يعيد إحياء الحياة السياسية ولمّ السلاح كما اتفق عليه في اتفاق الطائف لأنّ السكوت عن الوضع الحالي ستكون له انعكاسات على لبنان.

هل يريد من بيده السلطة اليوم أن يبقى الوضع على ما هو عليه؟ وباستطاعته ذلك انّما ستنتج عنه أمور عديدة أهمّها الصراع السني الشيعي، التخلي عن الوجود المسيحي الفاعل في هذه المنطقة، ما سيؤدي إلى خلل في النسيج الاجتماعي اللبناني الذي كانت ترضى به الدول العربية والعالم أجمع وقد يؤدي ذلك إلى تحريك القارة العجوز، ماذا لو تحركت مصر او السعودية؟ هل فكّر هؤلاء بما سينتج عن هذه التغييرات؟

اللهم أني بلّغت وإني أحذر من حوادث قد تحصل وستكون مدمّرة على جميع اللبنانيين. يقول أحدهم «عندما تأخذ الدولة («حزب الله») مكان العناية الالهية فمن الطبيعي أن نذكرها في كل مناسبة».


MISS 3