التعاطف... استراتيجية للنجاة؟

13 : 05

يكشف بحث جديد أن تجارب الفئران قد تشكّل نظام إنذار مبكر للقوارض الأخرى! يشير التعاطف إلى القدرة على فهم التجارب العاطفية التي يعيشها الآخرون. نعتبر التعاطف عموماً ميزة نبيلة ترتكز على الشعور بالغير.

لكن تذكر دراسة جديدة أجراها "المعهد الهولندي للعلوم العصبية" في أمستردام أن القدرة على استشعار عواطف الآخرين قد تكون أداة فاعلة لنجاة الفئران.

تقول المشرفة الرئيسة على الدراسة، فاليريا غازولا: "تكشف بياناتنا أن المراقب يتقاسم عواطف الآخرين لأن هذه التجربة تسمح له بالاستعداد للمخاطر. لا يتعلق الهدف بمساعدة الضحية بل بتجنب الوقوع في الفخ نفسه".

يبدو أن شعور التعاطف يخبر الفئران بالأحداث المرتقبة: قد يشكّل رعب فأر آخر أو ألمه تحذيراً مبكراً. في المقابل، تشير سعادته إلى زوال الخطر. نُشرت نتائج البحث الجديد في مجلة "بلوس بيولوجي".

حلل الباحثون التعاطف خلال سلسلة من التجارب واستخلصوا استنتاجات عن مفعول هذا الشعور لدى القوارض، وأرادوا أيضاً التأكد من العوامل التي تنتج أكبر قدر من التعاطف.

وضعت التجارب ثنائيات من الفئران وجهاً لوجه. اعتبر العلماء أحد الفئران "أداة الإثبات" وآخر "المراقب" أو "المتفرج". في كل جولة، كان فأر الإثبات يجفل عند بث تيار كهربائي قصير في كفّيه الأماميَين فيما كان المراقب يشاهده.توضح رون برولز التي شاركت في الإشراف على الدراسة: "عند مشاهدة قفزة الفأر المجاور، يصبح المتفرج خائفاً بشكلٍ مفاجئ أيضاً. بالتالي، ينتقل خوف الفأر الأول إلى المراقب، ويقفز الخوف من فأر إلى آخر. حتى أن الخوف يرتدّ إلى الفأر الأصلي".لاحظ الباحثون أن ردة فعل المراقب أثّرت أيضاً على مشاعر فأر الإثبات تجاه التيار الكهربائي. يبدو أن درجة خوف المراقب تنعكس على شعور الفأر الذي اختبر الصدمة في المقام الأول.

حين لم تظهر ملامح الخوف على المراقب، لم يَخَف الفأر الأول. وحين ارتعب المراقب، انتقل شعور الرعب إلى فأر الإثبات أيضاً. قد يفترض الناس أن منسوب التعاطف يرتفع حين يزداد القرب بينهم. لكن تبيّن أن الواقع مختلف، لدى نماذج الفئران على الأقل.

عند مقارنة استجابات التعاطف لدى فئران لم تقابل بعضها سابقاً من جهة وقوارض تقاسمت السكن نفسه طوال 5 أسابيع من جهة أخرى، لم يبرز أي اختلاف في سرعة انتقال العدوى العاطفية أو قوتها. تظن غازولا أن هذه النتيجة تدعم الفرضية التي تعتبر التعاطف وسيلة للنجاة: إذا كان البقاء على قيد الحياة أكثر ما يهم الفئران، لن يكون التقارب بين مختلف القوارض مؤثراً جداً. لكن تأثرت استجابة التعاطف لدى المراقب بتجربته السابقة مع الصدمات الكهربائية. كانت الفئران المراقِبة التي لم تختبر سابقاً هذه التجربة أقل ميلاً إلى التجاوب مع محنة فأر الإثبات بطريقة واضحة.

يضيف إيفي سويمان، مشرف آخر على الدراسة: "الفئران تشبه البشر: كلما كانت تجاربنا مشابهة لتجارب الأشخاص الذين نراقبهم، نصبح أكثر ميلاً إلى التعاطف مع مشاعرهم. يجب أن نعيش التجربة نفسها كي نشعر بها"!

نجح الباحثون في استعمال تجارب الفئران لرصد علاقة سببية مع منطقة دماغية يربطها العلماء بالتعاطف لدى البشر، وهي القشرة الحزامية الأمامية.

للتأكد من ارتباط تلك القشرة لدى الفئران بالتعاطف، ضخّ الباحثون دواءً يخفف نشاط المنطقة موقتاً.

يوضح المشرف على الدراسة كريستيان كيسيرز: "ما لاحظناه كان صادماً. من دون المنطقة التي يستعملها البشر للتعاطف مع الآخرين، لم تعد الفئران حساسة تجاه أحزان القوارض الأخرى. بالتالي، قد تكون حساسيتنا تجاه عواطف الآخرين مشابهة لحساسية الفئران أكثر مما يظن الكثيرون".

في نهاية المطاف، لن تكون الفئران الفصيلة الوحيدة التي تريد أو تحتاج إلى البقاء على قيد الحياة!