هل يكون الذكاء الاصطناعي مخترعاً؟ ليس بعد!

14 : 22

في معظم الحالات، يُستعمل الذكاء الاصطناعي بكل بساطة كأداة لمساعدة المخترعين، من خلال تجميع قواعد بيانات ضخمة لاكتشاف أدوية واعدة أو مواد جديدة. لكن ماذا سيحصل لو أصبح هذا النظام مسؤولاً بالكامل عن عملية الاختراع بحد ذاتها؟

أراد راين آبوت، محام في "مشروع المخترع الاصطناعي" وأستاذ في العلوم الصحية في جامعة "سوري" في المملكة المتحدة، اختبار هذه الفكرة.

يظن آبوت أن الحالات التي تستدعي استعمال الذكاء الاصطناعي كمخترع فعلي ستزداد مع مرور الوقت، لذا ثمة حاجة إلى تشريع هذا التوجّه. بحسب رأيه، سيكون عدم الاعتراف بالذكاء الاصطناعي كأداة اختراع موقفاً شائكاً من الناحية الأخلاقية، كما أنه سيؤدي إلى عواقب غير مقصودة.في المقام الأول، لا أحد يدعو إلى إعطاء براءة اختراع للذكاء الاصطناعي. من الشائع أن يكون المخترع فرداً ملموساً، بينما تُعتبر الشركة التي توظّف ذلك المخترع صاحبة الاختراع. في الحالة التي يدرسها آبوت، يُعتبر نظام الذكاء الاصطناعي "دابوس" المُخترِع، ويكون ستيفن ثالر، المدير التنفيذي لشركة Imagination Engines، صاحب الاختراع.قد يبدو هذا المفهوم بسيطاً بما يكفي، لكن يشمل قانون براءات الاختراع طرقاً دقيقة جداً لتحديد الملكية: يجب أن يكون المخترع موظفاً أو متعاقداً في الشركة الأم. لكن يوضح بيتر فيني، خبير في بروتوكول الإنترنت في شركة "بوتر كلاركسون"، أن هاتَين الخانتَين قانونيتان ولا يتماشى الذكاء الاصطناعي مع أي منهما. هذا السبب وحده يكفي لرفض تطبيقاته، من دون أن نتطرق إلى ضرورة أن يكون المخترعون أفراداً أو "أشخاصاً طبيعيين".

تتعلق مشكلة محورية أخرى بعدم اقترابنا بعد من إنتاج ذكاء اصطناعي عام، لذا لن يصدّق الكثيرون أن هذا الذكاء هو مخترع حقيقي. لهذا السبب، يظن فيني أن الشركات تميل إلى التكلم عموماً عن "الابتكار بمساعدة الكمبيوتر".

على صعيد آخر، تترافق صفة المخترع مع بعض المسؤوليات المحددة. يقول كريس مامين، محام متخصص في بروتوكول الإنترنت في شركة Womble Bond Dickinson: "لو كانت أنظمة الذكاء الاصطناعي مُخترِعة فعلاً، لتمكنت من المشاركة في إبرام العقود أيضاً". كذلك، كانت لتنجح في منح التراخيص ورفع الدعاوى القضائية. لكنها تعجز عن القيام بأي من هذه المبادرات. منذ بضع سنوات، ناقش صانعو السياسة في الاتحاد الأوروبي احتمال ابتكار فئة "الشخصية الإلكترونية"، لكن تلاشت هذه الفكرة تلقائياً بسبب هذه الاعتبارات العملية.

يضيف مامين: "لن أقول إن أنظمة الذكاء الاصطناعي تجيد حل المشاكل وتعالجها بطرقٍ جديدة ومختلفة لا يمكن أن يتوصل إليها البشر يوماً. لكن على مستوى السياسات المتّبعة، لستُ واثقاً من أن النظام المستعمل راهناً لمنح براءات الاختراع هو الأداة المناسبة لمكافأة التطور الذي تضمنه هذه الأنواع من الحلول. يسهل أن نتخيّل وضعاً يعجز فيه جميع البشر عن تقديم مساهمة كبرى في أي ابتكار، لكني لستُ متأكداً بعد من أننا وصلنا إلى هذه المرحلة".

يظن آبوت أن جزءاً من المشكلة يرتبط بعدم بلوغنا مرحلة تُخوّلنا إعطاء الآلات صفة المخترعين. لهذا السب file:///Users/mac1/Downloads/iStock-1051617224.jpg ب، يحتاج المجتمع إلى حل هذا الوضع في أقرب وقت. هو يعترف بأن الذكاء الاصطناعي لا ينشأ تلقائياً، بل إنه يحتاج إلى التشفير والتدريب وتلقي البيانات اللازمة، لكن لا يعني ذلك بالضرورة نَسْب كل ما يخترعه هذا الذكاء إلى البشر. قد يشارك مئات أو آلاف الناس في برمجة الكمبيوتر الخارق "واتسون" الذي ابتكرته "شركة آلات الأعمال الدولية" (IBM) ويتمتع بالقدرة على حل المشاكل عموماً. لكن حتى لو استعمل "واتسون" تلك الإمكانات ونجح في معالجة مشكلة معينة بطريقة تجعله يكسب براءة اختراع، لم يتّضح بعد أن أياً من هؤلاء الأشخاص يحمل صفات تُخوّله أن يكون مخترعاً حقيقياً.

لكن إذا كان البشر لا يستطيعون إدراج أسمائهم على لائحة المخترعين لأنهم لم يشاركوا في المشروع عن قرب، وإذا كان الذكاء الاصطناعي لا يندرج على اللائحة نفسها كمخترع بحد ذاته، ربما لا يستحق الابتكار براءة الاختراع بكل بساطة. هذا الوضع قد يطرح مشكلة برأي آبوت، لأنه يمنع الشركات أحياناً من استثمار المال في تقنيات الذكاء الاصطناعي ويعيق تحقيق الإنجازات في مجالات مهمة مثل اكتشاف الأدوية. قد لا تكون المنافع الاجتماعية المنتظرة من إعطاء الحقوق للذكاء الاصطناعي بارزة، لكن لا مفر من الاستفادة من تغيير قانون الملكية الفكرية للاعتراف بمساهمات هذا النظام.

من المتوقع أن يُنشَر القرار الخطي الكامل الذي صدر عن "مكتب براءات الاختراع الأوروبي" في نهاية شهر كانون الثاني. أعلن متحدث باسم المكتب أن الذكاء الاصطناعي سيُعتبر على الأرجح أداة مساعِدة بدل أن يكون مخترعاً بحد ذاته في المستقبل المنظور. وبرأي جيريمي سميث، محام متخصص في بروتوكول الإنترنت في شركة Mathys & Squire، قد يتغير القانون لابتكار حق جديد يشبه براءة الاختراع ويأخذ في الاعتبار مساهمات الذكاء الاصطناعي، أو قد يجد الناس بكل بساطة طريقة لإدراج البشر على لائحة المخترعين طوال الوقت. لكن يتحرك المشرّعون دوماً بوتيرة بطيئة جداً.