زوي روبن

هل تُغيّر الحافلات حياة النساء في الأردن؟

18 شباط 2023

02 : 00

شارع الملك غازي في عمّان | الأردن

كانت إيلسا نودزنايا تغادر صفّها في "مركز بوابة الجامعة الأردنية للتدريب" في كانون الأول 2021، حين لاحظت حافلة أنيقة ذات لون كستنائي وهي تمرّ بين السيارات أمامها. كانت تلك الحافلة مختلفة عن المركبات البيضاء القديمة التي اعتادت على مشاهدتها في زحمة السير في عمّان منذ ولادتها. سرعان ما استفسرت عن الموضوع.

كانت هذه المركبة الجديدة جزءاً من شبكة "خط الباص السريع" في عمّان، وهو مشروع بدأ في وقتٍ سابق من تلك السنة ويجمع جوانب من النقل العام المرتبط بالحافلات وسكك الحديد في آن. على عكس الحافلات الأخرى، تتبع المركبات في "خط الباص السريع" مساراتها الخاصة لتجنب حركة المرور. في اليوم التالي، قررت نودزنايا شراء بطاقة لركوب هذا النوع من الحافلات عبر تطبيق على هاتفها الذكي وجرّبت المركبات الجديدة بنفسها.

لاحظت نودزنايا الفرق منذ أول رحلة قامت بها عبر "خط الباص السريع". أصبح هذا الخط الآن جزءاً من تنقلاتها إلى عملها الإداري في شركة زراعية في غور الأردن. تعليقاً على هذه التجربة، تقول نودزنايا: "فور ركوب الحافلة، سنلاحظ وجود مساحة مريحة للجلوس، ومكيّف هواء، وكاميرات، ويبقى عدد من يستطيعون ركوبه محدداً. لا داعي للقلق من أي مضايقات".

على غرار نودزنايا، تتأثر النساء في الأردن بالفجوة القائمة على مستوى سهولة استعمال وسائل النقل العام لأن المرأة تبقى أقل ميلاً من الرجل إلى اقتناء سيارة، ولا يمكن اعتبار شبكة النقل في عمّان بديلاً واقعياً عن السيارات بشكل عام. يمضي أكثر من نصف مستخدمي النقل العام في المدينة ساعة أو أكثر يومياً على الطرقات وينفقون جزءاً كبيراً من مداخيلهم على النقل شهرياً. وتعني زحمة السير الخانقة أن المرأة العاملة تمضي فترة طويلة على الطريق وغالباً ما تعود إلى منزلها بعد غروب الشمس، وهو وضع لا تتقبله جميع العائلات الأردنية.

هذه الظروف جعلت الأردن من البلدان التي تسجّل أدنى مشاركة للنساء في اليد العاملة، إذ تقتصر نسبتهنّ على 14% رغم ارتفاع مستوى التعليم محلياً. ترفض نصف النساء الأردنيات تقريباً الوظائف بسبب سوء وسائل النقل، وفق استطلاع أجرته منظمة "صداقة" الأردنية والمؤسسة الألمانية "فريدريش إيبرت شتيفتونغ" في العام 2018.

تستطيع كل حافلة من "خط الباص السريع" المدعوم من الحكومة أن تَسَع حوالى 50 راكباً، وهي تتنقل كل ثلاث دقائق خلال ساعات الذروة. تكلّف التذاكر في المسارَين الأساسيَين حوالى نصف دينار أردني (0.78$) ويمكن شراؤها عبر الأكشاك أو تطبيقات الهواتف الذكية. في المقابل، اكتشفت منظمة "صداقة" أن نصف النساء العاملات تقريباً ينفقن بين دينار ودينارَين للوصول إلى العمل عند استعمال وسائل النقل العام العادية، بينما ينفق النصف الآخر أكثر من دينارَين. من المتوقع أن يسهم "خط الباص السريع" في زيادة نسبة مستخدمي النقل العام في عمّان من 14 إلى 40% بحلول العام 2025، نظراً إلى تراجع كلفته وتحسّن خدماته بشكل عام.

تتولى شركة "رؤية عمان للاستثمار والتطوير" التي تملكها أمانة عمّان الكبرى إدارة "خط الباص السريع". كان مالك بني حمدان، ضابط الصحة والسلامة في الشركة، قد عمل في شرطة مرور عمّان لأكثر من عشر سنوات قبل بدء العمل في مشروع "خط الباص السريع"، ولطالما تعامل مع مشاكل مرتبطة بغياب الجداول الثابتة والكاميرات الأمنية في الحافلات الخاصة، وعدم وجود محطات معروفة، وحدود سعة الركاب. كانت المرأة تشعر بالانزعاج والضعف في وسائل النقل العام بسبب آخر عاملَين تحديداً.

يريد فريق بني حمدان أن يمنع هذا النوع من المشاكل في حافلات "خط الباص السريع". يراقب الموظفون الأقسام الداخلية لهذه الحافلات عبر كاميرات المراقبة ويديرون مركز اتصال حيث يستطيع الركاب تقديم الشكاوى. من المتوقع أن تصبح هذه الحافلات مُجهّزة مستقبلاً لمراقبة الأقسام الخارجية أيضاً. بالإضافة إلى كاميرات المراقبة، يقول بني حمدان إن أجهزة التعقب الرقمية وإضاءة المحطات أعطت النساء شعوراً متزايداً بالأمان، لا سيما عند التنقل في الفترة المسائية.

في غضون ذلك، سمح نموذج التمويل العام في مشروع "خط الباص السريع" بتحسين ظروف النساء عموماً. غالباً ما تعجز الحافلات الخاصة التي لا تلتزم بجداول زمنية ثابتة عن تطبيق معايير آمنة على مستوى عدد الركاب، ما يعني أن المرأة قد تجد نفسها في مركبات مزدحمة وخالية من أي مساحة شخصية.

يقول حازم زريقات الذي عمل كمخطط للنقل في أمانة عمّان الكبرى في بداية مشروع "خط الباص السريع": "هذه البنية بالذات تجعل الخدمة غير جديرة بالثقة. إذا صعد الجميع إلى الحافلة، قد لا يصلون إلى وجهتهم النهائية دوماً. لا تُعتبر هذه الخدمة جاذبة بأي شكل لأنها تفتقر إلى معايير الثقة. قد تنتظر المرأة في محطة الحافلات في مكان معزول وغير آمن ومن دون أن تعرف كم سيطول انتظارها".

في المقابل، يتلقى مشغّلو "خط الباص السريع" أجرتهم بناءً على الكيلومترات المقطوعة، ما يُشجّعهم على الالتزام بالطرقات المخصصة لهم وفرض حدود معينة على عدد الركاب المسموح به على متن كل حافلة. يأمل القادة في شركة "رؤية عمّان" في أن تفيد هذه التعديلات أكثر المواطنين ضعفاً في المدينة.

لكن لا يزال النطاق الجغرافي لـ"خط الباص السريع" محدوداً حتى الآن. يتم تشغيل مسارَين فقط في الوقت الراهن، وهما يشكّلان معقلَين أساسيَين للنقل في شمال المدينة ووسطها. تقول رندة نفاع، مديرة منظمة "صداقة" وواحدة من مؤسسيها: "للوصول إلى الطرقات المخصصة لـ"خط الباص السريع"، يجب أن يركب الناس في وسائل نقل أخرى، ويفتقر النقل بشكله الراهن إلى الفاعلية والمصداقية والأمان. يبقى "خط الباص السريع" كخدمة بحد ذاتها أفضل من بقية عناصر النظام، لكنه لن يحل المشكلة وحده".

تُخطط شركة "رؤية عمّان" وأمانة عمّان الكبرى لإضافة خطوط أخرى خلال السنوات المقبلة وتنويان توسيع المشروع كي يتجاوز العاصمة أيضاً. تقضي المرحلة المقبلة بإضافة خط من عمّان إلى مدينة الزرقاء في شمال شرق العاصمة. نتيجةً لذلك، سيتمكن حوالى مئة ألف راكب من التنقل بين المدينتَين يومياً بحلول نهاية هذه السنة، وفق مصادر وزارة النقل الأردنية. كذلك، قامت أمانة عمّان بتعديلات أخرى بين بعض خطوط الحافلات و"خط الباص السريع"، فحصل سكان عمّان على شبكة أكبر حجماً من خيارات النقل.

إنطلق مشروع "خط الباص السريع" في العام 2006 بمبادرة من أمين عمّان السابق، عمر المعاني. بدأ فريقه يدرس طريقة توزيع السكان والشركات في عمّان عبر هبات وقروض من البنك الدولي ووكالة التنمية الفرنسية. قيّم هذا الفريق خيار الحافلات مقارنةً بأشكال أخرى من وسائل النقل العام، بما في ذلك الترامواي فوق الأرض ومترو الأنفاق تحت الأرض.

تقول آيات الحسيني، باحثة في برنامج "فولبرايت" تحلل استعمال الجماعات الأكثر ضعفاً لنظام "خط الباص السريع"، مع التركيز على اللاجئين في المقام الأول: "من الأسهل استعمال خط الباص السريع مقارنةً بمترو الأنفاق تحت الأرض أو أنظمة النقل فوق الأرض. وتبدو حافلات هذا الخط الجديد أكثر أماناً وراحة".

يحتاج سكان الأردن إلى تحسين وسائل النقل العام، لكنهم لا يحملون نظرة إيجابية إلى مشاريع البنى التحتية الحكومية عموماً. تطلّب إنهاء "خط الباص السريع" أكثر من عشر سنوات وكلّف ملايين الدولارات. توقف هذا المشروع أيضاً قبل إطلاقه في العام 2011 بسبب انتشار تُهَم مرتبطة بالفساد. قام تحقيق لاحق بتبرئة عمر المعاني وفريق أمانة عمّان من أي مخالفات محتملة، فاستأنفوا العمل لإنهاء المشروع في العام 2015. لكن أدت تلك الادعاءات إلى ترسيخ انعدام ثقة الناس بشبكة "خط الباص السريع" والمشاريع الحكومية ككل.

اليوم، ينقل هذا النظام حوالى 700 ألف راكب شهرياً. أدى ارتفاع الطلب على هذا النوع من الخدمات إلى إطالة مدة الانتظار خلال ساعات الذروة. ورغم التشكيك السابق بمشروع "خط الباص السريع"، يدعو سكان عمّان قادة مدينتهم الآن إلى زيادة سعة النظام لتقليص مدة الانتظار قدر الإمكان، وإضافة مظلات في المحطات، وبدء دوام ليلي.

بدأ السياسيون يتنبهون إلى هذه الملاحظات. في أواخر السنة الماضية، أعلن رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة أن الحكومة تُخطط لإنشاء طرقات جديدة لـ"خط الباص السريع" لربط مختلف المحافظات في الأردن. وداخل عمّان، يُركّز رياض الخرابشة، مدير مشاريع النقل العام والبنية التحتية في أمانة عمّان الكبرى، على تمكين هذا الخط من تغطية العاصمة الأردنية كلها.

تعليقاً على نتائج تحسين نظام النقل، تقول نودزنايا: "لا أريد أن ألازم المنزل بكل بساطة. لطالما أردتُ أن أعمل خارج المنزل. بفضل "خط الباص السريع"، أشعر براحة مضاعفة وأستفيد من سهولة استعمال الحافلة. لكننا نحتاج الآن إلى المزيد من الخطوط والحافلات".


MISS 3