نهاد المشنوق

...وتتّصلُ "كرامتها" دوماً إليه

14 شباط 2020

09 : 10

"لو دامت لغيركَ لما اتّصلت إليك".

كتبها رفيق الحريري على باب السراي الحكومي في العام 1998، حين كان لا يزال رئيساً. قليلون ينظرون إلى ما بعد السلطة، وهم يجلسون على كراسيها. رفيق الحريري كان واحداً من هؤلاء.

تلك الحكمة، فوق صدر السراي الحكومي، شاهدةٌ على الذين دخلوا وخرجوا. هي الثابت وهم المتحوّلون. تذكّر كلّ عابر من تحتها، بأنّ تداول السلطة هو جوهر اللعبة. الزهد الذي تحمله هو ما يصنع قيمتها. ورفيق الحريري، حين نقشها، لم يكن يعرف أنّها ستخلّد ذكره. ولم يكن يعرف أيضاً أنّها ستكون "لعنة" تلاحق خصومه، من طالبي الولاية.

تلك البلاطة، وما عليها، تثبّت اسم رفيق الحريري نفسه، المقيم أبداً في السراي، والمنقوش فيها، حيث تظلّل الداخلين والخارجين.

الغريب أنّ خصوم رفيق الحريري ما زالوا يتعاملون مع رئاسة الحكومة كأنّ الرفيق مقيمٌ فيها أبداً. يهاجمون رئاسة الحكومة، وهم يظنّون أنّهم يهاجمونه، ويريدون أن يأخذوا منه شخصياً ما ملكت يداه من قدرات ونجاحات وكرامة لموقعه وبيئته. يشتمون الحريرية، وفي خلفية قولهم، صورة رفيق الحريري، وليس أيّ أحد آخر. يحمّلون الحريرية كلّ المآسي التي حلّت بلبنان. لا يريدون الاعتراف بأنّ هذا الرجل استشهد بطنّ من المتفجّرات، ذات 14 شباط، قبل 15 عاماً، بسبب وطنيته اللبنانية السيّدة المستقلّة قبل أيّ أمر آخر.

15 عاماً مع رفيق الحريري و15 عاماً من دونه. يحمّلونه وزر الـ15 الأولى، فمن يحمل وزر الـ15 الثانية. ولو افترضنا صحّة ما يدّعيه خصومه، من أنّه سبب المآسي والمشكلات التي كان لبنان يعاني منها، لكانت مشكلاتنا ستنتهي برحيله. لكنّها ازدادت، وتضاعفت.

خصوم الحريرية لا يتوقفون عن محاولة تحجيمها، بالهجوم عليها، كأنهم لا يصدقون أنّ رفيقها قتل واستشهد. حتّى عمر أميرالاي، الذي كان من هؤلاء "الخصوم"، حين أنجز فيلمه بعنوان "الرجل ذو النّعل الذهبي"، إنتهى به الأمر مفتوناً بالحريري، من موقع الخصومة. وفي ختام الفيلم، رفاق المخرج، الشهيد سمير قصير وفواز طرابلسي والياس خوري، حاكموا أميرالاي على هذا الافتتان.

ومثل الخصوم والأعداء، كذلك جمهور رفيق الحريري من المريدين والأنصار والحزبيين والمحبّين. سواء الذين عايشوه، أو الذين سمعوا عنه. كلّهم يتوقّعون من كلّ مشروع، أو نائب، أو وزير، أو رئيس حكومة، أن يعلو إلى درجة "رفيق الحريري". لا يصدّقون أنّ هذا الرجل لن يتكرّر، لا بالمال ولا بالكاريزما، لا بالعلاقات الدولية ولا بالحنكة السياسية، لا بالقدرة على التحمّل، ولا في الإدارة ولا في الإعلام...

لا من قتله يصدّق أنّه قُتِل، ولا من نعاه يُصدّق أنّه مات.

كلّهم ما زالوا ينتظرون أن يعود.

وتلك الكرسي، التي لم تدم لغيره، "تتّصل كرامتُها – دوماً – إليه".