عماد موسى

حبّ الكرسي

14 شباط 2020

01 : 50

جَرى حُبُّها مَجرى دَمي في مَفاصِلي

فَأَصبَحَ لي عَن كُلِّ شُغلٍ بِها شُغلُ

(المتنبّي)

عندما تقرأ هذا البيت الغزلي النادر، وأنت في البيت تشاهد مسترخياً نشرة أخبار متوترة مُستهلّة بديباجة إنشائية، تتمنى لو أن أبا الطيب المتوفي قبل ألف وخمسة وتسعين عاماً، عاش في عصرنا ليشهد على ترجمة حرفية لعلاقة عشق صوفي يسري في دم قائد تاريخي.

من أجل حبّه حارب الأشقاء والأعداء وأهل العشيرة. حارب الكون كلّه.

إستعمل اليد "الفاروطية". إنفرطت المسبحة بين يديه. فرّط بالبلد وببنيه. ضحّى من أجلها. ناضل وفي مشوار النضال الطويل"جاب أجلنا". إكتوى بنار الإنتظار والبعد. تودّد. تنازل. تمسّك. تصلّب. ولما صارت ملكه وشاغلة أيامه، جلس عليها، إرتاح مغمضاً عينيه مستسلماً لنعاس لذيذ. ومع الوقت صار "كيف ما زتيتو بيجي عالكرسي نايم".

أغلبية اللبنانيين يعشقون الكراسي والمقاعد. يقدّسونها. يعتبرون الكرسي مقاماً مقدساً ولو لم يكن كرسياً بطريركياً. كرسي نائب أو كرسي وزير أو كرسي مدير، كرسي محافظ، كرسي بلدي لا يهم... المقتدرون منهم يرصدون مبالغ قد تصل إلى ملايين الدولارات للحصول عليه والتنعم بلقب "سعادة النائب" أو "دولة الرئيس" أو "معاليك" الأقرب إلى جمع معلاق منها إلى لقب ابن دولة. أما غير المقتدرين فيبيعون الناس ما يملكون: أخلاق. ضمائر. طلاقة لسان. محبة. عطاء. خدمة عامة. خدمة خاصة. خدمات إستشارية وسياحية وترفيهية. خدمة ديركسيون وميزان... مرّة ينجحون. مرة يفشلون. مرة يتبجحون مرة يتواضعون مرة يصدقون وفي أغلب المرّات يكذبون. ومتى التحمت أقفية المستوزرين والمستنوبين بكراسيهم، فالتحامها عشقي. تقدر أن تحب الدولار لكن يبقى حبك مصلحياً. الكرسي حميم.

أحلى هدية يقدمها الزوج القطب لحبيبته القطبية مرة كل 4 فالنتاين، كرسي.

أغلى هدية ممكن أن يجيّرها زوج زاهد لزوجته زهيدة كرسي.

أهم إرث يورثه حيّ لحي أو ميّت لحي أو حي لشبه ميت، كرسي.

أرقّ من الحبيب الشاعر في عين حبيبته الرومنسية، كرسي.

أطول حب بالتاريخ اللبناني الحديث والمتوسّط والقديم الذي يجري مجرى الدم في مفاصل شيخ وفتى وأسد... حب الكرسي.

أشد ما يعلّق التسعيني بلذائذ الحياة في لبنان، كرسي.

وأقوى قصص الحب أن تفني عمرك بحب الكرسي وأعظم ميتة أن تموت على "إجر كرسي".


MISS 3