ليندسي كينيدي، نائان بول ساذخرن

نتائج عكسيّة لحرب طالبان على المخدّرات

22 شباط 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

زراعة الأفيون في أفغانستان

فيما تغرق أفغانستان في أزمتها الإقتصادية الكارثية، أعلنت حركة "طالبان" الحرب على المخدّرات، وتستهدف هذه الحملة المحاصيل الوحيدة التي تتّكل عليها مجموعة كبيرة من العائلات الريفية المحرومة لإعالة نفسها (خشخاش الأفيون ونبتة الإيفيدرا التي تحتوي على عنصر يسمح بتصنيع الميثامفيتامين). نتيجةً لذلك، أصبح ملايين الناس معرّضين للمجاعة، وقد تخسر "طالبان" بهذه الطريقة قاعدة مناصريها التي تعيش معاناة كبرى منذ وقت طويل.



يُصِرّ كبار المسؤولين في "طالبان" على اقتلاع المخدّرات بالكامل من البلد ويربطون هذا الحظر بأسباب أخلاقية. لكن يقول المزارعون وجنود منخفضو الرتبة وقادة الأرياف من جهتهم إنهم تلقّوا رسالة مفادها أن هذه الحملة هي تضحية ضرورية للإعتراف بالحكومة وتلقّي المساعدات الإنسانية التي أصبح البلد بأمسّ الحاجة إليها. وفي كابول، حيث حلّقت الأسعار ويقبع مدمنو المخدّرات في مراكز مريعة لإعادة التأهيل، يُصِرّ التجار والمستخدمون على عدم تراجع الكميّات وعلى تحكّم جنود "طالبان" بهذه التجارة حتّى الآن.

تقتصر الطريق من كابول إلى قندهار (عاصمة أفغانستان السابقة في الجنوب، حيث تُزرَع كميّات الأفيون بمعظمها) على 300 ميل، لكنّها تتطلّب 15 ساعة في السيارة. حين قمنا بهذه الرحلة في تشرين الأول 2022، كانت تلك الفترة تتزامن مع ذروة حصاد الرّمان الشهير في تلك المنطقة، لكن بدا المشهد قاحلاً.

بعدما أصبحت أفغانستان بمصاف الدول المنبوذة وباتت على شفير الانهيار المالي، أربك قرار التخلص من خشخاش الأفيون وتصنيع الإيفيدرا الأفغان والمراقبين الدوليين في آن. تُدِرّ سوق المخدّرات في أفغانستان الأموال للشعب أكثر من أي سلعة محلية أخرى: اقتصرت القيمة الإجمالية لمختلف المنتجات الشرعية التي تُصدّرها أفغانستان على 870 مليون دولار في العام 2019، وهي أقلّ بكثير من عائدات سوق الأفيون غير الشرعي الذي تتراوح قيمته بين 1.2 و2.1 مليار دولار.

تكون المخدّرات غير الشرعية التي تنتجها أفغانستان بمعظمها مُعدّة للتصدير. صادرت السلطات الباكستانية، في كانون الثاني 2022، أطناناً من الهيروين والميثامفيتامين والحشيشة، بما في ذلك كمية استثنائية من الهيروين (130 كلغ) أوقفتها الجمارك على معبر "تورخام" الحدودي. في غضون ذلك، بدأ الطلب على الميثامفيتامين يتصاعد وسط جيران أفغانستان، بما في ذلك باكستان وإيران. لكن أصبح جزء كبير من الأفغان من مدمنيها أيضاً. بعد عقدَين من القتال المتواصل، والاعتداءات الإرهابية الوحشية، والفوضى الاقتصادية، ثم عودة نظام "طالبان" إلى السلطة، أُصيب أكثر من نصف الأفغان بإجهاد ما بعد الصدمة، والاكتئاب، والقلق، ومن المعروف أن اليأس يولّد الإدمان. تشير التقديرات الراهنة إلى وجود 3 ملايين ونصف مدمن في أفغانستان، أي ما يساوي حوالى عِشْر السكان.

عكست سلسلة التقارير والأعمال الوثائقية على مرّ السنة الماضية صورة قاتمة عن حملات القمع العنيفة للمدمنين والظروف الوحشية داخل مراكز إعادة التأهيل التي تفتقر إلى التمويل والغذاء، إذ يموت المرضى في حالات كثيرة بسبب سوء التغذية والأمراض أو آثار التوقف عن تعاطي الهيروين.

يقول خالد، مدمن هيروين وميثامفيتامين تحوّل إلى تاجر مخدّرات في كابول وكان قد اعتُقِل خلال واحدة من حملات "طالبان" القمعية السابقة وتم إرساله إلى "كامب فينيكس"، القاعدة العسكرية الأميركية التي تحوّلت راهناً إلى مستشفى تديره "طالبان" لإعادة التأهيل: "هم لا يعطوننا ما نأكله ويضربوننا وكأننا أعداؤهم. لا طعام لنا، لذا نضطر لأكل العشب. لكن إذا شاهدونا ونحن نأكل العشب، سيضربوننا مجدّداً. هم يقولون إنهم يريدون مساعدتنا على وقف المخدّرات، لكنّ ما يفعلونه هو مجرّد تعذيب".

لكن لا ينحصر ضحايا القمع المحتملون داخل الحدود الوطنية. تُزوّد أفغانستان العالم بحوالى 80% من إمدادات الهيروين، بما في ذلك دول أوروبية لم يخترق فيها الفنتانيل (نوع من الأفيون الاصطناعي) السوق بعد. لا شيء يشير إلى تراجع الطلب على الهيروين أو إدمانه رغم نقص الإمدادات، لكن كان هذا النوع من الاضطرابات يتزامن في الماضي مع إغراق السوق ببدائل اصطناعية وحالات وفاة بسبب الجرعات الزائدة، لأن المستخدمين يجدون صعوبة في التكيّف مع التغيّرات الكبرى في مستوى نقاوة المنتجات.

يقول نيل وودز، ضابط شرطة متخفٍّ سابق في المملكة المتحدة يعمل راهناً مع منظمة إصلاح سياسة المخدّرات LEAP UK: "تسود فرضية مفادها أن حركة "طالبان" هي أكبر عصابة في البلد، لكن أصبحت الجريمة المنظّمة والعابرة للحدود محتكرة وتنافسية وقوية أكثر مما كانت عليه في آخر مرّة استلمت فيها "طالبان" السلطة. أخشى أن يُسبب الفنتانيل كارثة كبرى إذا أصبح الحظر ساري المفعول. إذا اكتفوا هذه المرة بقمع الهيروين، فسيكون الانتقال السريع إلى التركيبات الاصطناعية مقاربة أكثر فاعلية وأقل كلفة".

يُصِرّ كبار القادة في "طالبان" على ارتباط منع المخدّرات بدوافع أخلاقية، لكن تبدو اعتراضاتهم انتقائية. في شهر أيلول الماضي، عاد بشير نورزاي، تاجر مخدّرات معروف من قندهار وأحد مموّلي "طالبان"، من الولايات المتحدة بموجب صفقة تبادل أسرى حيث تلقّى "بابلو إسكوبار أفغانستان" الترحيب في مطار كابول من الحشود الهاتفة وكبار المسؤولين في الحركة. في قندهار، يقدّم قادة البلدات، والجنود، والمزارعون، تفسيراً أكثر واقعية لما يحصل.

يقول أولار مجيد، رئيس مركز "طالبان" بالقرب من الحدود الأفغانية الباكستانية، حيث يشرف على 10 آلاف أسرة في منطقة مليئة بطرقات التهريب العابرة للحدود: "ذكر قائدنا أن الحكومات الأجنبية ليست مسرورة من زراعة الخشخاش في بلدنا، وقالوا لنا إن منع هذه الزراعة ضروريّ للاعتراف بالحكومة. بعد تطبيق الجزء المرتبط بنا من الصفقة، حان الوقت كي تنفّذ الحكومة الأميركية ما وعدت به وتعترف بنا وتساعدنا".

بالعودة إلى كابول، ينكر المسؤولون في "طالبان" بشكلٍ قاطع التحضير لأي نوع من المفاوضات. يقول مون علي، مسؤول بارز في قسم مكافحة المخدّرات: "نتمنى أن تتعاون معنا الدول الأخرى لمنع المخدّرات وتُقدّم لنا المساعدة، لكن لم يتواصل معنا أحد حتى اليوم".

في رسالة إلكترونية، اعتبر متحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية قرار الحظر "واعداً"، لكنه اشترط في الوقت نفسه تسجيل تراجع بارز في زراعة الخشخاش أو إنتاج الميثامفيتامين. تعليقاً على تجدّد التواصل بين الولايات المتحدة و"طالبان"، قال المتحدث نفسه: "سبق وأوضحنا أننا سنتابع التواصل مع "طالبان" بطرق واقعية وبما يخدم المصالح الأميركية".

توضح فاندار فيلباب براون من معهد "بروكينغز" في واشنطن: "ما يحصل هو تكرار لأحداث التسعينات. كانوا يطلقون المبادرات نفسها ويتفاوضون ويأملون دوماً في أن يمنحهم الحظر شرعية دولية. لكن في ما يخص عمل المؤسسات وفرص صمود النظام، يُهدّد هذا الوضع قدرتهم على التمسّك بالسلطة".

يقول ستيف بروكينغز، قائم بأعمال سابق في السفارة البريطانية في كابول ومستشار سابق في بعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة في أفغانستان: "قد تستعدّ طالبان لإطلاق مواقف مألوفة من النوع التالي: "نحن نزرع الخشخاش بكل بساطة لأنكم لم تمنحونا المساعدات الإنسانية التي وعدتم بها". إنها مقاربة مناسبة". وحتى لو أراد المسؤولون وقف الاتكال على المداخيل غير الشرعية، فقد تكون هذه المهمة مستحيلة من الناحية المالية.

يعتبر الكثيرون عناصر "طالبان" أقل قابلية للفساد وتلقي الرشاوى من أسلافهم، لكن بدأت التصدّعات تظهر للعلن. في قرى قندهار، يعترف الجنود وقادة المناطق الريفية بأنهم لم يتلقّوا رواتبهم منذ أشهر أو سنوات. كان يمكن تقبّل هذا الوضع حين كانت "طالبان" الجهة الأكثر ضعفاً، لكنّها مسؤولة الآن عن وضع البلد المالي وهي التي قررت منع زراعة الخشخاش التي تشكّل مصدر الدخل الوحيد لعدد كبير من عمّال لا يتلقّون أجوراً أخرى. في غضون ذلك، يتباهى عناصر "طالبان" في كابول بمكاسب قوتهم المستجدة، فيتجوّلون في أنحاء المدينة بسيارات "تويوتا لاند كروزر" الفاخرة أو "مرسيدس جي واغن".

ردّاً على سؤال حول تلقي العائلات الأفغانية الجائعة أي دعم مالي بعد قرار الحظر، يقول علي من قسم مكافحة المخدّرات: "يعرف الأفغان، بصفتهم مسلمين صالحين، أن إطاعة أوامر قائدهم هي الأهم". طوال سنوات، كان قادة "طالبان" يتّكلون على الموالين لهم لتجاوز المصاعب سعياً إلى تحقيق النصر. لكن إذا فشل السلام في إرساء الأمن وشعر المناصرون في الأرياف بالخيانة بسبب توسّع الفجوة في الثروات، فقد يتبخّر ذلك الدعم ويضطر عناصر "طالبان" منخفضو الرتبة لإعالة أنفسهم بأي طريقة.

يسأل خالد وهو يتنهّد بمرارة: "هل تظنون أن عناصر "طالبان" رجال صالحون وأنهم لا يرتكبون السوء؟ لقد كانوا يعجزون عن تحمّل كلفة المركبات بالأمس، لكنهم يملكون اليوم هذه السيارات المكلفة كلّها. وما كانوا يستطيعون تحمّل كلفة الزواج في السابق، لكنّهم متزوجون الآن من ثلاث نساء. هذا هو عملهم: حين يأتون إليك ويعتقلونك ويأخذون مخدّراتك، هم ينقلونها إلى شخص آخر لبيعها".

لكن تنكر "طالبان" هذه التُهَم بشكلٍ قاطع طبعاً. يقول مولوي شير علي حمد، رئيس التحقيقات في وحدة الجرائم المنظّمة التابعة للحركة: "جنودنا وعناصرنا حاربوا طوال عشرين سنة. لا يمكن أن يأخذوا أي رشاوى. كنا نرتدي سترات مليئة بالقنابل ولم نهتم بحياتنا في أي لحظة. كيف يُعقَل إذاً أن نهتمّ بالمال اليوم؟ هذا مستحيل. لن يحصل ذلك يوماً".

لكن من دون طعام، أو مدخول، أو أدوية، أو أبسط الخدمات، يصعب تحمّل تكاليف هذا الولاء. للتمسّك بالسلطة، يجب أن تختار "طالبان" معاركها بحذر. ما لم تحصد منافع اقتصادية حقيقية من قرار الحظر سريعاً (لصالح البلد كله، لا مجموعة من عناصرها فحسب)، فقد تتحول الحرب الجديدة على المخدّرات إلى خطأ سياسي مكلف تقتصر تداعياته على زيادة معاناة المدمنين في أفغانستان وأماكن أخرى.


MISS 3