ستيفن م. والت

5 دروس أساسية بعد أول سنة من حرب أوكرانيا

23 شباط 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط 2022، تكبّد الطرفان أكثر من 100 ألف قتيل، فضلاً عن خسارة آلاف الدبابات والمركبات المدرّعة الأخرى. كذلك، انكمش الاقتصاد الأوكراني بنسبة 30% تقريباً، وتهجّر أكثر من 30% من سكان البلد، وتدمّرت البنية التحتية المحلية، وتضرر 40% من قدرات توليد الكهرباء. لكن لا يبدو أي من الطرفَين مستعداً للتنازل أو حتى التفكير بوقف إطلاق النار، بل إن الروس والأوكرانيين وداعميهم الغربيين مُصرّون على مواقفهم. تحمل الحرب دوماً دروساً قاسية لكن مفيدة، وقد تصبح المعارف والحكمة المكتسبة من هذه التجارب أهم ما يمكن استخلاصه من تضحيات الآخرين لاستعمالها مستقبلاً. في ما يلي خمسة دروس قد يستخلصها القادة وعامة الناس حول العالم بعد سنة على بدء الحرب في أوكرانيا. 


الدرس الأول: سوء التقدير شائع وسط القادة


لقد اتضح الآن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أخطأ حين افترض أن أوكرانيا تعجز عن إطلاق مقاومة جدّية وأن محاولاتها محكومة بالفشل. كما أنه أخطأ في تقييم القوة العسكرية الروسية، وتعنّت أوكرانيا، وقدرة أوروبا الغربية على إيجاد مصادر بديلة للطاقة. لكن ارتكب الغربيون الأخطاء بدورهم، فاستبعدوا احتمال أن تستمر الحرب لسنوات، وبالغوا في تقدير قوة العقوبات الاقتصادية، واستخفوا بعمق المعارضة الروسية للجهود الغربية الرامية إلى استمالة أوكرانيا وجرّها إلى محورهم. في هذه الحالة (كما في حالات كثيرة)، جاء ضباب الحرب ليشوّش رؤيتنا قبل بدء القتال الفعلي بفترة طويلة.



الدرس الثاني: الدول تتوحّد لمواجهة العدوان


تُذكّرنا حرب أوكرانيا بأن الدول في النظام العالمي تُوحّد صفوفها دوماً لمجابهة الأعمال العدوانية المباشرة. أغفل بوتين عن هذا الدرس أيضاً، فقد كان يظن أن أوكرانيا ستسقط سريعاً، وافترض على ما يبدو أن حلف الناتو لن يردّ بهذه القوة. بدل خوض مواجهة مباشرة مع خصم أكثر ضعفاً، تخوض روسيا الحرب ضد بلد مدعوم من تحالف يفوق مجموع ناتجه المحلي الإجمالي الناتج الروسي بعشرين مرة تقريباً. ينتج هذا التحالف أكثر الأسلحة تطوراً في العالم، وقد بدأ يتخلى عن إمدادات الطاقة الروسية.

تتصدى الدول للمعتدين لأنها تقلق من نزعة الغزاة الناجحين إلى خوض تجارب أخرى من هذا النوع. تكون هذه المخاوف خاطئة أحياناً، فقد تكتفي الدول التحريفية بتغيير الوضع القائم بشكلٍ يصبّ في مصلحتها. لكن لا تستطيع دول أخرى التأكد من هذا الوضع، في البداية على الأقل، لذا تقرر توحيد صفوفها لمنع أي مشاكل إضافية أو هزم المعتدي إذا فشل نظام الردع. اتضحت هذه النزعة صراحةً حين قررت السويد وفنلندا التخلي عن حيادهما القائم منذ عقود (بل منذ قرون في السويد تحديداً) وبدأتا مساعيهما للانتساب إلى حلف الناتو. يُفترض أن يدرك قادة العالم الذين يسعون إلى الاستيلاء على أراضٍ لا يسيطرون عليها راهناً أن الأعمال العدوانية المباشرة تدفع الدول القوية الأخرى على الأرجح إلى توحيد صفوفها ضدهم. في هذه الحالة، قد يصبح المعتدي أقل أماناً مما كان عليه حتى لو أطلق عملية عسكرية ناجحة.


الدرس الثالث: لا تُحسم النتيجة قبل نهاية الصراع 


أخطأ بوتين حين ظن أن الحرب ستكون سريعة وقليلة الكلفة. عندما فشل الهجوم الروسي الأولي ضد كييف وتكبدت القوات الروسية خسائر كبرى، استنتجت أوكرانيا أن المساعدات الخارجية السخية، وقوة تصميم الأوكرانيين، والعقوبات الاقتصادية الصارمة، قد تُلحِق هزيمة حاسمة بروسيا، حتى أنها قد تُجرّدها من صفة القوة العظمى. جاءت الاعتداءات المضادة الناجحة بدءاً من الصيف الماضي لتعزز آمال كييف باسترجاع جميع أراضيها المفقودة، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، وبدأ المراقبون يحلمون بتغيير النظام في موسكو.

لكن لا تزال روسيا دولة كبرى فيها عدد سكاني يفوق أوكرانيا بأكثر من ثلاثة أضعاف، وهي تشمل قاعدة عسكرية صناعية واسعة، وتملك احتياطيات كبرى من المعدات العسكرية. يعتبر قادتها الحرب صراعاً وجودياً يجب أن تفوز به روسيا. تَحسّن أداء قواتها المسلحة منذ بداية الحرب، وسببت صواريخها واعتداءاتها بالطائرات المسيّرة ضد المدن والبنى التحتية الأوكرانية أضراراً هائلة. لن تصبّ أي حرب استنزاف طاحنة في مصلحة أوكرانيا، وهذا ما يفسّر الحملة الأخيرة التي تدعو إلى منح أوكرانيا المزيد من الأسلحة والتدريبات.

قد يسمح الدعم الخارجي لكييف بالتماسك وتحقيق مكاسب محدودة بحلول الربيع، لكن يبدو طرد روسيا من جميع الأراضي التي تسيطر عليها راهناً شبه مستحيل، بغض النظر عن كمية المساعدات التي يتلقاها البلد. كذلك، لا يزال احتمال تصعيد الوضع قائماً، بما في ذلك استعمال الأسلحة النووية. لا يتوقع بعض المحللين تنفيذ هذا التهديد لكن لا يمكن استبعاده بالكامل.


الدرس الرابع: الحرب تقوّي المتطرفين وتصعّب التسويات


كان النقاش العام حول أوكرانيا مريراً بدرجة استثنائية، فراح المحللون المؤيدون لاستعمال القوة يتنافسون في ما بينهم للتعبير عن دعمهم لكييف، تزامناً مع اعتبار أي آراء بديلة ساذجة أو غير أخلاقية أو موالية لروسيا. (قد يكون الوضع مشابهاً على الطرف الآخر أيضاً، إذ يصعب استخلاص استنتاجات جديرة بالثقة من التحليلات الروسية حول الحرب، لكن ينتمي أشرس منتقدي بوتين الروس إلى الفريق المتشدد الذي يتّهمه بعدم خوض الحرب بقوة أو وحشية كافية).

قد يكون أشرس داعمي أوكرانيا محقين، ويُفترض أن يبذل الغرب قصارى جهده لتمكين كييف من تحرير جميع أراضيها، لكن هل توقفت تلك الأصوات المؤيدة لاستعمال القوة في المجلس الأطلسي (وبعض السياسيين الصارمين في شرق أوروبا) وتساءلت للحظة عن احتمال أن تكون مخطئة؟ وهل يُعقَل أن تؤدي المشاركة في إطالة مدة الحرب إلى نتيجة أسوأ بالنسبة إلى أوكرانيا؟ يبرز في هذا المجال سجل مثير للقلق: أدى الدعم الخارجي السخي للقوات المحلية في فيتنام، والعراق، وأفغانستان، إلى استمرار الحروب في تلك البلدان لكنه لم يُحسّن أوضاعها حين اعتبرت الولايات المتحدة النصر احتمالاً مستحيلاً وقررت العودة إلى ديارها. لا تقاتل قوات الولايات المتحدة وحلف الناتو في أوكرانيا، لكنها متورطة مباشرةً في هذا الصراع. قد يبدو السلام أو وقف إطلاق النار بعيد المنال في الوقت الراهن، لكن سيستفيد الجميع حتماً من التفكير بطريقة إنهاء الصراع، لا سيما أوكرانيا.


الدرس الخامس: استراتيجية ضبط النفس كانت تخفّض مخاطر الحرب


يتعلق الدرس الأخير والأهم بتراجع احتمال الحرب منذ البداية لو أن الولايات المتحدة تبنّت استراتيجية ضبط النفس في سياستها الخارجية. لو تنبّه صانعو السياسة الأميركيون والغربيون إلى التحذيرات المتكررة حول عواقب أي توسّع غير محدود لحلف الناتو (بما في ذلك توصيات جورج ف. كينان، أو مجموعة كبيرة من الخبراء المخضرمين من الحزبَين الجمهوري والديمقراطي، أو مدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز الذي كان سفيراً سابقاً في روسيا)، بدل محاولة ضم أوكرانيا إلى المؤسسات الأمنية والاقتصادية الغربية، كانت دوافع روسيا المرتبطة بغزو البلد لتتراجع بدرجة كبيرة. يبقى بوتين المسؤول الأول عن إطلاق حرب وحشية وغير شرعية، لكن تتحمّل إدارة جو بايدن والإدارات الأميركية التي سبقتها جزءاً من اللوم أيضاً. يعيش الشعب الأوكراني معاناة كبرى بسبب وحشية بوتين في الوقت الراهن، لكنه يتحمّل هذا الوضع نتيجة غطرسة المسؤولين الغربيين وسذاجتهم في الوقت نفسه.



درس إضافي: دور القادة أساسي

حتى المعسكر الواقعي الذي يشدد على دور القوى البنيوية الكبرى يعترف بأهمية القادة الفرديين أحياناً. كان الاعتراض على توسّع الناتو (لا سيما احتمال تمدّده إلى أوكرانيا) موقفاً شائعاً وسط النُخَب الروسية، لكن ما كان أي زعيم روسي آخر ليختار خوض الحرب منذ سنة. في غضون ذلك، كان أي رئيس أميركي أكثر ابتكاراً وأقل تزمتاً ليبذل جهوداً مضاعفة لإخماد الأزمة المرتقبة قبل بلوغها نقطة اللاعودة. لنفكر أيضاً بمسار هذه الحرب لو كان بيترو بوروشينكو رئيس أوكرانيا بدل فولوديمير زيلينسكي. هل كان بوروشينكو ليتمكن من حشد مواطنيه وراءه وكسب الدعم الخارجي كما فعل زيلينسكي؟ يبدو هذا الاحتمال مستبعداً. وماذا لو كان دونالد ترامب في البيت الأبيض بدل جو بايدن؟

تقوم القوى البنيوية بتقييد ما تستطيع الدول فعله، لكنها لا تُحدد النتائج بنفسها. يتمتع القادة الوطنيون بالقوة والحرية لتحديد كيفية التعامل مع الظروف التي يواجهونها بأفضل طريقة ممكنة. وبما أنهم يملكون هذا النوع من الصلاحيات، لا مفر من اعتبارهم مسؤولين عن الخيارات التي يقومون بها في نهاية المطاف. انطلاقاً من هذا الواقع، يُفترض أن يُركّز القادة في موسكو، وكييف، وواشنطن، وبروكسل، وبرلين، وأي مكان آخر، على الدرس الثالث الآنف ذكره ويقتنعوا بأن النتيجة لن تُحسَم قبل نهاية الصراع بالكامل، ويجب أن يتذكروا أيضاً مصير جورج بوش الإبن حين أعلن عن "إتمام المهمة الأميركية". هذه الحرب لم تنتهِ بعد، وقد تبدو القيادة التي نعتبرها اليوم جريئة وفاعلة مختلفة بالكامل حين تصمت الأسلحة وتُحتسَب التكاليف النهائية.


MISS 3