إيفانا سترادنر

حرب روسيا الفاشلة تخلق فرصة إيجابية في البلقان

24 شباط 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

بوتين يمنح وساماً للرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش | ٢٠١٩

أدلى الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش حديثاً بتصريح قويّ على نحو مفاجئ دعماً لأوكرانيا، مع أن بلده يُعتبر من أقرب حلفاء روسيا في أوروبا، فقال: "لقد قلنا منذ البداية إننا لا نستطيع دعم الغزو الروسي لأوكرانيا. بالنسبة إلينا، تبقى شبه جزيرة القرم أوكرانية ويبقى إقليم دونباس أوكرانياً، ولن يتغيّر هذا الوضع". استنتج عدد كبير من الخبراء في الغرب سريعاً أن صربيا أدركت خطورة الظروف وبدأت تتّجه إلى قطع علاقاتها مع روسيا تزامناً مع تعثّر الحرب الروسية في أوكرانيا وتحوّل روسيا إلى دولة منبوذة ومعزولة. باختصار، لا أحد يحبّ دعم الجهة الخاسرة.

لكن تبقى هذه الآمال الغربية مُضلّلة. يعكس تصريح فوتشيتش بكل بساطة امتداداً لاستراتيجية بلغراد الرامية إلى إقامة توازن معيّن بين روسيا والغرب. لمتابعة العلاقات مع الطرفَين، تُعدّل هذه الاستراتيجية علاقات البلد بما يضمن خدمة مصالحه. في هذه الحالة، كان تبدّل مواقف فوتشيتش ظاهرياً يتعلّق بحق كوسوفو في نيل استقلالها، وهو وضع ترفضه بلغراد بشكلٍ قاطع. في الوقت نفسه، قد تصبح روسيا التي تتكبّد الخسائر في أوكرانيا، وقد باتت معزولة وضعيفة، حليفة سيئة لصربيا. سيستفيد الغرب من تذكير الصرب بهذا التبدّل الجيوسياسي المحوري.

المنطق الكامن وراء تصريح فوتشيتش بسيط: من وجهة نظر صربيا، تمّ انتهاك وحدة الأراضي الصربية بعد إعلان كوسوفو استقلالها بشكلٍ أحادي الجانب في العام 2008، علماً أن نصف دول العالم تقريباً تعترف بهذا الاستقلال. استناداً إلى هذا المنطق، قد يكون الدفاع عن حقّ أوكرانيا بالسيطرة على جميع أراضيها طريقة أخرى لتشجيع صربيا على القيام بالمثل. برأي فوتشيتش، تُعتبر ظروف شبه جزيرة القرم ودونباس وكوسوفو حالات موازية من تقسيم الدول.

كانت صربيا قد صوّتت في شهر آذار الماضي لصالح قرار الأمم المتحدة الذي يدين العدوان الروسي. وكان تصويت صربيا على هذا القرار جزءاً من مقاربة فوتشيتش البراغماتية لإقامة التوازن بين مختلف الأفرقاء. بما أن ذلك القرار لم يذكر العقوبات وبقي رمزياً بطبيعته، شكّل تصويت صربيا فرصة قليلة المخاطر لنيل الإشادة من القادة الغربيين من دون تهديد علاقات بلغراد مع موسكو بدرجة خطيرة.

كذلك، تعتبر صربيا قرار الأمم المتحدة آلية لإدانة تدخّل حلف الناتو في المساحة المتبقية من يوغوسلافيا السابقة، في العام 1999. تكلّم الممثل الصربي الدائم للأمم المتحدة، نيمانيا ستيفانوفيتش، خلال خطابه أمام الجمعية العامة، على ما اعتبره معايير مزدوجة في التعامل مع أوكرانيا وصربيا، فقال: "هذه ليست أوّل حرب، أو أوّل صراع، أو أوّل هجوم، ضد أرض في أوروبا المعاصرة. مثلما انتهكت روسيا وحدة الأراضي الأوكرانية، هاجمت القوى الغربية صربيا التي لم تهاجم أحداً، وانتهكت وحدة أراضيها، ثم اعترفت بكوسوفو".

برأي فوتشيتش، يبقى تأثير الحرب في أوكرانيا على ملف كوسوفو أهم من خسارة جزء من ثقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

في المقابل، يعتبر الكرملين استقلال كوسوفو سابقة في مجال ضمّ الأراضي وطريقة لإثبات نفاق الغرب. في أيلول 2022، تكلّم مندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، عن كوسوفو لتبرير ضمّ الأراضي الأوكرانية إلى روسيا، واعتبر تلك الخطوة جزءاً من "حقوق تقرير المصير". لكن تخطئ روسيا حين تعتبر كوسوفو سابقة في هذا المجال، فهي تبقى حالة استثنائية بالنسبة إلى محكمة العدل الدولية، ما يعني أنها ترتكز على ظروف فريدة من نوعها ولا يمكن اعتبارها نموذجاً يُحتذى به في حالات أخرى.

لكن يجب ألا يتوقّع أحد حصول شرخ وشيك بين بلغراد وموسكو. تعارض صربيا احتلال روسيا الأراضي الأوكرانية، لكنها تبقى من أقرب الحلفاء إلى روسيا. تنشر قنوات تلفزيونية روسية، مثل "آر تي" و"سبوتنيك"، حملة دعائية عبر فروعها في صربيا، ويسمح فوتشيتش لماكينته الدعائية المحلية بتكرار معظم مواقف الكرملين المرتبطة بأوكرانيا. كذلك، تنقل وسائل الإعلام الصربية جزءاً كبيراً من الرسائل الموالية للكرملين، وهي تتراوح بين تصوير الأوكرانيين كنازيين وإطلاق مزاعم خاطئة حول إقدام أوكرانيا على مهاجمة روسيا أولاً.

في الأشهر الأخيرة، تصاعد التوتر بين صربيا وكوسوفو، غداة صدور تشريع يطالب الصرب المقيمين في كوسوفو بالتسجّل لنيل وثائق ولوحات سيارات كوسوفية. في أواخر كانون الأول 2022، وضعت صربيا قواتها العسكرية في حالة تأهب قصوى، واعتبرت رئيسة الوزراء الصربية آنا برنابك البلدين "على شفير صراع مسلّح". على مرّ هذه المواجهة، شكرت بلغراد روسيا مراراً على "دعمها وحدة وسيادة الأراضي الصربية"، واعتبرت هذا الدعم سبباً يمنع صربيا من تأييد أي عقوبات اقتصادية ضد روسيا.

يتعلّق أهم درس يمكن استخلاصه من هذه الظروف بعدم ارتباط الشراكة بين بلغراد وموسكو بروابط تاريخية عميقة أو مبدأ الأخوة السلافية، كما يظنّ البعض، بل تحمل هذه العلاقة طابعاً استراتيجياً وتهدف إلى تحقيق مصالح البلدين. يتبادل الطرفان الدعم بالمستوى الذي يضمن تطبيق أجندة كلّ واحد منهما.

يزداد موقف صربيا تعقيداً لأنها لا تزال تتّكل بشدة على روسيا لتلقي المعدات والتدريبات العسكرية، بينما تستعمل روسيا نفوذها الإقليمي القويّ الذي يشتق من علاقتها مع الكنيسة الأرثوذكسية الصربية والحملات المعلوماتية الروسية الواسعة. يجازف فوتشيتش بمواجهة عواقب وخيمة إذا أثار استياء روسيا فعلاً.

أدّت تصريحات فوتشيتش الأخيرة ضدّ التحركات الروسية في أوكرانيا إلى صدور ردود أفعال قوية ضده. كتب القائم بأعمال رئيس جمهورية دونيتسك الشعبية، دينيس بوشيلين، على "تلغرام" أنه واثق من "تعرّض فوتشيتش للضغوط" لدفعه إلى الانحياز إلى الغرب. في السياق نفسه، زعم النائب في مجلس الدوما الروسي، ميخائيل شيريميت، أن فوتشيتش يواجه "ضغوطاً هائلة من البلدان الغربية". في المقابل، وجّهت السيناتورة الروسية من شبه جزيرة القرم، إيكاترينا أتابيفـــا، انتقاداً لاذعاً لفوتشيتش قائلة: "من المؤسف أن تجبر الظـــروف الراهنة شخصاً على التخلي عن التقاليد التاريخية. لكنّ الروابط التاريخية بين صربيا وروسيا ستطغى على جميع الاعتبارات السياسية والانتهازية".

وحده الوقت كفيل بإثبات هذه المقولة. في غضون ذلك، يجب ألا ينخدع الغرب والأوكرانيون بتصريحات فوتشيتش. هو مسؤول منطقيّ ويتعلق هدفه الأساسي بالبقاء في السلطة. لكن نظراً إلى تصاعد التوتر بين فوتشيتش والكرملين، يملك الغرب فرصة لاستغلال الاختلافات بين الطرفين لإضعاف نفوذهما الإقليمي.

في المقام الأول، يجب أن يطلق الغرب هجوماً معلوماتياً ضد بوتين على مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات إعلامية أخرى في البلقان، مع التشديد على استحالة الوثوق بروسيا كحليفة حقيقية.

يستطيع الغرب، من خلال عملياته المعلوماتية، أن يستفيد من انفتاح فوتشيتش الراهن على الغرب ويُشرِكه في جهوده الرامية إلى إضعاف نفوذ روسيا الإقليمي. خلال مكالمة هاتفية في الأسبوع الماضي بين فوتشيتش ووزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، أعاد المسؤولان التأكيد على استعداد صربيا للتعاون مع الاتحاد الأوروبي وشدّدا على التزام فوتشيتش بإرساء الاستقرار والسلام في المنطقة. وبما أن فوتشيتش يسيطر بالكامل على وسائل الإعلام في بلده، يسهل عليه أن يتلاعب بالمعلومات بالشكل الذي يريده. يعني ذلك أنّ فوتشيتش يتمتّع بالصلاحيات اللازمة لتغيير وجهة الخطابات العامة في صربيا لدعم تطبيع العلاقات مع كوسوفو من دون الخوف من ردّ الجماعات القومية الصربية. في هذه الحالة، قد تصبح سلطة فوتشيتش الراسخة ميزة إيجابية لإضعاف روسيا وردعها في البلقان.

كذلك، يُفترض أن تستهدف الحملات المعلوماتية الغربية القوميين الصرب من اليمين المتطرّف. يشتق دعمهم لبوتين من تأكيده على اعتبار كوسوفو قلب الوطن الصربي. يستطيع الغرب أن يستعمل الرسائل الاستراتيجية لإقناع هذا الفريق بارتباط العلاقات الصربية الروسية بالمصالح الشخصية وغياب أي مظاهر حقيقية للأخوّة الروسية.

عملياً، تستعمل روسيا كوسوفو لتحقيق أهدافها الاستراتيجية الخاصة. قد تُذكّر العمليات المعلوماتية القوميين بأن دعم روسيا لصربيا لطالما كان هشاً. دعمت روسيا العقوبات الغربية ضد صربيا خلال التسعينات، ولم تساعدها عسكرياً خلال تدخّل حلف الناتو في العام 1999. انضمّت روسيا في البداية إلى بعثة حفظ السلام التي يقودها الناتو في كوسوفو، لكنها عادت وانسحبت من هذه المهمة في العام 2003، فتخلّت بذلك عن إخوتها السلافيين المزعومين.

الأهم من ذلك هو أن يشدّد الغرب طوال الوقت على عزلة روسيا الدولية، وإخفاقاتها العسكرية في أوكرانيا، وتلاشي القوة الروسية كحليفة بحدّ ذاتها. بدأت روسيا تخسر نفوذها في محيطها سريعاً (في آسيا الوسطى، والقوقاز، والبلقان)، ولا تسمح لها ظروفها بمساعدة صربيا، لا عسكرياً ولا اقتصادياً. تُعتبر أرمينيا خير مثال على ذلك، فهي حليفة ظاهرية لروسيا لكنها أصبحت عاجزة عن التحرك بعدما احتلّت أذربيجان المدعومة من تركيا أجزاء من أراضيها في السنة الماضية. باختصار، يجب أن يفهم جميع الصرب أنهم لا يستطيعون التعويل على قوة متراجعة وغير جديرة بالثقة.


MISS 3