مجيد مطر

الذكرى الأولى للأزمة الأوكرانية: أين مجلس الأمن الدولي؟

25 شباط 2023

02 : 00

خلال اجتماع لمجلس الأمن حول أوكرانيا أمس (أ ف ب)

يبدو أن مجلس الأمن وصل إلى الحائط المسدود لعجزه اللافت عن القيام بصلاحياته في حماية السلم والأمن الدوليين، المنصوص عنهما في الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة.

هذا ما يمكن استنتاجه من القرار الذي صدر عن الجمعية العامة في الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، والذي يطالب روسيا بالانسحاب الفوري منها، مع التمسّك بوحدة أراضيها. أوكرانيا نفسها التي طالب الاتحاد السوفياتي السابق بضمّها هي وبيلاروسيا للجمعية العامة للأمم المتحدة، ليزيد من عدد الدول التي تؤيّده فيها.

معلوم أن الجمعية العامة تتّخذ توصيات غير ملزمة، وهذا هو الاتجاه السائد لدى الفقه الدولي الذي ترتفع فيه بعض الأصوات المخالفة، لتقول إن كلّ ما يصدر عن الأمم المتحدة يجب أن يكون ملزماً ومحلّ احترام من قبل جميع الدول الأعضاء.

الجدير ذكره في هذا السياق، ما يتعلّق بأزمة الكوريّتَين في العام 1950، فقد عمد وزير الخارجية الأميركي دين اتشيسون إلى استصدار قرار من الأمم المتحدة عرف بقرار «العمل الموحد من أجل السلام». وقضى بإعطاء صلاحيات مجلس الأمن في تطبيق الفصل السابع إلى الجمعية العامة، حيث ليس هناك من فيتو روسي آنذاك بسبب انسحاب مندوب روسيا اعتراضاً على شغل الصين الوطنية مقعد الصين في مجلس الأمن، وذلك في حالتَين: الأولى، إذا لم يتمكّن المجلس من الانعقاد. والثانية، إذا فشل في القيام بأي عمل بسبب تكرار استعمال الفيتو.

ومجلس الأمن هو أبرز أداة تنفيذية للأمم المتحدة والمسؤول الذي ينوب عن كلّ الدول في تحمّل التبعات الكبرى في حفظ السلم والأمن الدوليَّين وقمع العدوان، وذلك استناداً إلى المادة 24 من الميثاق التي نصّت على أن «يعهد أعضاء تلك الهيئة إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدوليَّين ويوافقون على أن هذا المجلس يعمل نائباً عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات».

فأن تبادر الجمعية العامة إلى أن تصدر مثل هكذا قرار، في ظلّ غياب شبه تام لمجلس الأمن المعطل بفعل استخدام الفيتو من قبل روسيا التي تمنعه حتى من أن يصدر بياناً يُشير فيه إلى تلك الأزمة، التي على ما يبدو ستُلاقي مصير مثيلتها السورية، لناحية فشل مجلس الأمن في وقف الحرب على الشعب السوري، فهذا ما يؤكد أن الأمور لا تسير في الاتجاه الصحيح، ما يدفع لطرح التساؤل حول قدرة مجلس الأمن على صيانة الأمن الجماعي كسبب رئيس من أسباب وجود الأمم المتحدة. فحيث فشلت «عصبة الأمم» يجب أن لا تفشل هذه المنظمة الدولية التي وجدت بالأساس لمنع تكريس القوة في العلاقات الدولية من دولة ضدّ أخرى.

وهذا المبدأ اكتسب صفة المبدأ القانوني الدولي الآمر، الذي أصبح بموقع المتقدّم للقواعد، والتي لا يجوز انتهاكها أو الاتفاق على مخالفة أحكامها، بحيث يترتّب على مخالفتها المسؤولية الجزائية الدولية.

ككلّ الأزمات التي حاول مجلس الأمن حلّها، قد واجهته معوقات سياسية وأخرى قانونية. أمّا المعوقات السياسية، فهي تتمثل في تنازع المصالح بين الدول الكبرى التي تقدّم مصالحها ولا تُراعي دورها في صيانة الأمن الجماعي كمصلحة مشتركة للعالم أجمع. أمّا المعوقات القانونية، فهي التي تتعلّق بالميثاق لناحية آلية التصويت في مجلس الأمن حيث «نظام الفيتو» أحد أهمّ معوقاته، لإفراط «الخمسة الكبار» في استخدامه من دون مراعاة لدورها في صيانة الأمن الجماعي كمصلحة دولية مشتركة.

الأزمة الأوكرانية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة التي سيفشل مجلس الأمن في حلّها. يبقى القول إنّ للدول الصغيرة والشعوب الضعيفة مصلحة ببقاء منظمة الأمم المتحدة ومنظومة القانون الدولي، كي لا يتحوّل هذا العالم إلى غابة كبيرة يُسيطر القوي فيها على الضعيف، ويتدخل في شؤونه تحت حجج ومسمّيات لا تتوافق مع القانون الدولي.

في السياق، تُطالب روسيا بـ»حياد أوكرانيا». اللافت أن هذا المطلب يؤيّده حلفاؤها في العالم، ومنهم دول «محور الممانعة» الذي يستعظم على اللبنانيين أن يُطالبوا باتباع ليس «الحياد» بل انتهاج «سياسة حياد» تمكّنهم من أن يلتقطوا أنفاسهم.


MISS 3