الشيخوخة... ماذا نعرف عنها؟

14 : 15

ما الذي نعرفه عن العوامل التي تطلق مسار الشيخوخة أو تسمح بتأخيرها؟ رغم تطور الأبحاث في مختلف المجالات، لم تعد المعلومات التي نعرفها وافية بقدر ما كانت عليه منذ بضع سنوات. أدت إطالة متوسط العمر المتوقع بدرجة هائلة وارتفاع أعداد الناس بعد عمر التسعين أو حتى المئة إلى التشكيك بجميع المعطيات العلمية المعروفة بشأن أسباب الشيخوخة. الأمر المؤكد هو أن الجسم، بجميع أنسجته، يتألف من عشرة آلاف مليار خلية تنقسم وتتجدد. يضمن هذا التجدد الدائم شباب الجسم وصموده. عند ظهور علم الوراثة خلال السبعينات، ظن العلماء أنهم كشفوا سر الشيخوخة، فافترضوا أن الخلايا تكون مبرمجة وراثياً كي تنقسم لمرات محدودة. وعند اختلال تلك العملية، لا مفر من موت الأعضاء تدريجاً قبل موت الجسم كله بعد فترة قصيرة. إنها النظرية التي ارتكز عليها العلماء لفترة طويلة كي يؤكدوا على دور الجينات الأساسي في تحديد مسار الشيخوخة وعمر البشر. لكن نُسِفت هذه النظرية اليوم في ظل إطالة عمر البشر بدرجة متزايدة على مر السنين.

آلية لإصلاح الخلايا

رغم ارتفاع متوسط العمر المتوقع، لا تزال مدة الصحة السليمة ثابتة. لفهم هذه الظاهرة المزدوجة، اضطر الباحثون لاستكشاف مجالات أخرى: تكون العوامل المؤثرة وراثية وبيولوجية في آن. منذ عشرين سنة تقريباً، كان العلماء يرتكزون على عمل الخلايا وقد اكتشفوا أن الجسم مزوّد بآلية لإصلاح تلك الخلايا. بالنسبة إلى علماء الأحياء، يكون البشر عبارة عن آلات حية. وطالما تصمد هذه الآلة، سنحافظ على شبابنا. بعبارة أخرى، نحن نشيخ حين تخسر القدرات الجسدية التصحيحية فاعليتها.

الهواء، الماء، الغذاء: مفاتيح الحياة المديدة!


يهتم الباحثون في مجال علم الوراثة اليوم بإيجاد وسيلة فعالة لإصلاح الجينات المتضررة أو إعادة برمجة الخلايا لتجديد شباب الأعضاء، لكنهم نجحوا منذ بضع سنوات في إثبات وجود رابط بين ظروف الحياة وسلامة آلية إصلاح الخلايا. يمكن الحفاظ على تلك الآلية عبر ثلاثة عوامل أساسية: الهواء الذي نتنشقه، والماء التي نشربها، والغذاء الذي نأكله. طالما نغطي هذه الحاجات الثلاث بشكلٍ سليم، يمكن الحفاظ على الصحة وعلى استمرارية الحياة.



عوامل الخطر المسؤولة عن الشيخوخة


يمكن تفسير الشيخوخة بوجود عوامل خطر تكبح آلية إصلاح الخلايا. إنها العوامل نفسها التي تفسر ثبات أو تراجع متوسط العمر المتوقع تزامناً مع الحفاظ على صحة جيدة (64.9 عاماً للنساء و62.6 عاماً للرجال). يتسارع مسار الشيخوخة ويزيد احتمال العيش تزامناً مع ضعف القدرات الجسدية والإصابة بالأمراض بسبب عوامل مثل اختلال توازن النظام الغذائي، وقلة الحركة، والتلوث، والتدخين، والضغط النفسي المزمن. في المقابل، يسمح أسلوب الحياة الصحي الذي يرتكز على حمية متوازنة ونشاطات جسدية منتظمة بتجديد الخلايا وحماية آلية إصلاحها. كشفت دراسات عدة أن ممارسة نشاط جسدي منتظم ترتبط بزيادة حجم التيلوميرات التي تقع على أطراف الكروموسومات. تُعتبر التيلوميرات، التي يتراجع حجمها مع التقدم في السن، أساسية للحفاظ على سلامة المواد الوراثية.


جِدْ التوازن اللازم لضمان شيخوخة صحية!


نشأت جينات البشر في الأصل في عالمٍ يفرض على الناس أن يتجولوا طوال اليوم لإيجاد الغذاء الذي كان يعطيهم كمية صغيرة من السعرات الحرارية. اليوم، تؤدي وفرة الطعام وقلة الحركة الطاغية على حياتنا إلى زيادة مخاطر اختلال توازننا بشكل دائم، ولا يكون نظامنا الوراثي مستعداً للتكيف مع هذا الوضع. يستطيع كل شخص قادر على إقامة توازن بين السعرات الحرارية التي يستهلكها وتلك التي يحرقها أن يصل إلى عمر المئة ويحافظ على صحة جيدة.


أثر الإجهاد التأكسدي


يرتبط أحد أبرز أسباب موت الخلايا في الجسم بأكسدة الخلايا تحت تأثير الجذور الحرة التي تنتجها الخلايا بحد ذاتها. تؤدي هذه الجزيئات العدائية إلى تغيير الحمض النووي عبر إحداث اختلالات في البرنامج الوراثي من جهة، وإلى تغيير عمل الخلايا من جهة أخرى. رداً على هذا النوع من الهجوم، تنشأ أنزيمات واقية ومضادة للأكسدة من أجل إصلاح الجسم. لماذا نشيخ إذاً ما دامت وسائل إصلاح الأضرار موجودة؟ نحن نشيخ عند حصول خلل بين هاتين القوتين، ما يمنع التخلص من المخلفات. هذا هو معنى الإجهاد التأكسدي!


MISS 3