إعادة الانتخابات الإسرائيلية ونتائجها المتوقّعة...

13 : 34

في نهاية شهر أيار، صدم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إسرائيل بدعوته إلى إجراء انتخابات وطنية جديدة بعد فشله في تشكيل حكومة إئتلاف. لكن رغم فشل أحزاب المعارضة الإسرائيلية الوسطية واليسارية في الحصول على الأغلبية خلال انتخابات نيسان، إلا أنها لا تريد إعادة الانتخابات على ما يبدو. لذا صوّت معظم المشرّعين المنتمين إليها ضد الانتخابات الجديدة. تكمن المفارقة في تأييد الأحزاب اليمينية لإعادة الانتخابات رغم فوزها السهل بـ 65 مقعداً (من أصل 120). من الواضح أنها تتوقع تحقيق نتائج أفضل في الانتخابات المقبلة. قد تكون محقة فعلاً!

خلال أكثر من عشر سنوات، كشفت الاستطلاعات بشكلٍ متكرر أن ناخبي الأحزاب الوسطية واليسارية يشكّلون أقل من نصف الناخبين الإسرائيليين. وفي استطلاع أجري قبل انتخابات نيسان مباشرةً، تبين أن 41% من جميع الناخبين يؤيدون المعسكر الوسطي أو اليساري، بينما يدعم 50% منهم المعسكر اليميني. تشمل هذه الفئة المواطنين العرب الفلسطينيين الذين يشكلون 20% من سكان إسرائيل ويصوتون في معظمهم للأحزاب العربية أو اليهودية اليسارية، لكنهم يشاركون بنسبة أقل من اليهود. لذا تعكس نتائج الانتخابات عموماً الميول اليمينية للناخبين الإسرائيليين اليهود.

باختصار، لا أعداد كافية من الوسطيين واليساريين لاستبدال الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو. وحتى أصغر تطور في معسكر المعارضة (عودة رئيس الوزراء السابق إيهود باراك المنتمي إلى حزب "العمل" إلى معترك السياسة، والانتخابات الأولية التي أفرزت دفعة جديدة من القادة في حزبَي "العمل" و"ميرتس" اليساري، وإعادة توحيد الحزبَين العربيَين) لن يكون مؤثراً جداً إذا تغيرت مواقف الناخبين اليساريين والوسطيين. تتوقف نتائج الانتخابات المقبلة في المقام الأول على الناخبين اليمينيين!

لكن يصعب أن نتوقع ما سيحصل! بعد أي انتخابات إسرائيلية، تزيد قوة الأحزاب أو تندمج أو تنقسم أو تنهار، لذا لا يمكن التأكيد على مسار الأحداث قبل انتهاء المهلة المحددة لطرح لوائح الأحزاب النهائية في 2 آب. من الأفضل أن نبدأ إذاً بتحديد المعضلات التي يواجهها الناخبون والأحزاب في معسكر اليمين.

تحرّكات معسكر اليمين

تحمل المعضلة اليمينية الأولى طابعاً استراتيجياً. يؤيد 59% من الراشدين اليهود الأحزاب اليمينية، وأدى ارتفاع نسبة التأييد هذه إلى زيادة المرشحين في شهر نيسان، فتنافست حينها ثمانية أحزاب يمينية مختلفة في الانتخابات. كانت أربعة منها متدينة بكل وضوح. أما اليمينيون الأقل تديناً، فكانوا أمام ثلاثة خيارات: حزب "الليكود" بقيادة نتنياهو، أو حزب "كولانو" الذي أسسه وزير المالية السابق موشيه كحلون في العام 2015 (جذب "كولانو" الناخبين الوسطيين)، أو حزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان، علماً أنه حزب يميني علماني يتكل على قاعدة محدودة من المهاجرين السوفيات الأكبر سناً. أما الحزب الثامن، فهو "زيهوت" الذي أسسه موشيه فيغلين المعروف بغرابته، وبتأييده لتشريع الماريجوانا والأحزاب الاجتماعية التحررية، وبخطته القومية المتشددة دينياً لنقل الحكومة إلى الهيكل المقدس، أبرز موقع ديني متنازع عليه في المنطقة.

لكن لم تنجح هذه الخيارات كلها في توسيع الكتلة اليمينية في شهر نيسان، فخسرت حينها مقعدَين مقارنةً بالانتخابات السابقة. دعمت مجموعة متنوعة من الناخبين اليمينيين بكل وضوح حزب "الليكود" الذي حصد 35 مقعداً، أي أكثر من العام 2015 بخمسة مقاعد. فشل حزبا "زيهوت" و"اليمين الجديد" في بلوغ العتبة الانتخابية التي تسمح بدخول الكنيست (3.25% من الأصوات)، ما يعني أن كل حزب منهما خسر أكثر من 100 ألف صوت، أي ما مجموعه سبعة أو ثمانية مقاعد. لو فازت أحزاب يمينية أخرى، كان نتنياهو ليُشكّل حكومة ائتلاف بسهولة.

تعكس الانتخابات أيضاً مسائل أخرى، أو يُفترض أن تتأثر بها على الأقل. ما الذي يريده الناخبون اليمينيون من إسرائيل، وكيف يتوقعون أن يقود السياسيون البلد؟

في هذا المجال، تبدو مواقف المعسكر اليميني غير متجانسة بأي شكل. في الاستطلاعات، ينقسم هذا المعسكر بالتساوي بين تأييد اليمين الذي يعتبر نفسه متشدداً واليمين المعتدل. يميل المعتدلون إلى اعتبار أنفسهم علمانيين ويبدون أكثر التزاماً بالقيم الديمقراطية الليبرالية، مثل فصل الدين عن الدولة، مع أنهم لا يتمسكون بهذه المبادئ بقدر الوسطيين واليساريين. أما اليمين المتشدد والمعتدل، فيركز بشكل أساسي على الأمن ومستقبل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي: ترفض أغلبيات واسعة من اليمينيين حل الدولتين وتدعم إنشاء المستوطنات.

أفشل ليبرمان المفاوضات حول حكومة الائتلاف حين أصرّ على إقرار قانون لإدخال أكبر المتشددين إلى الجيش بعدما استفادوا من إعفاء شامل طوال عقود. عكست هذه المسألة رغبة عدد كبير من الإسرائيليين في كبح نفوذ الحريديم والمؤسسات الدينية اليهودية في الحياة العامة. يتكل ليبرمان على هذا الموضوع لكسب أصوات اليمينيين العلمانيين، بما يتجاوز قاعدته المنحسرة من كبار السن الناطقين باللغة الروسية. لكن لا يصدّق الكثيرون أن ليبرمان يتبنى هذا الموقف انطلاقاً من التزام إيديولوجي حقيقي، بل بناءً على حسابات سياسية مبهمة.

حارب نتنياهو هذا الوضع عبر استمالة اليمينيين العلمانيين من خلال تعيين رجل أعلن مثليته كوزير عدل موقّت. كان هذا الحدث غير مسبوق في إسرائيل وشكّل ضربة لزعيم حلف "اليمين المتّحد" البارز، بتسلئيل سموتريتش، الذي كان يطمح لتولي هذا المنصب (اعتبر سموتريتش نفسه في إحدى المناسبات "معادياً للمثليين بكل فخر"، لذا كان تعيينه ليشكّل ضربة موجعة لمجتمع المثليين، علماً أن هذا الموضوع يُعتبر سبب انقسام آخر داخل معسكر اليمين). يهتم اليمينيون، على غرار جميع الإسرائيليين، بالاقتصاد وكلفة المعيشة. ورغم مظاهر اللامساواة الفادحة، يفتخر ناخبو نتنياهو، حتى من يواجهون المصاعب شخصياً، بالمؤشرات الاقتصادية القوية التي يسجّلها البلد. في الحملة الجديدة، أعاد حزب "الليكود" الاندماج مع "كولانو"، منافسه الأساسي داخل الكتلة اليمينية في المسائل الاقتصادية. يستطيع نتنياهو الآن أن يجاهر بإنجازاته الاقتصادية وبسمعته اللامعة في السياسة الخارجية لكسب تأييد الناخبين اليمينيين مجدداً. من المتوقع أن تطغى اتهامات نتنياهو الوشيكة بالفساد على كل شيء. لكن بنظر الناخبين اليمينيين، تبقى هذه المسألة مجرّد نقطة خلافية. وفق مؤشر الديمقراطية الإسرائيلي في العام 2018، لا يهتم مؤيدو معسكر اليمين بالفساد بقدر الناخبين الآخرين. يعتبر قادة الرأي اليمينيون دوماً أن وسائل الإعلام اليسارية المزعومة والسلطة القضائية تحارب نتنياهو والحكومة اليمينية لأنها تعجز عن الفوز في صناديق الاقتراع. وتواجه النشاطات القضائية ضغوطاً هائلة، إذ يؤيد معظم الناخبين اليمينيين إلغاء صلاحية المراجعة القضائية في المحاكم مثلاً، ويعتبر الوسطيون واليساريون هذه الخطوة كارثية. لكن لا تُسبب هذه المسألة انقساماً بين الفئات المتشددة والمعتدلة في معسكر اليمين. يلتزم المعتدلون تحديداً بالضوابط والتوازنات، وكشف استطلاع لصالح منظمة حقوق الإنسان "بتسيلم" أنهم يؤيدون المحكمة أكثر من اليمينيين المتشددين بمرتين. كما يأمل اليساريون والوسطيون من جهتهم في استمالة اليمينيين المعتدلين، لذا من المنطقي أن يعبّروا عن تأييدهم القوي للمؤسسات القانونية الإسرائيلية.

نصل أخيراً إلى موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الأزلي. في هذا الملف، يتبنى اليمينيون موقفاً مختلفاً بالكامل عن الإسرائيليين الوسطيين واليساريين (وبقية العالم!). لا يمكن الانطلاق من حل الدولتين بنظرهم، بل يبدأ الحل بضم الأراضي إلى إسرائيل.

قبل أيام من انتخابات نيسان، أعلن نتنياهو نيته في ضمّ جميع المستوطنات، فجذب بذلك الناخبين في الأحزاب اليمينية المتطرفة التي شرّعت السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية منذ سنوات. وفي ظل تعمّق الصراع بين الأحزاب الدينية الوطنية التي تؤيّد كلها حركة الاستيطان، من المتوقع أن تتسارع الخطابات الداعمة لضمّ الأراضي نظراً إلى رغبة نتنياهو الشديدة في كسب الأصوات من جميع الجهات.

لا شك في أن نتنياهو بات أضعف من أي وقت مضى، غداة فشله الكبير في تشكيل الحكومة والاتهامات التي تلاحقه. لكنه يبقى أبرز خصم للجميع. ونظراً إلى الضجة التي أحدثتها مبادرات الوسطيين واليساريين حديثاً، يمكن أن تهزّ أحزاب المعارضة البنية السياسية وتُرجّح كفة الناخبين لصالحها، لكن لا يوحي الوضع القائم بفوزها. من المحتمل أن يحقق نتنياهو، سيّد السياسة الإسرائيلية، نصراً جديداً، لكنّ مشاكله القانونية، وحتى المفاجآت التي تطبع المفاوضات المرافقة لتشكيل الحكومة، قد تجعل فوزه قصير الأمد!


MISS 3