جولي مراد

ميشال أونفري في بيروت... عن الانتفاضات والثورات

20 شباط 2020

02 : 10

تصوير رمزي الحاج

لا شكّ في أن زيارة فيلسوف وكاتب من قماشة ميشال اونفري بيروت حدثٌ لا يستهان به فللرجل أعمال بغزارة المطر وقد وجد جزء يسير منها طريقه الى الترجمة بلغة الضاد وهو أحد أشهر مفكري الغرب حاضراً.

ولعلّ أهم خاصية يتميّز بها الرجل، الذي كان يحلم بأن يكون سائق قطار فألفى نفسه من أهم فلاسفة العصر، هو نجاحه في الهبوط بالفلسفة من مقام النخب الى مدارك عامة الشعب واهتمامه بإيصال أفكاره ونظرياته الفلسفية عبر وسائط غير اعتيادية للفلاسفة التقليديين كمدارج الجامعات أو شاشات التلفزيون. وليس الأمر مستغرباً ممّن أسس "جامعة شعبية" في العام 2002 مع أصدقائه مشرّعاً أبواب صفوف الفلسفة والتاريخ مجاناً أمام العامة ومن دون شروط مسبقة كضرورة للحصول على شهادةٍ معينة قبل حضور الحصص.لم تحمل محاضرة أونفري في "قاعة منوتاني" بدعوة من "المعهد الثقافي الفرنسي" تحت عنوان "انتفاضات وثورات" أيّ جديد لمن ذهب متعطشاً الى ما ينهله من مفاهيم مبتكرة قد يطلقها فيلسوف زار بيروت لأكثر من مرة ويمرّ عليها في أكثر لحظاتها العصيبة وانتفاضاتها الأليمة، خصوصاً أن العالم العربي حاضر بقوة في أعماله كـإصداره الأخير "تفسخ" في العام 2016 أو كتابه "التفكير في الاسلام" الصادر في العام 2015.

واونفري نفسه عكف على زيارة تونس مراراً في السنوات الأخيرة بعيد انطلاق الاحتجاجات والربيع التونسي فباتت رحلاته المختلفة الى أصقاع العالم العربي المنتفض مؤشراً كبيراً الى اهتمامه بالعالم العربي الذي قال عنه ذات يوم إنه قد يكون بحضارته العربية بديلاً عن اندحار الحضارة الغربية.

لا نعرف بالضبط لم اختار الفيلسوف - في محاضرةٍ ألقاها في الجزء الأول من لقائه جمهوراً لبنانياً - وإن كان مطعماً طبعاً بحضورٍ أجنبي وقد ناهز عدد الحضور الـثلاثمائة - التركيز على مقاربة موضوع الثورات بمعالجة أكاديمية هي أقرب الى استعراض للعضلات في استذكار لحظات التاريخ المفصلية بذاكرةٍ حادة منتقلاً بسلاسة من تفاصيل الثورة الفرنسية الى الروسية الى الانكليزية وصولاً الى الاميركية، أو في تعداده مؤلفاتٍ نصح بقراءتها أو تكراره نظريات فلاسفة أو مفكرين هم الأقرب الى قلبه أمثال "نيتشه" وألبير كامو، أو هيغل، أو فيكتور هوغو وسواهم. وغاص الفيلسوف لأكثر من ساعة ونصف في مفاهيم تميز بين الانتفاضة التي قد تفضي الى ثورة وبين الثورة التي تمر حكماً عبر الانتفاضة، والتي قد لا تؤدي حكماً الى تحقيق اهداف من دفعوا ثمنها، وبين الاصلاح الثوري الذي يمكن ان ينطلق من حاجة اجتماعية وسياسية محدّدة مثل حقوق المرأة أو العلمنة في لبنان. ولكنه انحاز دائماً في طروحاته الى التغيير غير الدموي معتبراً أن لا شيء يساوي حياة انسان حتى ولو كان صدام حسين.

خُصّص الجزء الثاني من اللقاء لأسئلة الحضور، وبقي الفيلسوف على قدرته في إبهار المتواجدين ولكنه لم يشبع غليل من حضر للاطلاع على تحليله الشخصي للثورة اللبنانية تحديداً، انطلاقاً من نظرياته، علماً أنه تميّز بجرأته في طرح المواضيع المتعلقة بالأديان التوحيدية الثلاثة والتي يؤكد على احترام من يعتنقونها لكنه يفضل النظر إليها من منظار تاريخيّ بحت.


MISS 3