سوريا... مواجهة مفتوحة بين موسكو وأنقرة

04 : 05

جندي تركي يرفع علامة "الذئاب الرماديّة" التي تعود إلى منظّمة قوميّة تركيّة إرهابيّة في بلدة الأتارب السوريّة أمس (أ ف ب)

هدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالأمس بعمليّة عسكريّة "وشيكة" ضدّ القوّات السوريّة في إدلب، ما استدعى ردّاً فوريّاً من روسيا، التي حذّرت من شنّ أي هجوم ضدّ مواقع النظام، ما يؤشّر إلى تصاعد المواجهة الجيوسياسيّة بين البلدَيْن بشكل غير مسبوق.

وإذ كشف أردوغان أن المحادثات مع موسكو في الأسبوعَيْن الماضيَيْن فشلت في التوصّل إلى "النتيجة التي نُريدها"، حذّر من أن أنقرة قد تشنّ عمليّة عسكريّة في سوريا، ما لم تسحب دمشق قوّاتها قبل نهاية الشهر.

كما علّق الرئيس التركي على تصريح نظيره الأميركي دونالد ترامب في شأن التعاون مع تركيا في ملف إدلب، قائلاً إنّه قد يحدث تضامن بين الجانبَيْن على مختلف الأصعدة في أي لحظة. وردّاً على سؤال حول إمكانيّة مشاركة سلاح الجوّ في العمليّة المحتملة، أجاب: "كما قلت في السابق، قد نأتي ذات ليلة على حين غرّة، وهذا يعني أنّنا نأتي مع كلّ شيء".

وسارع الكرملين إلى الردّ على تهديد أردوغان، محذّراً من أن أي عمليّة ضدّ القوّات السوريّة ستكون "أسوأ سيناريو". ولاحقاً، وفي معرض إجابته على سؤال حول أن الجانب الروسي يصف العمليّة التي قد تقوم بها أنقرة بـ"أسوأ سيناريو"، قال أردوغان: "لا أعتقد أن روسيا ستأخذ مكاناً لها في مثل هذا السيناريو السيّئ".

ومع دفع تركيا بعدد كبير من التعزيزات إلى إدلب في الأسابيع الأخيرة، أكد وزير الدفاع خلوصي أكار أنّه "من غير الوارد بالنسبة إلينا أن ننسحب من مواقع المراقبة التابعة لنا"، مضيفاً: "إذا تعرّضت لهجوم من أي نوع، سنردّ بالمثل". كما طالب أكار الولايات المتحدة والدول الأوروبّية، بالالتزام بتعهّداتها المتعلّقة بسوريا، واتخاذ خطوات ملموسة لتجسيد مسؤوليّاتها هناك، بينما لفت وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف إلى أن المباحثات الروسيّة - التركيّة في موسكو حول إدلب، لم تتوصّل إلى نتيجة معيّنة، محمّلاً أنقرة مسؤوليّة تعثّر الحلّ.

وفي نيويورك، رفضت روسيا أن يتبنّى مجلس الأمن الدولي إعلاناً يُطالب بوقف العمليّات القتاليّة واحترام القانون الإنساني الدولي في شمال غربي سوريا، بناءً على اقتراح فرنسا، وفق ما أفادت مصادر ديبلوماسيّة. وصرّح السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير للصحافيين اثر اجتماع مُغلق للمجلس تخلّله توتر حاد بأنّ "روسيا قالت كلّا"، فيما قال نظيره البلجيكي مارك دو بوتسفيرف الذي يتولّى الرئاسة الدوريّة للمجلس: "ليس هناك إعلان، لم يكن ذلك ممكناً".

وأورد ديبلوماسيّون أن الاجتماع المُغلق الذي أعقب جلسة علنيّة، تخلّله تبادل "شتائم" وتوتر حاد. ونقل أحد الديبلوماسيين أن روسيا انتقدت الغربيين بشدّة "لعدم تفهّم الموقف الروسي"، مضيفاً أن "المجلس مشلول بالكامل". وذكرت المصادر نفسها أن الصين أيّدت موسكو في موقفها.

وخلال الاجتماع العلني، طلب السفير الروسي لدى المنظّمة الدولية فاسيلي نيبنزيا من الدول الغربيّة الكفّ "عن حماية المجموعات الإرهابيّة" و"اللجوء إلى ورقة معاناة المدنيين ما أن تتعرّض مجموعات إرهابيّة للتهديد" في سوريا، بينما كان الموفد الأممي إلى سوريا غير بيدرسون قد حذّر أمام مجلس الأمن من "خطر وشيك للتصعيد"، بعد التصريحات الأخيرة لتركيا وروسيا.

وقال بيدرسون: "لا يُمكنني الحديث عن أي تقدّم لوضع حدّ لأعمال العنف في الشمال الغربي أو لإحياء العمليّة السياسيّة"، موضحاً أن موسكو وأنقرة لم تتوصّلا إلى "أي اتفاق"، رغم محادثات مكثفة بينهما.

كذلك، طالبت ألمانيا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بـ"دخول الحلبة" ومحاولة وضع حدّ للعمليّات القتاليّة الراهنة. وقال السفير الألماني كريستوف هوسغن: "نتحمّل مسؤوليّة هائلة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن لوقف ما يحصل". واعتبرت برلين أيضاً أن عمليّة أستانا (التي تضمّ روسيا وتركيا وإيران) انتهت، وأيّدتها في ذلك بريطانيا واستونيا وبلجيكا، فيما أبدت الولايات المتحدة دعمها لتركيا مذكّرةً بأنّها تستضيف ملايين اللاجئين السوريين على أراضيها.

من جهتها، دعت باريس إلى بذل "جهد مشترك" لإنهاء ما تعتبره الأمم المتحدة "أكبر أزمة انسانيّة في سوريا منذ بدء النزاع" في 2011، في وقت دعا تحالف المنظّمات السوريّة غير الحكوميّة الجهات المتحاربة إلى السماح بوصول آمن للمنظّمات الإنسانيّة وإلى "وقف تام لإطلاق النار ولانتهاكات حقوق الإنسان".

تزامناً، وصلت رحلة جوّية مدنيّة ظهر أمس إلى مطار حلب الدولي قادمةً من دمشق، لتدشّن بذلك استئناف الرحلات التجاريّة إلى مدينة حلب في شمال البلاد، بعد توقف دامَ ثماني سنوات. واستأنفت دمشق العمل في الرحلات التجاريّة في مطار حلب، بعد أيّام فقط على سيطرة جيش النظام على محيط المدينة وإبعاده الفصائل الجهاديّة عنها لضمان أمنها من مرمى القذائف.


MISS 3