مجيد مطر

عندما لم ينكر ميشال عون تهمة تهريب المال العام

4 آذار 2023

02 : 00

الأحداثُ والتطورات أنستنا قضية الأموال التي قيل إنّ الرئيس السابق ميشال عون استلمها من الرئيس الراحل صدام حسين لدعم الجيش اللبناني، والتي قام بتحويلها إلى حساب زوجته في الخارج، واستعمالها لغايات شخصية.

لكنّها عادت لتشغل حيزاً من اهتمامات الرأي العام بعدما تقدم المحامي لؤي غندور من النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان بإخبار بصفته الشخصية وبصفته رئيس «قوة العمل اللبنانية لمكافحة الفساد» بوجه كلّ من: ميشال عون وزوجته وشقيقها وكل من يظهره التحقيق «فاعلاً أو شريكاً أو محرضاً أو متدخلاً بجرائم اختلاس المال العام...» (راجع نداء الوطن 1/3/2023).

وقد نفى السيد عصام أبو جمرا «الشاهد الحي» في بيانٍ له، أن يكون قد اشترك أو ساعد صديقه السابق ميشال عون بالتصرف بالمال العام، موضحاً أنّه قد اختلف معه، على خلفية تحويله، الأموال إلى الخارج باسم زوجته وشقيقها.

وهذه الواقعة لها جذورها الحقيقية، كون الكثير من تفاصيلها قد تمّ نشره، وأصبح معلوماً بالأدلة والبراهين والتواقيع والتحويلات، لا بل أكثر باعترافات ميشال عون نفسه أيضاً... وهي من الأهمية بمكان أن تُتخذ في بعدها القانوني، كدليل يفيد الحقيقة كما هي، بحياد وموضوعية.

كيف ومتى اعترف ميشال عون بالواقعة؟

جاء في كتاب «الدعاية والرأي العام» للمقدم الدكتور علي عواد، في الصفحة 312، أنّه في مطلع العام 1990 نشرت صحيفة (le Canard enchainé) الفرنسية أنّ رئيس الحكومة العسكرية قائد الجيش العماد ميشال عون قد فتح حساباً مصرفياً سرياً ضخماً في Banque Nationale de Paris Intercontinentale باسمه الشخصي واسم زوجته. فتلقفت الحكومة اللبنانية المنبثقة من اتفاق الطائف برئاسة الدكتور سليم الحص هذه الأخبار وكلّفت من يلزم لإجراء التحقيق القضائي.

أمام هذا المعطيات التي انتشرت كما الهشيم في النار، سارع العماد عون كما جاء في الكتاب نفسه، إلى عرض الحقائق كاملة معلناً أنّ لديه عدة حسابات وليس حساباً واحداً، وفي عدة مصارف، قيمتها «كذا» وأرقامها «كذا»، موضحاً أنّ هذه المبالغ مخصصة لمصلحة الوطن والمواطن وهي باسمه الشخصي منعاً لسرقتها من «الحكومة المزعومة» حسب تعبيره. وأوضح أنّها من مصادر وحسابات هي من المتمولين وتبرعات شعبية لدعم «مسيرة التحرير». وقد جاء أيضاً في الكتاب أنّه لمجرد تقديم عون التوضيحات هرعت الجماهير إلى القصر وقدمت التبرعات في أكياس وكسرت «القجج» و»تحويجة العمر»، وتبرعت بمحتوياتها «لبطل التحرير» حسبما صورت وأذاعت وسائل اعلام العماد، وحسبما أفاد بعض الشهود. انتهى ما ورد في الكتاب.

في تحليل الوقائع:

من المعلوم أنّ الرئيس السابق ميشال عون قد عاد بصفقة مع حلفاء سوريا إلى لبنان، مضمونها إغلاق كلّ الملفات القضائية ضده، ليتسنى له التموضع السياسي إلى جانب قوى الممانعة، على طريقته وبأسلوبه، فكان ما سُمي بـ»الحلف الرباعي» كذريعة تحريضية للجمهور العوني، كي يسهّل انقلاب الجنرال على تاريخه بحجة «المظلومية»، وقد تبيّن لاحقاً أنّ الحلف لم يكن رباعياً بل خماسياً، حيث قام «حزب الله» بالتصويت للوائح «التيار» في أغلب المحافظات ما عدا قضاء بعبدا بخطة مدروسة ومحكمة، لإحداث تسونامي انتخابي يؤمن للجنرال التمثيل المسيحي الشبه الحصري. فكان ما كان.

ويتبدّى في ما ورد من معطيات في متن الكتاب الذي نقل ردّ فعل ميشال عون حيال الاتهامات، حيث استوعب الهجوم، فهو يدرك جيداً نوعية جمهوره وانقياده الأعمى له، ولكل ما يأتي به من أفعال وتصريحات. ميشال عون هو الأكثر تقلباً وانقلاباً على ما يبديه من مواقف، بيد أنّ تياره يرفض مقارنة أفعاله بأقواله، لقدرته على التلاعب بعواطف الجمهور وغرائزه.

ويلاحظ أيضاً، كيف أنّ ميشال عون لمجرد أن كُشفت حقيقة تحويل الأموال، وبذكاء لافت، وبدلاً من نكران الواقعة، قام بهجوم مضاد معترفاً بذلك، إنّما بحجة أنّه قد فتح الحسابات، لحماية الأموال من حكومة الحص غير الشرعية. فصدّق الجمهور مجدداً روايته من دون دراية أو تمحيص.

وعليه بما أنّ ميشال عون نفسه، واستناداً إلى ما ورد في الكتاب، قد اعترف بأنّه قد حوّل الأموال لحمايتها، ولم ينكر ذلك، فإننا نتساءل مع الكثيرين: لماذا لم يقم بإعادة تلك الأموال بعد عودته إلى لبنان، وبعدما أصبح جزءاً من السلطة رئيساً، ونواباً، ووزراء؟